«نسج بديع للقصص، وأصوات متعددة للرواه في قالب من الخيال الجامح»، هكذا أعتمد الأديب الراحل الكبير خيري شلبي، في إبداعه لنصوص «بغلة العرش» واحدة من رواياته التي قدمت معالجة مميزة لما يتعلق طموح البسطاء في الثراء السريع حيث تدور أحداثها في أجواء رمضانية، بقرية بني سالم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بالتحديد في ليلة القدر. ويتشكل قوام الرواية من حالة شغف وانتظار الأهالى لظهور «بغلة العرش» المحملة بالثروات والذهب لتحط رحالها في بيت الشخص الموعود، لكن مع الذهب سيكون هناك رأس قتيل أيضا على الشخص نفسه أن يدفنها في بيته، حيث يصل بنا الكاتب عبر "بغلة العرش" إلى ما مفاده أنه لاثراء سريع ومريب يكون مبني على خلفية شريفة ونزيهه. ويجيد الأديب الكبير خيري شلبي توظيف الأسطورة أو الخرافة لتكون هي بطلة الرواية، أو "بغلة العرش"، حيث تبدأ الأحداث بجلوس المؤلف على طابية قنطرة ترعة السليمونية في ليلة القدر، ويتوافد عليه بعض الناس من القرية الذين كانوا يعشقون الجلوس هناك ويحكي كل منهم حكايته مع بغلة العرش واعتقاده فيها، كل منهم له مذهب مختلف ورؤية مختلفة حول البغلة، نظرا لتعدد ثقافاتهم. فإذا كان الشيخ عبد المقصود الأزهري يرى أن بغلة العرش هذه ابتدعها الشيخ جمعة، إمام مسجد القرية، خصيصا كستار لغني أقاربه الفاحش المفاجئ فإن ابن الحاج على داود يعتقد أن أباه قد رزق بغلة العرش، أما عبده جحشة «نجار السواقي» فيرى أنه لو كانت هناك بغلة عرش فكيف تأتي لمن لا يصلى ولا يتصدق -أي لمن لا يستحق- بينما يتبنأ آخر أن بغلة العرش في ليلة القدر هذه ستأتي هذا العام لمحمد أفندي ريشة المدرس المحال على المعاش فهو أحق الناس بها. ويسعى الجميع خلف بغلة العرش في محاولة منهم للظفر بها، ولكنها تتجه إلى عبد الرؤوف، فراش مدرسة البندر، الذي يعود بها إلى البيت ومن ثم سلّموا بحقيقة البغلة، ويرجعون أدراجهم حسيرين لأنهم لم يفوزوا بها. ومع وضح النهار لليوم التالي تأتي صدمة أخرى، وهي أن البغلة التي أخذها عبد الرؤوف وعليها خرج الذهب كانت تحمل فوقها رأس الحاج على داود -الدحلاب- فقد كان يجمع أموال الشباب العائدين من الخليج ويتاجر بها حتى نمت تجارته وأصبح من ذوي الأملاك، ومع ذلك ما زال يحتفظ بركوب البغلة، ويتظاهر بالزهد والفقر دفعا للطمع به ومطالبة المودعي. عبر سرد متقن من الأديب الكبير خيري شلبي، نتلمس مجموعة من الدروس التي يسهل على القارئ تلقفها واستيعابها، حيث لا ثروة سريعة أو مبهمة منزهة، فلا تنتظر "بغلة العرش".