فى الوقت الذى تغرق فيه معظم الدول العربية ومصر فى مشكلات اقتصادية وتنموية بدائية لا تجد طريقها للحل، تضغط الحكومة الإسرائيلية من أجل أن تظفر بعضوية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD وهى منظمة دولية مكونة من مجموع من البلدان المتقدمة التى تقبل المبادئ الديمقراطية، ومبادئ الاقتصاد الحر. ونشأت تلك المنظمة عام 1948 من رحم منظمة التعاون الاقتصادى الأوروبى التى وجدت للمساعدة على إدارة خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد فترة تم توسيعها لتشمل عضويتها بلدان غير أوروبيه، وفى سنة 1960 تم إصلاحها لكى تكون منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وتضم المنظمة حاليا أكثر من 30 اقتصادا تطورت فى العالم، ولا تتمتع أى دولة شرق أوسطية أو أفريقية بعضوية هذه المنظمة حتى الآن باستثناء تركيا. وذكر تقرير نشر أخيرا فى صحيفة نيويورك تايمز أن هناك عدة قضايا تعوق انضمام إسرائيل إلى مجموعة الصفوة الاقتصادية الدولية، ورأى التقرير أن إسرائيل تحولت خلال العقدين الماضيين من دولة ذات اقتصاد محدود تتحكم فيه الحكومة إلى دولة تقنية تحكمها آليات السوق، وإنها تخوض حاليا المرحلة الأخيرة قبل الانضمام إلى النادى الحصرى على الدول المتطورة، غير أن تجارة السلاح السرية وصناعة الأدوية التى لم تثبت فاعليتها واحتلال الأراضى العربية يثير تساؤلات مهمة بشأن إسرائيل فى اللحظات الأخيرة قبل انضمامها. ويوضح التقرير أن الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أنجيل جوريا، وهو من المكسيك، والذى يزور إسرائيل حاليا لمناقشة تلك النقاط مع كبار المسئولين، وقد أعرب عن ثقته فى إمكانية حل تلك القضايا، ومن ثم انضمام إسرائيل إلى المنظمة خلال العام الحالى، حتى وإن أخفقت فى اللحاق بموعد مايو المقبل. لكنه اعترف أيضا بأن إسرائيل، على خلاف مع دول أخرى صغيرة على وشك الانضمام للمنظمة مثل تشيلى وسلوفينيا واستونيا، قد تواجه اعتراضات لا علاقة لها بالنقاط الفنية التى ينبغى مواجهتها. وأوضح جوريا قائلا: «ينبغى أن نضع النقاط الجوهرية بشكل واضح ومقبول أخلاقيا. ولا ينبغى السماح باستغلال النقاط الفنية كستار لشىء هو فى الحقيقة قضية سياسية». ويوضح تقرير نيويورك تايمز أن هذه القضية السياسية هى سمعة إسرائيل المتدنية عالميا بسبب حرب غزة قبل عام، وبسبب استمرار التوسع فى المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربيةالمحتلةوالقدسالشرقية. فى الوقت نفسه، يقول المسئولون بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومقرها باريس، إن انضمام أى دولة جديدة للمنظمة مرهون بموافقة جميع الدول الأعضاء، 30 دولة، ولكن لايزال من غير الواضح ما إذا كانت أى من تلك الدول ستعترض على انضمام إسرائيل أم لا، وإن كان سيتوجب على إسرائيل حل القضايا الفنية الثلاث أولا. وأشار التقرير إلى أن أولى القضايا تتعلق بميثاق المنظمة الذى يهتم بمحاربة الرشوة للمسئولين الأجانب، وهو ما تعتبره أهم إنجازاتها. فكل أعضاء المنظمة مطالبون بمحاربة الرشوة من خلال التشريعات واللوائح الداخلية. ويضيف التقرير أن تجارة السلاح حول العالم تقوم على الرشى، وأن إسرائيل من أكبر تجار السلاح. وعلى الرغم من أنها وقعت على ميثاق محاربة الرشوة ضمن مسوغات الانضمام إلى المنظمة، يقول مسئولو المنظمة إن أسلوب تعاملها مع هذه القضية يسبب بعض الصعوبات. ويضيف التقرير أن وزير الدفاع الإسرائيلى لديه من السلطة ما يخوله الإشراف على نتائج التحقيقات بشأن الرشى التى تدفعها الشركات