فى عام 2010 سيكون هناك برلمانان، الأول ينتهى بحلول شهر يونيو أو يوليو على أقصى تقدير، وآخر سيبدأ فى نوفمبر من نفس العام بعد إجراء الانتخابات البرلمانية فى شهر أكتوبر وهو سيكون مختلفا كليا، ليس لدوره الرئيسى فى تحديد المرشحين للانتخابات الرئاسية، لكن لدوره فى تحديد شكل الحياة السياسية فى مصر خلال العقود المقبلة، إضافة إلى أن تركيبته السياسية لن تكون قريبة الشبه من قريب أو من بعيد من البرلمان الحالى الذى سيسلمه الراية. ويتوقع مراقبون اختفاء نواب بارزين، ليس فقط من مقاعد المعارضة والإخوان والمستقلين ولكن من الوطنى أيضا، منهم من سيختار الاختفاء بإرادته سواء لأنه شعر بأنه أرضى ضميره النيابى، ولم يقصر فى حق وطنه وقال كلمة الحق تحت القبة حتى وان كانت على رقبته مثل نائب الوطنى حمدى الطحان رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب وأحد أبرز نواب الوطنى الذين يحظون بمكانة رفيعة حتى عند نواب المعارضة فالرجل وكما يقول «تعب جسده وكبر عمره» وأدى ما عليه فهو نائب منذ عام 79. تعرض الطحان لضغوط رهيبة لكى يغير تقرير لجنة تقصى الحقائق التى كانت برئاسته حول حادث العبارة السلام 98 لمالكها الهارب ممدوح إسماعيل والتى راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل، ولكنه صمد وقاوم، وصفق له نواب المعارضة تصفيقا حادا، وتحول بعدها إلى نجم معارض من قلب الوطنى، ولكنه لن يكون نائبا فى البرلمان المقبل بإرادته، وفقا لتأكيداته ل«الشروق». وينضم إليه من نواب المعارضة النائب المستقل حمدين صباحى الذى صرح أكثر من مرة هو الآخر بأنه لن يدخل الانتخابات المقبلة..ويفسر حمدين ذلك بقوله: «إنه يرى أن المجلس لا يقدم ولا يؤخر وأن سيف الأغلبية العددية للوطنى يقتل أى دور لمجلس الشعب وأنه لا أمل لإصلاح أى شىء أفسده النظام من خلال البرلمان». كانت هذه وجهة نظر صباحى قبل أن يفكر فى خوض انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها عام 2011 وبعد أن تحولت الفكرة من مجرد فكرة تدور فى خاطره إلى فكرة تسيطر عليه، وأصبح من المؤكد عدم خوضه الانتخابات البرلمانية المقبلة. وهناك فئة أخرى من النواب سيختفون من البرلمان المقبل قهرا وقسرا ورغما عنهم وهذه الفئة تشمل السواد الأعظم من نواب الإخوان وبعض النواب المستقلين وقليلا من نواب المعارضة. فنواب الإخوان ففى جلساتهم الخاصة يتحدثون عن أن غالبيتهم لن يعود للبرلمان مرة أخرى فبرلمان شتاء 2010 الذى سيختار الرئيس المقبل لن يكون كبرلمان صيف 2010 الذى سينتهى فى منتصف العام، فتمثيل الإخوان فى برلمان الشتاء سيكون «معدودا على أصابع اليد الواحدة» هذا إن سمح لهم بتمثيل برلمانى من الأساس، هكذا يرى عدد كبير من نواب الوطنى الذى قالوا ل«الشروق» «هل تعتقد أن برلمان بحساسية البرلمان المقبل سنسمح فيه أو ستسمح الأجهزة بان يكون هناك أكثر من 100 نائب إخوانى ومستقل علشان يطلعوا على الكراسى أثناء التصويت على مرشح الرئاسة ويرفعوا أعلاما سوداء ويهتفوا هتافهم المعهود باطل.. باطل، وينسحبوا