مراقبة تناول المضادات الحيوية يتغير العالم من حولنا لكن قناعاتنا العلمية تأبى علينا أن نغيرها، نظل نعتقد فيما نقوله للمريض سنوات طويلة ونكرره بصدق فماذا يكون موقفنا حيال دراسات حديثة فى مواجهتها تتهاوى مسلّمات درجنا على الدفاع عنها بحزم والإشارة إليها فى كل مرة نعود فيها مريض للمناظرة! فى زمن يهاجم فيه فيروس الكورونا الجنس البشرى بضراوة فلم يعد فى هذا العالم مكان آمن لم يطاله الفيروس، ويصل إليه أذاه يضاعف من خطورة قدره المذهلة على التكاثر وسرعته المرعبة فى الانتقال بكل الوسائل التى تخطر على بال، وعدم توافر علاج شافٍ أو لقاح يوقف زحفه. يستنجد الإنسان بمناعته الطبيعية فيبحث عن أى وسيلة لاستنفارها فيلجأ أول ما يلجأ إلى الفيتامينات التى يرى فيها خطًا للدفاع سابق التجهيز.. فهل فيها بالفعل ما قد ينقذه من مواجهة صعبة مع الفيروس فيخرج منتصرا؟ قبل أن تطغى أخبار الوباء على كل أخبار العالم كان الحديث عن نتائج دراستين هامتين أعلنتا فى شهر أكتوبر الماضى، وتسابقت على نشرها كبريات صحف العالم ووسائل إعلامه. الدراسة الأولى تشير إلى عدم جدوى تناول الفيتامينات ومضادات الأكسدة والمعادن وإن استثنت فيتامين (د) ومعدن الزنك لكنها أغفلت الأوميجا 3 فلم تشر إليها من قريب أو بعيد. تؤكد الدراسة أن تناول طعام متوازن ونمط حياة صحى نشط يضمن للإنسان السلامة دونما اللجوء لتناول أى مكملات غذائية تناقش الدراسة مسلّمات ارتبطت فى الأذهان طويلا بفاعلية الفيتامينات على سبيل المثال: فيتامين (أ) لسلامة العينين، مجموعة فيتامين (ب) المركب لمقاومة الضغوط والحفاظ على الذاكرة. ترى الدراسة أن الأمر لا يستحق وأن تناولها من خلال الطعام المتنوع أكثر جدوى من تناولها كأقراص. أيضا فيتامين (ج) تناوله من الفواكه والحمضيات أكثر فائدة فى مقاومة نزلات البرد، كذلك فيتامين (ه) أفضل من كل الخضراوات ذات الأوراق داكنة الخضرة مثل السبانخ والملوخية والبروكلى. ترشح الدراسة كل أنواع الفراولة والتوت البرى للحصول على مضادات الأكسدة من مصادرها الطبيعية. تشير الدراسة أيضا إلى أن الزيادة فى نسب الفيتامينات قد يؤدى إلى المهالك ضاربة المثل بأن الرجال المدخنين الذين يتناولون فيتامين (أ) بانتظام أملا فى حمايتهم من السرطان أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة أكثر من غيرهم! أما جرعة الفيتامينات المجمعة فلا داعى لها إطلاقا من وجهة نظر الدراسة. فيتامين (د) كان الوحيد الذى استند الدراسة لصعوبة الحصول عليه من الطبيعة وألوان الطعام وأوصت بضرورة التعرض للشمس حتى يتمكن الجسم من إنتاجه بنفسه. أيضا الزنك لأهميته لمناعة الجسم وندرته فى الطبيعة. فى النهاية أشارت الدراسة بضرورة أن تتناول الحامل أو من تنوى الإنجاب حامض الفوليك. التعليق على تلك الدراسة لا يمكن أن يتم بصورة سريعة قد تجعلنا غير منصفين. لكن إذا أردنا بالفعل نقطة التقاء ترتكز على أرضية علمية ثابتة: أهم ما فى تلك الدراسة هو أنه لا جدال فى أن الحصول على الفيتامينات ومضادات الأكسدة والمعادن نادرة الوجود من مصادرها الطبيعية، إنما هو أفضل من الحصول عليها مصنعة فى صورة كبسولات أو أقراص أو حقن. إذا كان هذا هو وجه الحقيقة فالوجه الآخر لذات الحقيقة أن الفيتامينات ومضادات الأكسدة والمعادن النادرة كلها مهمة وإن اختلفت درجات أهميتها وفقا للأدوار التى تلعبها. الحقيقة الثانية أن الحصول عليها فى صورة مصنعة ضرورة متى كشفت أعراض بعينها عن نقصانها إذ إنه فى تلك الأحوال الحصول عليها من مصادرها الطبيعية يخضع لعوامل متعددة مختلفة. الحقيقة الثالثة: أنه لدى الأطفال وكبار السن احتياج لبعض منها فى صورتها المصنعة لنعط فيتامين (د) للأطفال والحديد لكبار السن. الدراسة الأخرى الهامة تتعلق بضرورة الانتهاء من «كورس» المضاد الحيوى كاملا فلا يجب التوقف عند زوال الأعراض. أعتقد أن تلك النتيجة محاولة لتقليص ما يستهلكه العالم من مضادات حيوية بعد أن تضاءلت فائدتها نتيجة ظهورها أجيال من الميكروبات مقاومة لها بعد استعمالها دون داعٍ فى أحوال كبيرة. الواقع أننى بالفعل أوافق على التوقف عن تناول المضاد عند زوال الأعراض لكنى لا أوافق على الاستغناء عنه فى أعمال الوقاية خاصة عند زيارة طبيب الأسنان لخلع ضرس أو إجراء جراحة لمرضى القلب، خاصة من هم عرضة للنشاط الروماتيزمى أو عدوى تصيب الصمامات أو من يعانون من تبعات أمراض شرايين القلب التاجية.