مشيرة خطاب: الحديث عن مدة 5 سنوات بالإيجار القديم مقلق.. والحق في السكن الكريم والملائم التزمت به الدولة    الذهب يصعد بقوة مساء تعاملات اليوم الإثنين 12 مايو 2025    المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تقتل امرأة كل ساعة في غزة    حماس: المجاعة في غزة تشتد بشكل كارثي.. وندعو لكسر الحصار وفتح المعابر    البرازيل تعلن التعاقد مع كارلو أنشيلوتي لتدريب المنتخب    زعلوك يقود هجوم منتخب مصر أمام غانا في ربع نهائي أمم أفريقيا للشباب    غدا.. انطلاق مهرجان كان السينمائى بفيلم اترك يوما واحدا    توفير 706 فرصة عمل للخريجين بأسيوط ضمن مشروع توزيع البوتاجاز    العثور على جثة شخص مجهولة الهوية في ترعة بالفيوم    العثور على جثة شخص داخل مقابر الإباجية بالمقطم    نيابة كفرالشيخ تحبس تيكتوكر 4 أيام على ذمة التحقيق    أستاذ بجامعة الأزهر: مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى يُعزز الاستقرار داخل المجتمع    الفنانة جوري بكر أمام مكتب تسوية المنازعات 20 مايو    قافلة طبية مجانية تجرى الكشف على 1640 مواطنًا بنزلة باقور بأسيوط    رفض إستئناف متهم بالإنضمام لجماعة ارهابية ببولاق الدكرور    تفاصيل تأمين «الثانوية العامة»| زيادة أفراد التفتيش أمام اللجان والعصا الإلكترونية    وزارة الداخلية المصرية ترسل شحنات ملابس شرطية إلى الصومال    مستقبل وطن: زيادة تحويلات المصريين بالخارج تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية    النواب يعترضون على كلمة مؤسس اتحاد مستأجري مصر.. الجعار يستخدم آية قرآنية ويستشهد بالمادة الثانية من الدستور    نقابة الأطباء تحتفل ب"يوم الطبيب المصري".. وتكرم المتميزين في مختلف التخصصات الطبية.. "عميرة": نسعى للنهوض بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    قائد الوداد: سنلعب في كأس العالم للأندية دون خوف.. ونريد تشريف المغرب    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    منظمة الصحة العالمية تطلق تقرير حالة التمريض في العالم لعام 2025    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء.. مصر تخطو بثبات نحو الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدر لأكثر من 147 دولة.. 180 مستحضرًا و129 مادة فعالة.. وتحقيق وفر بمئات الملايين.. إنفو جراف    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    مصروفات كلية الطب البشري بالجامعات الخاصة والأهلية 2025-2026    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    الشروط والحالات المستفادة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة مايو 2025 بالزيادة    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    وفاة أحد أشهر المصارعين الأمريكيين عن عمر ناهز 60 عاما    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ميتافيرس» تستلهم إبداع توفيق الدقن
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 01 - 2022

نحو مدى أعمق فى غياهب العالم الموازى،وصوب مرتقى أعلى فى آفاق الفضاء الافتراضى، يأبى الخيال المُلهِم إلا استدراج إنسان هذا الزمان. فقبل أن يطوى سجلاته، أتحفنا العام المنصرم بواحدة من أكثر مستحدثاته عجبا. تلك المنبعثة من تجليات الاقتصاد الجديد للعوالم الافتراضية، Virtual Economy، والقائمة على تسويق السلع والخدمات افتراضيا، استنادا على تقنية سلاسل الكتل. فنتيجة لما بلغته البشرية من تطور تقنى ومعلوماتى،وما أدركته من تحول رقمى، سيغدو بمقدور المرء الاتجار بالأراضى والعقارات الافتراضية، عبر الشبكة العنكبوتية، بوصفها رموز غير قابلة للاسترداد. ومن داخل منصات «ميتافيرس»، أو المساحات الافتراضية التشاركية؛ وعبر خاصية NonFungible Token، أو «الرمز غير القابل للاستبدال»(NFT)، سيتسنى للإنسانية محاكاة الممارسات الواقعية من خلال التجارب الافتراضية.
