نعيش خلال شهر رمضان المبارك نفحات إيمانية جليلة، وما أطيب أن نتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذا الشهر الكريم. وفي حلقات متواصلة، ترصد "الشروق" حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في منزله كزوج، موضحة علاقته بزوجاته "أمهات المؤمنين"، في سلسلة بعنوان "نساء النبي"، وذلك كما وردت في الكتاب الذي يحمل نفس الاسم للكاتبة الدكتورة عائشة عبدالرحمن، المعروفة ب"بنت الشاطئ". الحلقة الثالثة.. ماذا فعلت السيدة خديجة يوم نزول الوحي على سيدنا محمد؟ ظلت حياة السيدة خديجة بنت خويلد والرسول صلى الله عليه وسلم مستقرة وسعيدة لمدة 15 عاما من زواجهما، أنجبا خلالها (القاسم، وعبدالله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة)، وكان للبيت المحمدي أحزانه وأفراحه، حيث ذاق الزوجان مرارة فقدان الأبناء بوفاة القاسم وعبدالله، لكنهما شهدا زواج الابنة الكبرى "زينب" من ابن خالتها "أبي العاص بن الربيع"، بينما تزوجت أختاها رقية وأم كلثوم من "عتبة" و"عتيبة" ابني العم عبدالعزي بن عبدالمطلب بن هاشم. كانت تتناقل وقتها أخبار ظهور نبي جديد في أفق الجزيرة العربية بين حين وآخر، فكان يتحدث الناس -خاصة في مكة- عن قرب ظهور هذا النبي، لكن أحدا لم يدرِ يقينا كيف ومتى يكون المبعث المنتظر، ولهذا عندما نزلت الرسالة النبوية على سيدنا محمد حينما أتم ال40 من عمره، كان وقعها عنيفا على أهل الجزيرة العربية، فلم يتوقعون أن يكون سيدنا محمد هو هذا النبي. ومن جانبها، كانت السيدة خديجة تشجع الرسول على الذهاب إلى خلواته في غار حراء، ولا تشعر بالضجر منها، بل كانت ترسل معه أحيانا من يرعاه ويحرسه حتى يطمئن قلبها عليه، وبعد نزول الوحي، عاد النبي إلى منزله في غبش الفجر، ودخل مسرعا إلى غرفة السيدة خديجة رضى الله عنها ليشرح لها بصوت مرتجف ما حدث له قائلا: "لقد خشيت على نفسي". طمأنت الزوجة المحبة زوجها قائلة: "الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر يا ابن عم وأثبت، فوالذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"، هذا كما ورد في حديث بدء الوحي. هدأت السيدة خديجة من روع الرسول، حتى إذا ما نام، ذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتروي له ما حدث مع زوجها حتى يدعمه، وهو ما حدث بالفعل، حيث قال بن نوفل: "قدوس، قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأت موسى وعيسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت". وفي رواية أخرى، في حديث عائشة رضي الله عنها عن بدء الوحي، قالت "فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزي، ابن عم خديجة، وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، يكتب الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخا كبيرا قد عمى، فقالت له خديجة يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فأخبره صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة (هذا الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذا يخرجك قومك)، فقال رسول الله (أو مخرجي هم؟)، فقال ورقة (نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركني يومك، أنصرك نصرا مؤزرا)"، هذا بحسب ما ذكر في كتب السيرة وتاريخ الطبري. في حلقة الغد نعرف كيف وقفت السيدة خديجة بجانب زوجها الرسول محمد بعد نزول الوحي، وكيف ظل بجانبها حتى فارقت الحياة. اقرأ أيضا: نساء النبي (2).. قصة زواج نبي الله محمد من السيدة خديجة بنت خويلد