إذا كان الصينيون قد انتشروا فى قلب الأحياء الشعبية بالقاهرة يروجون لبضاعتهم ولغتهم التى تمزج بين الصينية والإنجليزية والعربية، صانعين بذلك قصصا طريفة وغريبة أينما وجدوا وحيثما كانوا، فإن أقرانهم فى دبى صنعوا تفاصيل مختلفة لمنتجاتهم التى تحاكى الأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية الساخنة فى المنطقة العربية من القضية الفلسطينية إلى مقتل المطربة سوزان تميم، كما تحكى فى جانب منها عن إسماعيل يس فى البوليس ونجم الجيل تامر حسنى كما يلقبه الشباب ومحمد سعد وأحمد السقا وعادل إمام وعمر الشريف وآخرين من نجوم السينما المصرية. باختصار.. منتجات هؤلاء هى أسطوانات مدمجة «DVD» لأفلام العظماء من المصريين وقصص المشاهير من العرب والقضايا الأكثر تأثيرا فى عقل كل عربى مقيم فى الإمارة التى تحتضن ما يزيد على 100 جنسية وثقافة من مختلف بقاع الأرض. ووفقا لمقيمين عرب ومواطنين إماراتيين فإن رواج وانتشار مثل تلك المنتجات يعود إلى كونها تباع بأسعار زهيدة فى الأسواق المحلية بدبى، حيث تتراوح بين «7 دراهم 12 درهما إماراتيا» بما يعادل «11 18 جنيها مصريا»، فى الوقت الذى تباع النسخ الأصلية منها فى مراكز التوزيع المعتمدة بمبلغ 85 درهما «125 جنيها مصريا». تفاصيل متشابكة فى قلب إمبراطورية بائعى أسطوانات الأفلام العربية الصينية فى دبى، شكلت ملامح هذا العالم الذى يبدأ أولى مراحله من داخل شقق صغيرة فى بنايات سكنية يسكنها عدد من الشباب الصينيين الذين يقومون بنسخ أسطوانات الأفلام الغربية والعربية وتحديدا المصرية منها لينتشروا بعد ذلك فى بنايات دبى لترويج بضاعتهم بأسعار تنافسية. «الثامنة مساء بتوقيت دبى.. دق جرس الباب، ومن العين السحرية رأيت عينا شاحبة تكاد لا ترى بالعين بالمجردة.. العين الشاحبة تسكن جسدا نحيفا يرتدى زيا متواضعا وبيده حقيبة جلدية سوداء متوسطة الحجم.. ثوان معدودة مرت واختفى الشاب العشرينى العمر قاصدا عينا سحرية أخرى.. أسرعت لأتعرف إلى هذا الشاب، وإذا به يبادرنى بلغة إنجليزية ممزوجة بالصينية قائلا: «دى فى دى إنجلس آند آربى». بهذه الكلمات يحكى محمود عبدالرحمن مصرى مقيم فى دبى قصته مع البائع الصينى الذى سرعان ما فرغ من عرض بضاعته من الأفلام السينمائية المصرية الحديثة والقديمة، ليشترى محمود عددا لا بأس به من الأسطوانات التى يجمع غلافها بين اللغتين العربية والصينية بأسعار وصفها بأنها «زهيدة ولا تكاد تذكر». قصة محمود تتكرر يوميا فى دبى مع آخرين من جنسيات مختلفة فى دبى، فى مواجهة بائعين صينيين من الجنسين يتبادلون أحياء الإمارة، غير أنهم منشرون بكثافة فى المدينة العالمية أحد أحدث الأحياء السكنية التى أنشأتها شركة نخيل للتطوير العقارى فى دبى منذ 4 سنوات، لتجمع طرز معمارية بأسماء الدول، كما تتوافق فى مبانيها مع تصميمات المعمار فى هذه الدول. الصينيون هم الأكثر عددا فى قلب المدينة العالمية، وهم أبطال إمبراطورية التجارة داخل وخارج مركز التسوق الصينى الكائن فى أطراف المدينة، وتحديدا بالقرب من مقر إقامتهم فى الحى السكنى الذى يحمل اسمهم. محمد شوقى مصرى يعمل فى إحدى