على وقع تحول شركة «فيس بوك» إلى «ميتافيرس»، شخصت أبصار العالم تلقاء اقتصاد العقارات الافتراضية؛ تلكم المساحة ثلاثية الأبعاد على الإنترنت، التى يتسنى للمستخدمين خلالها ممارسة حياة افتراضية كاملة. وترتكز التجربة الوليدة وغير المسبوقة،على حزمة من المرتكزات التقنية؛ أبرزها: أجهزة الواقعين الافتراضى والمُعزز، التى يعتمد عليها المستخدم فى تنفيذ تجربته «الميتافيرسية». إضافة إلى وجود اتصال مستقر وقوى عبر شبكة الإنترنت. فضلا عن توفر تكنولوجيا ووسائط البرمجيات، والجرافيكس، والأنظمة، التى تسمح للمستخدم بمحاكاة الموقف، أو النشاط، الذى ينتوى ممارسته أو التعرض له. علاوة على إتاحة حيز ملائم على الشبكة العنكبوتية، ليكون بمثابة الميدان الافتراضى، الذى يتم على صعيده بناء النظم والبرمجيات والعناصر،التى سيستخدمها الأفراد لمحاكاة تجاربهم داخل فضاء «الميتافيرس». فيما هو إلى حجز مساحة عبر خدمات الحوسبة السحابية، أقرب.
من بين عديد منصات تتصدى لتقديم خدمات تجارة العقارات الافتراضية، برأسها تطل منصة Decentraland، التى تسمح للمتسوقين بالدخول إلى موقعها، وزيارة الأصعدة والأبنية، والتجول، والتعرف على أشخاص رمزيين، واختيار قطعة أرض افتراضية مقسمة إلى أجزاء محددة المساحة. فهنالك، يتم استخدام تقنيات «البلوك تشين» لبيع الأراضى والعقارات، على شكل رموز غير قابلة للاستبدال، كنوع من الأصول المشفرة. وبعدما تقوم الشركة الافتراضية ببناء مقرها الافتراضى، ومن ثم تحديده بالعنوان، والمكان، والموقع، بما يهيئ الأجواء لاستقبال العملاء، يجرى تخصيص أماكن لالتئام اجتماعات العمل، من خلال «الميتافيرس» داخل إحدى القاعات الافتراضية المجهزة. فبمجرد أن تقوم الشركة بشراء قطعة أرض افتراضية عبر إحدى المنصات، يتولى فريق التصميم والتطوير الخاص بها بناء مقرها الافتراضى، بمختلف محتوياته، فوق هذه الأرض. وعبر تكنولوجيا وأدوات الواقعين الافتراضى والمُعزز، يتقاطر الموظفون أو العملاء فى الدخول إلى هذا المبنى، ثم يرتدون النظارات الافتراضية، ويباشرون التجول فى ربوعه، لممارسة جميع المهام والخدمات التى يبتغونها. ولإتمام عملية البيع، يجرى الدفع عبر عملة «الإيثيريوم» المُشفرة التى تستند إلى خاصية (NFT)؛ وهى بمنزلة عقد غير قابل للاستبدال، يتم تسجيله من خلال نظام «البلوك تشين»، الذى يضمن الملكية لصاحب الأرض. وبمجرد أن يسدد المستخدم قيمة الأرض لمنصة البيع بعملة «الإيثيريوم»، تغدو الأرض ملكية مسجلة لصالحه، وبناء عليه، يحق له الشروع فى استغلالها بالطريقة التى يرتضيها.
فى وسع تلك المنصة أن تتيح للمستخدم مشاهدة موقع القطعة التى يود شراءها. كما يمكنها السماح له بالتعرف على المواقع المحيطة بها، وكذا جيرانه من المستثمرين الآخرين الذين امتلكوا أراضى بجوار قطعته الافتراضية، إضافة إلى الخدمات والمرافق القريبة منها. علاوة على المناطق الأكثر جذبا للزائرين وراغبى الشراء، نظرا لمواقعها المميزة، وقربها من المراكز الحيوية، بما يرفع من قيمتها السعرية، مثلما هو الحال فى سوق العقارات الحقيقية. وعادة ما يتم تقويم ثمن الأرض الافتراضية، التى سيتم شراؤها، بناءً على مساحتها، وموقعها، ومدى قربها من المناطق الاستراتيجية وذات الكثافة المرورية العالية. فضلا عن مدى شهرة المنصة، أو اللعبة التى سيتم شراء قطعة الأرض فى ثناياها، أو من خلالها.
