فى الوقت الذى تتحفز فيه الولاياتالمتحدة من اجل القبض عليه أو تصفيته، يبدو الشيخ اليمنى الشاب أنور العولقى الذى كان الملهم الروحى للضابط نضال حسن فى هجومه على قاعدة فورت هود بتكساس قبل شهر، فى مأمن كبير حيث لا تجد الحكومة اليمنية حيلة من اجل اعتقاله رغم معرفتها مكانه والسبب يتلخص فى كلمتين: « العرف القبلى». وذات الكلمتين هما السبب وراء صعوبة القضاء على تنظيم القاعدة فى اليمن فى الوقت الذى تحتمى عناصره بقبائلهم، كما ان هذا العرف يمنع ايضا تسليم الغرباء اذا استجاروا بالقبيلة طلبا للحماية، الامر الذى يسبب صداعا من نوع جديد فى رأس واشنطن التى تجد نفسها فى حرب ببؤرة جديدة ضد التنظيم الذى يتكاثر ذاتيا فى مناطق متفرقة. وفيما تعلن السلطات اليمنية انها تجرى مفاوضات مع جهات قبلية لتسليم العولقى الموجود حاليا فى محافظة شبوة، يؤكد الرجل نفسه أن احدا لم يتصل به وانه ليس هناك تفاوض حول شىء. كما انه لا رغبة لديه ابدا فى تسليم نفسه، حسبما نقلت وكالة الانباء الفرنسية عن الصحفى اليمنى عبد الاله الشائع. وقال شائع ان «انور موجود فى منزله ويتمتع بحماية قبيلته. الشرطة والجيش يعرفان انه من المستحيل القاء القبض عليه هناك». وذكر العولقى الأب أن «عناصر من القاعدة يقومون على الأرجح بحمايته، وذلك لكونهم من نفس القبيلة وليس لكونه عضوا فى القاعدة». وبحسب الشائع، فان قبيلة العوالق التى ينتمى إليها العولقى منعت دخول الشرطة والجيش إلى المكان الذى استهدفته الغارة التى شنها الطيران اليمنى فى 24 ديسمبر والذى يقع تحت سيطرتها. ولا تسيطر الحكومة اليمنية على مناطق كثيرة ضمن الأراضى اليمنية الداخلية شمالا وشرقا، حيث تبسط القبائل سلطتها على هذه الأراضى التى يوجد فيها آلاف الرجال المدججون بالسلاح والمتشبثين باستقلالية القبائل. وفى هذا السياق، يقول المحلل السياسى اليمنى عبد الرقيب منصور فى حديث ل«الشروق» ان بعض أفراد القاعدة ربما ينتمون لإحدى القبائل اليمنية ويصبح لزاما على القبيلة ان تحميهم باعتبارهم اعضاء فى القبيلة وربما يكون البعض الآخر من قبيلة أخرى يستجير بالقبيلة سواء كان من القاعدة، فلابد للقبيلة ان تحميه استنادا للعرف القبلى «حماية المستجير» وهو ما يمثل مشكلة لدى الحكومة فى مواجهة هذه الظاهرة. ويقول منصور: «من المستبعد ان تسلم القبيلة أبناءها تحت أى ظرف، وان كان يمكن ان تبعد غير أبنائها لكن ذلك لا يحدث كثيرا». وبحسب منصور، لا يوجد أمام الدولة فرصة لتصفية عناصر القاعدة المطلوبة سوى استخدام القوة وعادة ما تكون فى شكل غارات جوية بعد تحذير القبائل من عدم ايواء هؤلاء، لكن ذلك سرعان ما يرتد عكسيا حيث يجعل ذلك من القبيلة عدوة للدولة. « ومن هنا يتحول الصراع بين الدولة والقاعدة إلى صراع بين الدولة والقبيلة»، مشيرا إلى ان ذلك هو ما تريده القاعدة. ويؤكد ذلك الشيخ عرفج بن حمد بن هضبان رئيس مجلس قبائل بكيل للسلم والاصلاح، وهى هيئة للتنسيق بين القبائل، حيث قال فى وقت سابق ان قبيلته غير معنية بملاحقة القاعدة « فالدولة تملك اجهزتها الامنية الخاصة التى يمكن ان تؤدى هذه المهمة». واذ يتفاخر بأن قبيلته التى تشكل غالبية السكان فى الجوف «تحظى بمائتى ألف مقاتل مدججين بشتى انواع الاسلحة الثقيلة ما عد الدبابات والطائرات»، حذر الشيخ عرفج من ان قبيلة دهم «ترفض تسليم أى مشتبه به لم تتأكد ادانته». واعتبر الشيخ عرفج ان «القبيلة قد ترفض تسليم متهم ترى ان جرمه لا يقتضى تسليمه». ويثير ذلك تساؤلا حول علاقة الدولة بالقبيلة وحدود كل منهما، لكن الاجابة ربما تأتى محيرة، «فالدولة اليمنية هى نتاج القبيلة وبدون القبيلة لا توجد دولة»، على حد تعبير المحلل السياسى اليمنى. فالثورة اليمنية التى اندلعت عام 1962 اعتمدت على دعم القبائل وهم الذين ساندوا النظام الجمهورى فيما بعد، والمفارقة ان انصار الملكية اعتمدوا ايضا على قبائل اخرى، فأصبحت القبيلة هى العنصر الاساسى فى الصراع بين الجمهورية والملكية، واستفادت من ذلك فى تدعيم مكانتها السياسية والاجتماعية، بحسب منصور الذى اشار إلى ان بعض القبائل لعبت ايضا على الحبلين، فكانت «جمهورية بالنهار وملكية بالليل»، مستفيدة بذلك من الاموال التى كانت تجنيها من كلتا القوتين لابداء الدعم. وعقب الثورة، اعتمدت الحكومة المركزية على القبيلة فى تدعيم النظام، وخاصة فى اليمن الشمالى، فأصبح لها دور مؤثر فى الحكم واختيار الحكام. وفى هذا السياق، يشار إلى أن الرئيس اليمنى الحالى على عبد الله صالح الذى يحكم البلاد منذ 30 عاما ينتمى إلى قبيلة حاشد وهى واحدة من اكبر القبائل اليمنية، وبالتالى ينحدر معظم المسئولين اليمنيين النافذين من تلك القبيلة بل ومن الأسرة الحاكمة ذاتها. وينحدر اليمنيون من خمسة قبائل رئيسية: هم حاشد وبكيل (وهما اكبر قبيلتين فى البلاد) ومذحج وحمير وكندة. وحول ما يثار عن وجود اتجاه لتوريث السلطة فى اليمن، تظهر القبيلة كركن اساسى فى هذا السيناريو حتى وان كان يشكك البعض فيه، حيث يقول منصور انه «بالرغم من تراجع مسألة التوريث من صدارة الاحداث، فانه اذا فتح الباب بالفعل امامها، فانه لن يحوز أى شخص الرئاسة دون الحصول على رضا القبائل».