الشركات الخاصة بدبى يصف بائعى الأسطوانات المدمجة فى المدينة بأنهم نموذج لمن يؤمن بمنتجاته التى يعرضها للبيع، ويغضب لدرجة كبيرة من محبى الاستطلاع الذين يعبثون ببضاعته دون أن يشتروا منها قطعة واحدة. محمد الذى فوجئ وهو يستعرض الأسطوانات المدمجة بصورة إسماعيل يس على صدر أسطوانة مدمجة وإلى جوار الصورة أفيش أحد أشهر أفلام الراحل الكبير «إسماعيل يسن فى البوليس»، وقف متلبسا بالمفاجأة أمام السياسى الراحل ياسر عرفات والفنان القدير عادل إمام وفيفى عبده وغيرها من بطلات الرقص الشرقى. يحكى: «كان يوما غير عاديا، حيث أخبرنى البائع أنه يقوم شخصيا بإعداد هذه الأسطوانات داخل مسكنه فى إحدى بنايات الحى الصينى بالميناء العالمية فى دبى، وأن زملاءه من الشباب والفتيات يشاركونه تلك المهنة التى أعتقد أن انتشارها يعود لرخص ثمنها وجودتها. وينتقد وسام مالك لبنانى يعمل فى شركة حاصة بدبى الكتابات الصينة التى تزخر بها أغلفة تلك الأسطوانات، والتى تؤكد أنها من صناعة «هواة» وليس محترفين فى هذا الصدد، خصوصا أنها لا تحمل أية ماركة تجارية على غلافها. وسام اعتبر أن «لجوء هؤلاء الباعة إلى توفير برنامج إلكترونى لعرض القرآن الكريم من خلال أسطوانة مدمجة، يعد حيلة ذكية لجذب انتباه زبائنهم من العرب، ويصف هذا البرنامج هو واحد من برامج كثيرة لعرض الملفات المقروءة بالصوت والصورة وهى متاحة عبر شبكة الإنترنت، وهؤلاء الباعة يقومون بتحميلها وبيعها لنا». ملاحقة مستمرة ولأن القانون الإماراتى يصنف هؤلاء الباعة على أنهم «باعة جائلين»، فإن ملاحقة مستمرة تتم من قبل السلطات المعنية فى الإمارة، حيث أسفرت آخر الحملات التفتيشية فى مايو الماضى عن ضبط بلدية دبى بالتعاون مع شرطة دبى وإدارة الجنسية والإقامة ل261 بائعا متجولا، ومصادرة 4069 مصنفا فكريا مقلدا تشمل أفلاما منسوخة على أقراص «سى دى»، و127 مصنفة مخلة بالآداب منها أفلام منسوخة على أقراص مدمجة، هذا إلى جانب 3791 سلعة تشمل مواد متنوعة كالملابس الجاهزة والساعات والعطور والكاميرات منخفضة الجودة ومقلدة، كما أعلنت السلطات عن توفير رقم هاتف مجانى للشكاوى ذات العلاقة بهذه المنتجات أو غيرها. لكن كيف يتعامل أبطال الإمبراطورية الصينية لتجارة الأفلام المصرى فى دبى مع بضاعتهم، خصوصا أنهم يتحدثون الإنجليزية بالكاد ولا يعرفون عن العربية إلا» شوية شوية»؟ سؤال أجاب عنه لى شون بائع صينى «نحرص على أن تلبى منتجاتنا احتياجات ومتطلبات العرب والأجانب المقيمين فى الإمارة، وهنا قمنا بتوفير أسطوانات حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة وهى مقتبسة من برامج تليفزيونية وثائقية لقنوات إخبارية عربية وأجنبية، إضافة إلى سير ذاتية بالصوت والصورة حول أكثر الشخصيات العربية تأثيرا وشهرة». وأشار لى إلى أن «تجارتهم ساهمت فى توثيق أحداث سياسية وإجتماعية مهمة فى الدول العربية، معترفا بأن هدفهم كان ومازال «تجاريا»، لكنهم استفادوا من قضايا تشغل الرأى العام العربى فى تحقيق المزيد من الانتشار لهذه الاسطوانات وبالتأكيد الربح انطلاقا من نظرية» مكسب قليل ومبيع كثير يعادل ربح أكثر».