الإسرائيلية إلى المسئولين الأجانب. وبموجب هذه السلطة يستطيع الوزير منع نشر أى تفاصيل عن التحقيقات وعدم إخبار السلطات بهذه التحقيقات بدعوى حماية مصالح إسرائيل القومية. غير أن المنظمة تريد تغيير هذه الصلاحيات. أما القضية الثانية التى تهم المنظمة فتتعلق بحقوق الملكية الفكرية وشركة «تيفا» الإسرائيلية للصناعات الدوائية، وهى إحدى كبرى الشركات المنتجة للأدوية التى لا ترتبط بحقوق الملكية الفكرية فى العالم. حيث تتهم كبرى الشركات الأمريكية والسويسرية إسرائيل بعدم فرض اللوائح الكافية للتحكم فى أسلوب تسويق شركة «تيفا» لمنتجاتها فى الدول الأخرى. ثم ينتقل التقرير إلى القضية الثالثة، وهى تعريف إسرائيل لأراضيها فيما يتعلق بالمعلومات الاقتصادية. إذ تضم إسرائيل الأنشطة التى تتم فى القدسالشرقية وهضبة الجولان، وكلاهما أراض عربية احتلتها إسرائيل عام 1967 وأغلب دول العالم تعتبر تلك المناطق محتلة. غير أن إسرائيل تعتبر هذه المناطق تابعة لها، وهو ما يثير ضيق المنظمة. هذا ويقول مسئولون بوزارة الخارجية الإسرائيلية إن القضايا الثلاث يتم التعامل معها على المستوى الفنى وسيتم حلها قريبا. وفى نفس السياق نشر أخيرا كتاب عن نجاحات إسرائيل الاقتصادية تحت اسم «أمة الابتكار: قصة معجزة إسرائيل الاقتصادية» لكاتبين أمريكيين هما «دانيال سنور» و«ساول سينجر» تناول عرضا لمؤشرات تقدم إسرائيل فى المجال التكنولوجى وكيف تحول هذا القطاع لقاطرة التنمية الاقتصادية والقطاع الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية. ففى عام 2009 تصاعد عدد الشركات الإسرائيلية المسجلة فى مؤشر الصناعات التكنولوجية الأمريكى ناسداكNASDAC إلى نحو 65 شركة وهو أعلى عدد للشركات الأجنبية فى المؤشر بالمقارنة بنحو 45 شركة كندية و6 شركات يابانية و5 شركات بريطانية و3 شركات هندية. وفيما يتعلق بمعدل تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاع التكنولوجى فى إسرائيل فإنه يفوق بنحو 30 ضعفا نظيره فى جميع الدول الأوروبية، بينما وصل معدل الاستثمار المحلى المدنى فى القطاع التكنولوجى إلى 4.5% من الناتج المحلى الإجمالى وهو أعلى معدل للاستثمار المدنى فى العالم لاسيما إذا ما ذكرنا أن معدل الاستثمار المدنى فى القطاع التكنولوجى لا يتعدى 3.2% من الناتج المحلى الإجمالى فى اليابان و2.7% فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ويوضح الجدول التالى معدل الاستثمار المدنى فى البحوث والتطوير مقارنة بالناتج المحلى الإجمالى فى عدد من دول العالم. وأشار الكاتبان فى هذا الصدد إلى أن اقتصاد ولاية دبى فى الإمارات نجح فى جذب الاستثمارات الأجنبية بما جعلها مركزا تجاريا وماليا عالميا، إلا أن ذلك ارتبط بالاستثمار فى القطاعات الإنشائية والتجارية والخدمية دون القطاعات التكنولوجية الأكثر ربحية وتخصصا، فى حين تمكنت إسرائيل فى فترة وجيزة من شغل مكانة مركز الصناعات التكنولوجية فى منطقة الشرق الأوسط واجتذبت إليها فروع البحوث والتطوير لمختلف الشركات العاملة فى قطاعات تطبيقات الحاسب الآلى والنانو تكنولوجى والتكنولوجيا الطبية والحيوية بما انعكس إيجابا على اقتصادها الوطنى. وأشار رئيس منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى أن إسرائيل شهدت نموا اقتصاديا بلغ 0.55 خلال عام 2009 الذى عانى فيه العالم من أزمة اقتصادية خانقة، وتوقع أن يقفز النمو ليصل ل3.5% هذا العام و4% العام المقبل، إلا أنه انتقد ارتفاع معدلات البطالة وسط الأقلية العربية من سكان إسرائيل، والتمييز فى سياسات التوظيف.