ما بين قانون الآثار الجديد مرورا بحكايات لعنة الفراعنة والذين هبطوا من السماء، وانتهاء برأس نفرتيتى، دارت نقاط الحوار مع د.عبدالحليم نورالدين عالم المصريات والمستشار الثقافى بمكتبة الإسكندرية. وفى هذا الحوار الذى استهدفت «الشروق» من ورائه رسم صورة بانورامية لما آلت إليه الأوضاع الأثرية فى مصر، فجر د.نورالدين أكثر من قضية ساخنة، تكشف تفاصيلها السطور التالية. كيف تقيم اقتراح السماح بالتجارة فى الآثار؟ الفكرة والاقتراح إساءة لسمعة مصر، وياريت صاحبها يهتم بالحديد ويسيب آثار مصر فى حالها!!، لأن اقتراحه يفتح بابا للتفريط فى آثار مصر وسيبيح النبش وليس التنقيب عنها، وهذا سيزيد عدد تجار الآثار على عدد تجار المخدرات، ولذلك لا بد من محاسبته لأن اقتراحه نوع من التهيئة لارتكاب الجريمة، خاصة أن هناك ضعاف نفوس يعملون بالمجلس الأعلى للآثار يقومون بتهريب قطع أثرية للتجار لعرضها، ثم يقوم التجار بتبديلها بأخرى مزيفة، رغم أن بند الحيازة من أخطر بنود قانون الآثار الجديد. وما السند القانونى لهذا الاقتراح؟ معلومات مضللة، استنادا إلى قوانين الدول الموصوفة بالمتقدمة والتى تسمح ببيع الآثار، وعندما كنت أترأس اللجنة التنفيذية للمتاحف فى اليونسكو، كانت هناك ثلاث دول فقط هى التى تسمح ببيع الآثار منها إسرائيل، والغريب فى الأمر أن القانون الجديد غلظ عقوبة سرقة الآثار. لماذا تأخر إقرار قانون حماية الآثار؟ رئيس مجلس الشعب «معجبهوش» القانون، مبررا ذلك بأن به ألفاظا حادة، وغير دقيق، وبه إساءة للتشريع، ولا يختلف كثيرا عن القديم رقم 117 لسنة 1983، لكن حدث حوار بين الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب ووزير الثقافة الدكتور فاروق حسنى لإعادة النظر فى بعض النقاط المتعلقة بالقانون مما ساهم فى حل هذه الخلافات فى وجهات النظر. هل هناك من لديهم مصالح شخصية من وراء تعطيل قانون حماية الآثار الجديد؟ أكيد هناك أناس سوف تقف فى وجه القانون الجديد، لأن تجارة الآثار أصبحت أكثر ربحا من تجارة المخدرات، وأعتقد أن المجلس الأعلى للآثار عمل اللى عليه، وليس هناك من يبدأ من فراغ. الآلية التى من خلالها يمكن التخلص من مافيا الآثار؟ سرقة الآثار لن تتوقف بشكل نهائى، إنما نستطيع الحد منها عن طريق التدقيق فى منافذ الخروج من مصر «السلوم، وودادى حلفا، والموانئ، والمطارات» وذلك بفحص جميع الحقائب، فضلا عن وجود قانون حازم ورادع لان من يسرق آثار مصر «خائن» لوطنه، لأن الآثار «مش» تليفزيون اسرقة وخلاص، بالإضافة إلى إنشاء مخازن حصينة والتى تم البدء فى إنشائها منذ 15 عاما، وتوفير حماية أمنية مناسبة، وحراسة بشرية قوية، وأخيرا أجهزة إنذار ضد السرقة والحريق. كيف نتمكن من استرداد آثارنا المهربة بالخارج؟ مصر استردت 38 ألف قطعة من إسرائيل، لكن الكارثة أننا فى الوقت نفسه نسمح ببيع آثارنا بالداخل، وبالتالى يصبح اقتراح بيع الآثار لصالح مجموعة من الأشخاص لديها قطع أثرية وتريد «تفصيل» إطار شرعى لبيعها، والمؤكد أن الرئيس مبارك ليست لدية دراية بهذا الأمر، خاصة أن القاعدة العامة فى قانون الآثار أنها ملك الأمة وليس لشخص بعينه، ومن «العار» أن ينشئ رجال الأعمال متاحف فى القرى السياحية الخاصة، إذا أبيح النبش عن الآثار ووضعها فى هذه المتاحف، دون التنقيب عنها لحساب الدولة. ما الدور الذى يقوم به المختصون فى هذا الصدد؟ بالنسبة لى فأنا أعلن تكاتفى مع وزير الثقافة ورئيس المجلس الاعلى للآثار فى مناهضة اقتراحات التجارة فى الآثار، وذلك لأن آثار مصر «كالعقد فى الرقبة» إذا انفرط هذا العقد انفرط التاريخ بأكمله، وعلينا مساندة قانون الآثار الجديد والضرب بيد من حديد على الأفكار المطالبة بالسماح بالتجارة فى الآثار لأنها ستبيح العبث بالثروة الأثرية فى مصر. ماذا عن «لعنة الفراعنة» و«الذين هبطوا من الفضاء»؟ للأسف الشديد بعض ممن كتبوا عن «توت عنخ أمون» والمسيح عليه السلام» وأن «موسى هو اخناتون» تحدثوا أيضا عن «لعنة الفراعنة» و«الذين هبطوا من الفضاء» دون أى أسانيد علمية أو منطقية. وأنا أؤكد أنه ليست هناك لعنة للفراعنة، وأقول «لعنة الله على من يتحدث عن لعنة الفراعنة».. وفى تصورى أن الهدف الحقيقى لهؤلاء الكتاب من حديثهم عن لعنة الفراعنة هو إثارة فضول الناس لبيع كتبهم بغرض التربح وليس بقصد وضع الآثار المصرية فى بؤرة الضوء.. ولأسف أصبح كل ما يتردد على ألسنة الناس هو أن من يعمل فى مجال الآثار سوف يصاب بلعنة الفراعنة وكل من يشتغل فى مقبرة يموت، ويستشهد البعض بمزاعم عن إصابة «هوارد كارتر» مكتشف مقبرة «توت عنخ أمون» بلعنة الفراعنة وهو أمر غير دقيق وليس هناك سند علمى أو تاريخى يدل على ذلك، لأن كارتر توفى بعد اكتشاف المقبرة ب17 سنة وليس مطلوبا أن يخلد أو يحنط. هل هناك أضرار تلحق بالآثار خلال نقلها من مكان لآخر؟ نقل الآثار مهمة تقنية دقيقة جدا، والفرنسيون أقدر منا على أدائها، حيث يأخذون احتياطات أمنية فى التغليف والدليل أنهم عندما نقلوا 500 أثر لعرضها فى فرنسا وألمانيا، لم تتأثر منها قطعة واحدة، وهذا يدل على خبرتهم الفائقة فى هذا المجال، وهم لديهم تقنية تكنولوجية وضمير وخبرة عالية للغاية، نحن بعيدون عنها كل البعد بعدم تفانينا فى العمل بدقة، لكن لدينا محاولات فى الوصول إليها ونتمنى ذلك حيث أننا أصحاب حضارة. هل هناك أمل فى عودة رأس تمثال جميلة الجميلات نفرتيتى من متحف برلين؟ أرجو أن يكون الشأن الدبلوماسى له دور فى ذلك، لأن الألمان قالوا للدكتور زاهى حواس أمين المجلس الأعلى للآثار «بالوثائق» إن نفرتيتى خرجت من مصر بشكل طبيعى وذلك من وجهة نظرهم، وعلى حد تعبير مديرة متحف «برلين»، وهذا ليس معناه أن لهم الحق فيما يقولون، ولو كان لديهم حسن نية كانوا أعطوها لمصر تعرضها ولو لمدة 6 أشهر احتراما للمصريين، وأرى أن استرداد رأس نفرتيتى صعب للغاية ومطلب معقد، لأن كل طرف يدعى أن لديه الأدلة التى تثبت أحقيته فى امتلاكها.