حققت الصادرات المصرية غير البترولية انخفاضا بنسبة 11 % خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الماضى، حيث بلغت 81.81 مليار جنيه، مقابل 92 مليارا خلال نفس الفترة من 2008، كما جاء فى تقرير لوزارة الصناعة والتجارة عن أداء الصادرات غير البترولية خلال السنوات الخمس الأخيرة، انفردت «الشروق» بالحصول على نسخة منه. وقد ساهم عامل تأثير الأزمة العالمية على الأسواق الأمريكية والأوروبية، الشريكين التجاريين الأساسيين لمصر، بالقسط الأكبر من هذا التراجع، حيث انخفضت الصادرات غير البترولية إلى أوروبا، بسبب الأزمة، خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام بنسبة 38 %، وتلتها الصادرات إلى الولاياتالمتحدة، التى سجلت انخفاضا هى الأخرى، بنسبة 11%، لتبلغ 6 مليارات جنيه. الأزمة العالمية «مثلت وقفة مهمة لنا»، بحسب تعبير وزير التجارة والصناعة، رشيد محمد رشيد، الذى أشار إلى أن مصر اتجهت فى الفترة الأخيرة، منذ اندلاع الأزمة، إلى «إعادة حساباتها لتنويع مصادر إيرادات صادراتها، حتى لا تتعرض إلى مثل هذا الموقف مرة ثانية»، خاصة أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربى كانا، حتى 2008، يستحوذان على القسط الأكبر من حجم التبادل التجارى مع مصر. وقد بدا هذا التنويع واضحا فى التقرير، فقد جاء كل من السعودية، وليبيا، وسوريا، والإمارات، فى قائمة أكبر عشر دول مستقبلة للصادرات المصرية خلال فترة ال11 شهر الأولى من عام 2009. وتبعا للتقرير، وصلت الصادرات المصرية إلى السعودية بمفردها إلى 5.3 مليار جنيه، وهو ما يفوق صادرات مصر إلى الولاياتالمتحدة خلال نفس الفترة، التى بلغت 4.4 مليار جنيه. «لقد تعلمنا من التجربة وقمنا بتنويع أسواقنا ما بين العربية والأفريقية والآسيوية، فهذه الأسواق سوف تكون تربة خصبة للمنتجات المصرية فى الفترة المقبلة»، كما جاء على لسان رشيد، الذى يقوم حاليا بجولة آسيوية لبحث زيادة التعاون التجارى، وفتح الأسواق الآسيوية أمام المنتجات المصرية. القطاعات الأكثر تأثرًا بالأزمة قبل اندلاع الأزمة العالمية، كانت الصادرات المصرية غير البترولية، قد أبلت بلاء حسنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث سلكت اتجاها تصاعديا منذ تولى وزارة أحمد نظيف، رئيس الوزارة الحالى، فى عام 2005، فقد كان هدف دفع عجلة الصادرات على رأس أولويات هذه الوزارة، التى قامت بتقديم جميع التسهيلات من دعم وإعفاءات لأصحاب الشركات لتحقيق ذلك. ووفقا للتقرير، تضاعف إجمالى صادرات مصر غير البترولية من 11.5 مليار جنيه فى عام 2005، إلى 20.7 مليار فى عام 2008، قبل أن تتراجع خلال عام 2009 نتيجة لتداعيات الأزمة العالمية. وقد أظهر التقرير أن القطاعات التى حققت قفزة كبيرة خلال الفترة من 2005 2008، هى التى كانت أكثر تأثرا فى عام الأزمة، ومن بينها قطاع مواد البناء، والهندسة والإلكترونيات، والكيماويات والأسمدة، والغزل والمنسوجات. وسجلت صادرات مواد البناء، التى كانت قد شهدت توهجا كبيرا فى فترة ما قبل الأزمة، نتيجة الازدهار العقارى على المستويين العالمى والإقليمى، تراجعا بداية من النصف الثانى من 2008، ليصل الانخفاض فى نسبة نمو صادرات القطاع إلى 16 % خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2009، بعد تحقيقها معدل نمو بنحو 13% خلال 2007. «القطاع العقارى من أكثر القطاعات التى شهدت ركودا فى وقت الأزمة، خاصة أنه كان السبب الرئيس فيها، وقد انخفضت أسعار مواد