نقرأ عنوان رواية الكاتب والشاعر اليمني علي المقري وهو "اليهودي الحالي" فتقفز إلى الذهن فكرة مسبقة فحواها أن كلمة "الحالي" في العنوان تعني الزمن الحاضر ونتصور أن الرواية ستتحدث عن اليهود في الحاضر والماضي. إلا أن العنوان هنا خداع فمعنى اليهودي الحالي عند علي المقري غير ما يتبادر إلى الذهن. فالحالي في المحكية اليمنية يعني "الحلو" أو الجميل. و"الحالي" هنا طبعا من حيث المعنى مناقضة للبشع. لكن البطلين يلتقيان في الطيبة والنية الحسنة وفي أنهما ذهبا -مع آخرين حولهما- ضحية لقوى ساحقة لا تأبه لكل تلك الفضائل التي تسعى إلى حل بعض مشكلات الإنسان وجعله أقل شقاء. جاءت رواية علي المقري في 149 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "دار الساقي" في بيروت بغلاف من تصميم سارة همدر. للمقري في هذه الرواية قدرة خلابة على التأثير في القارئ على رغم تساؤلات في بعض الأحيان عن نقاط معينة. استطاع الكاتب الدخول إلى حقبة من التاريخ وإعادة نسجها روائيا بشكل دافئ مؤثر فيه أحيانا سمات من حركة الأحداث التاريخية في فترات التحول وأحيانا عديدة متعة كمتعة الاستماع إلى قصة مؤثرة في ليل من ليالي الشتاء. الموضوع يتناول العلاقات -علاقات الحب بشكل خاص وغيرها- بين جماعتين دينيتين مختلفتين. وهما المسلمون واليهود في فترة مضت من تاريخ اليمن. وقد عولج هذا الموضوع عامة في أكثر من عمل روائي عربي واحد.. لعل أول هذه الأعمال عمل جيد لكنه بقي مغمورا صدر في منتصف عقد الأربعينات من القرن العشرين للكاتب اللبناني الراحل جورج مصروعة. علاقة حب بين اثنين من طائفتين لبنانيتين مختلفتين. تنتهي الرواية نهاية مفجعة منها أن بطلها أصيب بجنون وتحول إلى متشرد في بلد أفريقي كان قد هاجر إليه. اسم الرواية واضح في مدلوله.. انه "ضحيتان". يكتب علي المقري بإقناع فكأنه يعيش في الفترة التاريخية التي يحددها لعمله. هو هنا يخلق أجواء تشبه الأجواء التي يخلقها الكاتب اللبناني المقيم في فرنسا أمين المعلوف في رواياته التاريخية.