فى منتصف الشهر الماضى دعا أكثر من 100 عضو من فاحشى الثراء الحكومات فى جميع أنحاء العالم إلى: «افرضوا نوعا خاصا من الضرائب علينا الآن»، للمساعدة فى دفع تكاليف معالجة المصابين بوباء كورونا، وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. قالت المجموعة المكونة من 102 من أصحاب الملايين والمليارديرات، بما فى ذلك وريثة ديزنى «أبيجيل ديزنى»، إن النظام الضريبى الحالى معمول لصالحهم، ويجب إعادة كتابته لجعل الضرائب أكثر إنصافًا للأشخاص الذين يعملون بجهد، وذلك لاستعادة الثقة فى الأنظمة السياسية. وقالوا فى رسالة مفتوحة نُشرت بجريدة الإندبندنت الإنجليزية: «بصفتنا مليونيرات، نعلم أن النظام الضريبى الحالى ليس عادلا. يمكن لمعظمنا أن يقول إنه بينما مر العالم بقدر هائل من المعاناة فى العامين الماضيين، فقد رأينا بالفعل ثروتنا تزداد خلال الوباء، ويمكن فقط للقليل منا أن يقول بصدق إننا ندفع الحصة العادلة من الضرائب». وهذا صحيح، فمثلا قدرت شركة مايكروسوفت أرباحها لمدة الثلاث أشهر الأخيرة من عام 2021 بمقدار 18.8 مليار دولار. وذلك خلال انتشار فيروس الكوفيد بمختلف أطواره. وقد دعا الموقعون فاحشو الثراء، الذين وصفوا أنفسهم بأنهم «أصحاب الملايين الوطنيين»، إلى إدخال ضرائب ثروة دائمة على الأغنياء للمساعدة فى الحد من عدم المساواة المفرط، لتحقيق إيرادات مستدامة وطويلة الأجل للمساهمة فى الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية. وقالوا فى الرسالة: «يجب على العالم كل بلد فيه أن يطالب الأغنياء بدفع نصيبهم العادل، بفرض ضرائب علينا نحن الأغنياء الآن»، وقالت المجموعة، إن «ضريبة الثروة» السنوية على أولئك الذين تزيد ثرواتهم عن 5 ملايين دولار يمكن أن تجمع أكثر من 2.52 تريليون دولار. وقالوا إن ذلك سيكون كافيا لانتشال 2.3 مليار شخص من براثن الفقر، وصنع لقاحات كافية للعالم، وتقديم رعاية صحية شاملة وحماية اجتماعية لجميع مواطنى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. والضريبة المقترحة على أولئك الذين لديهم أكثر من 5 ملايين دولار، هى 2٪، وترتفع إلى 3٪ لمن لديهم أكثر من 50 مليون دولار و5٪ لأصحاب المليارات. ففرض ضرائب على أغنى 119 ألف شخص فى المملكة المتحدة وحدها بهذه المعدلات، من شأنه أن يقدر بنحو 43.7 مليار جنيه إسترلينى سنويًا. ووفقًا لتحليل أجرته جماعات مكافحة عدم المساواة، ومعهد الدراسات السياسية، وأوكسفام، وجماعة المليونيرات الوطنيين؛ قال الموقعون إن هذا سيكون كافيا فى بريطانيا من أجل: دفع رسوم الرعاية الصحية والاجتماعية مرتين كل عام، وتغطية رواتب 50000 ممرض جديد، وبناء 35000 منزل بأسعار معقولة. وقالت «جيما ماكجو»، رائدة الأعمال البريطانية والعضو المؤسس لجماعة الأثرياء المطالبين بفرض المزيد من الضرائب على الأغنياء: «لا يمكن للحكومات أن تتوقع أن تحظى بالثقة إذا كانت تفضل فرض ضرائب على العاملين بدلا من الأثرياء». وتقول «جينى ريكس»، الداعية العالمية لتحالف مكافحة عدم المساواة: «الحقيقة المجنونة هى أنه بينما يواجه المليارات صراعًا يوميًا للبقاء على