لاقت تجارة العقارات الافتراضية إقبالا لافتا من المطورين العقاريين حول العالم. فلطالما هرعت شركات كبرى إلى تخصيص ملايين الدولارات لشراء أراضٍ افتراضية، طمعا فى اغتنام إيرادات سنوية تناهز تريليون دولار. وقبل عدة أشهر، كشفت تقارير إعلامية غربية عن تخطى حصيلة بيع عقارات وأراض داخل العالم الافتراضى، عبر منصة « Decentraland»، مئات الملايين من الدولارات. حيث ناهز سعر المتر المربع الواحد بها فى بعض الأحيان، أربعة آلاف دولار. وقد وصف المؤسس المشارك لمؤسسة The Sandbox، سيباستيان بورجيت، النشاط التجارى داخل العوالم الافتراضية، بأنه «دولة جديدة تتشكل»، وتوقع أن يتجاوز حجم الاقتصاد القائم على NFT، نظيره بالعالم الواقعى، فى غضون عقد من الزمن. بدوره، ارتأى، أناند فينكيتسوارن، مدير صندوق «ميتابورص»، والمعروف افتراضيا باسم «تووبادور»، أن الأراضى الافتراضية هى الوسيلة الأنجع والأسرع لجنى المكاسب، عبر طرائق شتى. وفى السياق ذاته، يؤكد رئيس قسم المجتمع والفعاليات بمؤسسة Decentraland، صمويل هاميلتون، أن بعض مستثمرى الأراضى الافتراضية الأوائل، الذين كان لهم السبق بالشراء فى وقت مبكر، يبيعون الآن للشركات بأسعار فلكية، ومن ثم يحققون أرباحا طائلة. ورغم الإشادات المتوالية بعمليات تجارة العقارات الافتراضية، لا يفتأ، بن نولان، مؤسس العالم الافتراضى المسمى Cryptovoxels، يحذر من احتمالات انفجار ما أسماه «فقاعة الأصول غير القابلة للاستبدال» برمتها، وانهيار قيمتها كلية، فى مدى ليس بالقصير.
غير بعيد عن عالم الخيال الملهم، تخبرنا ذاكرتنا الدرامية الثرية بأن «ميتافيرس»، لم تكن المنتزعة لقصب السبق فى تأسيس شركة افتراضية، أو بالأحرى وهمية، عبر الإنترنت، لتجارة الأراضى فى الفضاء. فقبل ستة عقود خلت، سبقها إلى تلك الفانتازيا الاقتصادية، ولو من دون تقنيات الواقع الافتراضى المعزز، ثعلب الدراما المصرية والعربية، الفنان القدير توفيق الدقن. فعبر خيال سردى درامى، مبهر وملهم فى آن، غازلت ألباب متابعى السينما المصرية فكرة مشابهة، طرحها أبو السعود الإبيارى، عام 1963، من خلال رائعته السينمائية الروائية الخالدة «المجانين فى نعيم». ذلك الفيلم الذى أخرجه، المتألق حسن الصيفى عام 1963، وشارك فى نسج حواره المبهر، لوسيان لاميير، فيما تصدر بطولته نجم الكوميديا الراحل إسماعيل يس، بمشاركة الدنجوان، رشدى أباظة، ورهط من نجوم زمن الفن الجميل.
ففى تلك التحفة الميلودرامية المتميزة، الأقرب إلى الكوميديا السوداء، والتى تجاوزت سرديتها الحوارية تقاليد عصرها الدرامى، بتحليقها فى آفاق الخيال الملهم، أدى العبقرى الراحل توفيق الدقن، شخصية «كمال»، صاحب شركة «الفضاء الخارجى». ذلكم المخادع، الذى كان يمارس النصب على الناس، من خلال شركته السوريالية، التى عكفت على الترويج لإمكانية ابتياع راغبى الاستثمار ذى العائد الضخم السريع، مساحات خالية من الأراضى فى الفضاء، جاهزة لأغراض البناء عليها، فى العالم البعيد. وكأننا بصناع الفيلم، لاسيما مبدعنا، بعيد النظر، توفيق الدقن، الذى دأب على تعظيم أدواره الثانوية المحدودة، عبر تحريرها من ربقة التهميش والنمطية المقولبة، وتطعيمها بابتكاراته الفذة من الأفكار اللامعة، وترصيعها بالإفيهات الجذابة والنادرة، وقد استشرفوا ما سيئول إليه عالم اليوم، من مستحدثات «ميتافيرس» فيما يخص المعاملات الاقتصادية الافتراضية. فلعل فى تناولهم لتلك الفكرة المجنونة، قبل ستين عاما مضت، ولو من خلال الفانتازيا الدرامية، ما يدعو إلى اعتبار الدقن والذين معه، مبُشرين بها، أو، إن شئت، مُلهمين لمبتدعيها الميتافيرسيين فى أيامنا هذه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.