من الجلسة ويعتصموا فى البهو أو يعملوا مؤتمرات على رصيف المجلس ويعملولنا ازعرينا ده مستحيل يحصل». رؤية نواب الوطنى تتطابق مع رؤية نواب الإخوان الذين يرى معظمهم أن آخر عهد لهم بالبرلمان هو شهور الصيف المقبلة أما فصول الشتاء فستكون من نصيب نوابا آخرين مسالمين مستأنسين. يرجع الإخوان السبب الأول والرئيسى فى ذلك إلى إلغاء الإشراف القضائى الذى سيسهل جدا عملية التزوير، على حد قولهم، ومع هذه النغمة المتشائمة الواقعية تنطلق نغمة أخرى من بين صفوف نواب الإخوان مفادها المقاومة والموت على صناديق الانتخابات فلن يتركوا المعركة بسهولة لصالح الوطنى. إلا أن جميع نواب الإخوان يرفضون التصريح عن العدد الذى سيدخلون به الانتخابات المقبلة ربما لان ذلك ليس بيدهم فهو أمر يحدده مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، وإن كانت بعض التوقعات تشير إلى احتمال أن يدخلوا الانتخابات المقبلة ب50 أو 55 مرشحا لينجح من بينهم 25 أو 30 على أقصى تقدير. أما نواب المعارضة الرسمية المتمثلة فى الأحزاب فلا يشكلون أى إزعاج للحكومة داخل البرلمان، ولن يشكلوا أى مصدرا للقلق أو الشوشرة فى عملية التصويت على مرشح الرئاسة المقبل سواء كان الرئيس أو نجله وهم على حد وصف نائب مستقل «نواب مستأنسون روضتهم الحكومة وضمنت بقاءهم ساكنين فى عشها» وهذه الصفات تنطبق على نواب المعارضة الرسمية باستثناء نائب واحد فقط ينتمى إلى حزب الوفد وهو محمد عبدالعليم داود الذى يغرد خارج السرب الوفدى ودائما يفاجئ الحكومة ورئيس المجلس بأشياء قد تربك الجلسة، ومع ذلك فإن داود له خطوط حمراء لا يتعداها خاصة المتعلقة بالجهات السيادية ويلتزم بخط حزب الوفد فى القضايا التى تخص مؤسسة الرئاسة فحينما سألته «الشروق» عن رأيه فى البرادعى كمرشح للرئاسة قال: «أنا لدى التزام حزبى فى هذه المسألة» وربما يكون الخطر الأكبر على داود فى حال دخوله الانتخابات المقبلة علاقته المتوترة مع أحمد عز أمين التنظيم فى الوطنى. وينضم إلى داود ولكن بفرصة أقل فى النجاح فى الانتخابات المقبلة نائب الحزب الدستورى محمد العمدة الذى كان مستقلا سابقا وأصبح حزبيا حاليا، ومساحة الغضب على العمدة أكبر من الغضب على داود وهو ينضم إلى فئة النواب المستقلين المصنفين بفئة «المغضوب عليهم» والذين أعدت بشأنهم تقارير سياسية وأمنية تطلب التخلص منهم فى أى انتخابات مقبلة وتضم هذه الفئة «جمال زهران وسعد عبود وعلاء عبدالمنعم» بالإضافة إلى كل نواب الإخوان باستثناء 4 أو 5 منهم ممن يتميزون بلين الجانب والهدوء فى المناقشات. وكل هذه المجموعة ومعها طاهر حزين نائب الوفد الحالى ونائب الوطنى السابق ستواجه أزمة حقيقة فى الانتخابات المقبلة تتمثل فى عدم وجود إشراف قضائى كامل على الانتخابات بالإضافة إلى أنهم من وجهة نظر الوطنى تعدوا كل الخطوط الحمراء تحت القبة أكثر من مرة وفى أكثر من قضية وباستثناء النائب المستقل جمال زهران وأحيانا علاء عبدالمنعم فإن معظم النواب المستقلين فئة «ممنوع دخولهم البرلمان مرة أخرى» يغلب عليهم