لا ملاذ آخر للأمهات الصغيرات اللاتي آوين إلى ملجأ نادر من نوعه في هضبة المقطم بالقاهرة. كلهن نشأن في الشارع، وبعضهن تعرض للتحرش الجنسي أو الاغتصاب، وأخريات يقلن إنهن تزوجن لكن أزواجهن تخلوا عنهن. ويقدم الملجأ أو "دار الأمهات الصغيرات"، الرعاية والمشورة لهن وللأطفال الذين أنجبنهم خلال حياة الشوارع. وتحدثت واحدة من نزيلات الدار التي تديرها جمعية قرية الأمل الخيرية عن الناس الذين قابلتهم في العالم القاسي الذي نشأت به. وقالت: "الناس ما بيعرفوش يتكلموا إلا بالموس اللي في ايديهم. ما يعرفوش يتكلموا زي البني آدمين كده.. يعني.. مش بيعرفوا". والنساء الصغيرات نزيلات الدار منبوذات إلى حد بعيد من المجتمع المصري، لكن الدار تعمل بكل الوسائل الممكنة من أجل محو تلك الوصمة من خلال إعادة دمجهن في المجتمع مجددا. ويقول المؤسسون إن الدار آوت 138 فتاة منذ افتتاحها عام 2004 وإن كثيرات منهن إما جمع شملهن بأسرهن أو تعلمن عملا ليعلن أنفسهن وأطفالهن من خلاله. وذكرت واحدة من النزيلات، أن الحياة في الشوارع كان يمكن بسهولة أن تجبرها على التخلي عن طفلتها الرضيعة قبل أن تلجأ إلى الدار. وقالت الفتاة: "كنت حانام به في الشارع وكنت حاتبهدل به طبعا. كنت ممكن سبته (تركته) ومشيت.. في الشارع لأن أنا بره (في الخارج) مش ح أبقى حاسة بأي حاجة.. حاسة أن أنا شايلة حاجة ثقيلة ومش.. اعمل ايه ولا عارفة اتصرف. ولا حد.. يعني حاسة ان أنا معايا حاجة كدة زى بلوى ومش عارفة اعمل بها ايه ومش ح أبقى حاسة بها. لكن لما جيت (أتيت) المكان ده وخلفت فيه (أنجبت) عرفت اني أحافظ عليه وأربيه وكده"، وتشير معظم التقديرات إلى أن مصر فيها الآلاف من أطفال الشوارع. وقدمت الدار المساعدة لبعض أمهات صغيرات لم يتجاوز عمرهن 12 عاما. وفي فبراير من العام الحالي بلغ عدد النزيلات تسع فتيات علاوة على 16 طفلا. وذكرت نزيلة في الدار إن المجتمع يحملهن المسئولية عن المصير الذي تؤول إليه ضحايا الاغتصاب، وقالت: "هم البنات للأسف اللي بيبقوا ضحايا أكثرية الوقت. هو العيب بيبقى في الأسر المتفككة إما في الجمعيات إما فيه حاجة ثانية." وتتولى جمعية قرية الأمل رعاية عدد كبير من الأيتام وأطفال الشوارع في أنحاء مصر وتدير مراكز لاستقبال المشردين منذ عشرة أعوام. وينزل المسئولون في الجمعية والعاملون فيها إلى الميدان حيث يحاولون كسب ثقة أطفال الشوارع من أجل إلحاقهم بمراكز لإعادة التأهيل. وذكرت عبلة ألبدري الأمين العام لقرية الأمل أن الجمعية لا تقتصر مهمتها على علاج الصدمة التي تصاب بها الفتيات ضحايا الاغتصاب بل تواجه التحدي المتمثل في رفض المجتمع للأطفال الذين يولدون خارج رباط الزواج. وقالت: "التحدي الأساسي كان المجتمع المحلي أو المحيط بنا.. غير القابل لوجود هذه الفئة من الأطفال، ويعتبرهم منحرفات أخلاقيا دون النظر إلى الظروف اللي دفعتهم إلى التواجد في الشارع وأيضا حدوث حوادث الاغتصاب بالنسبة لهم". وتتعلم الفتيات في الدار حرفا مثل نسج السجاد أو صنع شموع الزينة لمساعدتهن في كسب الرزق إذا قررن مغادرة الملجأ في نهاية المطاف. ويتصل المسئولون عن الدار أيضا بأسر الفتيات في محاولة لجمع الشمل. ويسمح للفتيات بالبقاء في الدار خمس أو ست سنوات إلى أن يتمكن من الاعتماد على أنفسهن، ويقول العاملون في الدار إنهم نجحوا في بعض الأحيان في العثور على أزواج لبعض النزيلات رغم نظرة المجتمع القاسية غليهن. وذكر سيد أنور مدير الدار أنها لا تؤوي ضحايا الاغتصاب فحسب بل أي فتاة لا تجد مكانا تعيش فيه سوى الشارع. ولكن الدار واجهت قدرا من الفشل أيضا حيث عادت بعض نزيلاتها إلى الحياة التي لا ترحم في شوارع القاهرة.