البناء إلى النصف تقريبا، ومن ثم يبدو طبيعيا أن يكون هذا القطاع من أكثر القطاعات التى تتأثر صادراتها»، على حد قول رحاب طه، محللة قطاع العقارات فى بنك الاستثمار برايم، مشيرة إلى أن هذا التراجع يرجع فى المقام الأول إلى انخفاض قيمة الصادرات أكثر من حجمها. وكانت أسعار الحديد قد سجلت تراجعا ملحوظا منذ اندلاع الأزمة العالمية، ولكن «من المتوقع أن يبدأ هذا الوضع فى التحسن خلال 2010، نتيجة لاتجاه الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى»، على حد تقدير طه. وقد كان لانخفاض أسعار الغذاء عالميا فى عام الأزمة تأثيره على صادرات قطاع الصناعات الغذائية، التى شهدت أيضا تراجعا، وإن كانت ليس بنفس الحدة التى شهدها القطاع العقارى، كما يقول محمد جميل، صاحب شركة مواد غذائية للتصدير، لأن «الغذاء احتياج أساسى لا غنى عنه لأى مواطن»، بحسب تبريره. وبحسب بيانات التقرير، تراجعت نسبة نمو صادرات القطاع الغذائى إلى 3 % خلال الأحد عشر شهر الأولى من عام 2009، مقابل 36 % خلال عامى 2007 و2008. كما انعكس الانكماش الاقتصادى الذى شهدته معظم دول العام، بسبب الأزمة، على صادرات بعض القطاعات الأخرى، فقد دفعت الأزمة بالعديد من الأفراد إلى الاكتفاء بالأساسيات والاستغناء عن الرفاهيات، وهذا، تبعا لمحمد أبو باشا، محلل الاقتصاد فى المجموعة المالية هيرمس، وهو ما يفسر تراجع صادرات السلع الهندسية والإلكترونيات، خلال الأحد عشر شهر الأولى من 2009، بنسبة 29 %، مقابل زيادتها بنسبة 24 % فى 2008، وفقا لأرقام التقرير. فى الوقت نفسه، تراجعت صادرات الغزل والنسيج بنسبة 14 % خلال نفس الفترة، وقد انخفضت نسبة نمو صادرات الملابس الجاهزة إلى 1 %، بعد أن كانت قد سجلت نموا معدله 17 % خلال العام السابق على الأزمة. «السوق الأمريكية كانت الأكثر استيعابا لهذه الصادرات، بسبب اتفاقية الكويز، ومن ثم فتأثر اقتصادها بالأزمة، قلل من استيعابها لهذه الصادرات»، كما يقول أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة. قطاع الأدوية يبلى بلاء حسنا على الرغم من تداعيات الأزمة على الغالبية العظمى من الأنشطة الاقتصادية، فقد تمكنت بعض القطاعات من الصمود، وتحقيق معدلات جيدة فى حجم صادراتها، مثل قطاع الأدوية، فكما جاء فى التقرير، حققت صادرات الأدوية نموا بنسبة 8 % خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الماضى، متراجعة بنحو 4 % فقط عن معدلها فى 2008. وأرجع الخبراء هذا الصمود إلى عدم قدرة المواطن على الاستغناء عن الدواء، إلى جانب ما تتسم به مصر من تعدد استثماراتها فى هذا المجال، مما جعل مبيعات الدواء أبلت بلاء حسنا فى العام الماضى، خصوصا مع انتشار أمراض مثل إنفلونزا الطيور والخنازير. عام 2010 أفضل وعلى الرغم من التراجع الملموس فى صادرات غالبية القطاعات غير البترولية، فإن أدهم نديم، المدير التنفيذى لمركز تحديث الصناعة، يرى أن «الأمر فى مجمله ليس بالأسوأ»، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أنه على الرغم من الأعباء التى تحملتها الصناعة فى عام 2009، فإن إجمالى الصادرات الصناعية يُعتبر «جيدا» فى ضوء ظروف الأزمة، حيث سجلت 66.4 مليار جنيه فى ال11 شهر الأولى من عام 2009، مقابل 77 مليار خلال 2008. وأضاف نديم أن «الأهم حاليا هو الفترة المقبلة، فالأزمة وضعت قواعد جديدة للعبة، ولكى تصمد الصناعة المصرية أمام الأزمة، لابد من أن تسلك منهجا مختلفة، يعتمد على تحسين الجودة»، على حد قوله.