قيد الحياة خلال هذا الوباء، فإن ثروة الملياردير تخرج عن نطاق السيطرة. والأزمات المتعددة التى نواجهها من عدم المساواة فى اللقاحات، وانهيار المناخ، والتلوث، سيكون لها قبضة قاسية على حياة كل الناس. لقد أظهر لنا دافوس لسنوات أن النخب لا يمكنها أن تنهى فيروس عدم المساواة الذى ساعدوا فى خلقه وبنوا ثرواتهم على ظهره». وكما نجد أن العضو المؤسس لهذه الجمعية وأهم أعضائها من النساء؛ حيث إن المرأة لا يتوقف دورها كما يحكم عليها الرجل فى المجتمعات المتخلفة، بقيامها بدور الأم والزوجة والابنة والحبيبة فقط، واستعبادها بأعباء الأسرة، بل عليه أن يحترم وجودها ومشاركتها الإيجابية فى المجتمع، الذى يصل بها إلى أعلى المراتب السياسية والاقتصادية من أجل بلوغ عالم أكثر عدالة ومساواة. وفى عام 2001 قالت الدكتورة مينوش شفيق المصرية الأصل: «عندما تعيش فى بلد فقير، فأنت محاط بالفقر، ولذا يصير الاهتمام الطبيعى الموجود دائمًا، هو معرفة سبب وجود بعض الناس الذين يملكون كل شىء دون الآخرين»، وفى مقابلة صحفية تقول فى عام 2022، «فكرة أنك ناجح لأنك ذكى وتعمل بجد هى فكرة خبيثة وخاطئة، لأنها تعنى أن كل شخص فاشل هو غبى وكسول. والأشخاص الذين يعتقدون أنهم تسلقوا إلى البرج الذهبى بمجهودهم وبمفردهم يسيئون فهم مقدار الحظ الذى حالفهم، وكيف ساعدهم المجتمع على الصعود، بشكل مباشر أو غير مباشر». ولعل الكثيرين من المصريين لا يعرفون من هى هذه الدكتورة. هى الدكتورة نعمت شفيق رئيسة جامعة «كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية» حاليا، والمعروفة باسم البارونة «ديم مينوش» عضو مجلس اللوردات البريطانى. والدكتورة مينوش، كانت أصغر نائبة لرئيس البنك الدولى على الإطلاق سابقا، حيث كانت مسئولة عن استثمارات بقيمة 50 مليار دولار. وفى عام 2015 تربعت على رأس قائمة أكثر نساء العالم نفوذا. ولدت الدكتورة نعمت شفيق فى الإسكندرية بمصر عام 1962 لكن عائلتها غادرت مصر فى الستينيات إلى الولاياتالمتحدة. عندما كانت فى الخامسة عشرة من عمرها، عادت الأسرة إلى مصر. وبعد تخرجها من الدراسة الثانوية وبعد عام واحد بالجامعة الأمريكية، عادت إلى الولايات لتدرس وحصلت على البكالوريوس فى الاقتصاد والسياسة من جامعة ماساتشوستس أمهيرست. ثم حصلت على الماجستير فى الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد، والدكتوراه من كلية سانت أنتونى فى جامعة أكسفورد عام 1989. وللتعبير عن آرائها تزعم ليدى شفيق بنشر كتاب قادم بعنوان «ما ندين لبعضنا البعض»؛ حيث تعبر عن الحملة التى انضمت إليها ضد ثقافة الربح والغنائم فقط لأولئك الذين يصعدون إلى القمة، مما يضعها فى صحبة بعض أبرز المفكرين السياسيين فى العالم. ولعل ذلك يقرب لما قاله الكاتب الملحمى نجيب محفوظ فى رواية (قلب الليل): «أخذت فى تحليل أسباب الثراء من الهبات والانتهازية والاستغلال والعسف والقوة حتى اقتنعت بأنه لا يوجد ثراء مشروع بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة». ويقول المثل الدنماركى «عندما تصل المصيبة إلى ركبة الغنى تكون قد اجتازت رقبة الفقير».