طابع التشاؤم بخصوص مستقبلهم البرلمانى ومنهم من يقول جهرا أو سرا إن «الأجهزة الأمنية» لن تسمح له برؤية قبة البرلمان مرة أخرى. وبخلاف هؤلاء فإن هناك بعض النواب لم يحسم قراره حتى الآن بالنسبة لخوض الانتخابات المقبلة فسعد عبود لا زال يفكر فى تحديات الانتخابات ومنها غياب الإشراف القضائى، أما زهران فيقسم أنه سيخوض الانتخابات وسينجح بإرادة أهالى دائرته مهما كانت الظروف ويتهمه زملاؤه المستقلون بأنه متفاءل زيادة عن اللزوم. ويقف النائب المستقل مصطفى بكرى فى المنتصف فالأجهزة السيادية معجبة بأدائه البرلمانى، والرئيس يتابعه أحيانا أما تصنيفه داخل الحزب الوطنى وأمانة التنظيم فهو غير مرغوب فيه لأنه يرتبط بعلاقة عداء سياسى واضحة وظاهرة مع أمين التنظيم أحمد عز، ويبقى طلعت السادات مستقلا بمفرده لا ينتمى إلى كتلة ولا إلى حزب ولا يعرف احد ما هو تصنيفه لدى الأجهزة المعنية الآن خاصة بعد أن هدأت نبرته المعارضة إلى أقصى درجة بعد تجربة السجن التى جاءت على خلفية اتهامه بإهانة المؤسسة العسكرية فى قضية مقتل الرئيس السادات، وإن كان هو الآخر دائم الهجوم على أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى. أما رجب حميدة نائب حزب الغد فهو من المعارضة المرضى عنها سواء من الأجهزة أو من الحزب الوطنى وأمين تنظيمه أحمد عز، ومن المعارضة غير المغضوب عليها أيضا محمود أباظة رئيس حزب الوفد وباقى الهيئة البرلمانية للوفد «محمد مصطفى شردى وطارق سباق وصلاح الصايغ، بالإضافة إلى نائب حزب التجمع محمد عبدالعزيز شعبان». وإذا سارت الأمور وفقا لما يخطط له النظام ووفقا لما يتوقعه الإخوان والمستقلون فإن البرلمان المقبل سيكون منزوع الإخوان ومنزوع المشاغبين إلا من بعض المستأنسين. ومن المتوقع أن يشهد الحزب الوطنى حالة تغيير بين نوابه وصفها البعض بأنها لن تكون كبيرة وعاصفة ولن تكون صغيرة وهينة وبالتالى من المتوقع أيضا أن تختفى بعض وجوه الوطنى قسرا سواء المشاغبين منهم أو من لم يكن له أى دور تحت القبة فى الرد على مشاغبات المعارضة، وعلى الرغم من رفض البعض لأن تكون إرادة أحمد عز هى السبب فى استبعاد عدد من نواب الوطنى واستبعاد المغضوب عليهم من المعارضة إلا أن آخرين وهم الأكثرية يؤكدون أن عز بسطوته فى الوطنى ولجنة السياسات وقربه من جمال مبارك سيكون اللاعب الأول فى تشكيل البرلمان الجديد. فعز الذى شن هجوما حادا على المعارضة والإخوان خلال مؤتمر «الوطنى» الأخير قال: «إن رسالتنا هى أننا مستعدون لخوض الانتخابات القادمة أكثر من أى وقت مضى، وقادرون على أن نفوز ونحن نستفيد من دروس انتخابات عام 2005، وشعارنا هو مرشح واحد لمقعد واحد لحزب واحد على قلب رجل واحد»، هو رجل المرحلة القادمة الذى سيملك مفتاح بوابة الدخول إلى البرلمان القادم. فيما سيشهد برلمان ربيع وصيف 2010 سخونة غير مسبوقة بين نواب الإخوان والوطنى وستبلغ هذه السخونة أقصى درجاتها مع حلول موعد تجديد حالة الطوارئ فى ظل تراجع الحكومة مؤقتا عن قانون الإرهاب وسيرفع هؤلاء النواب سقف معارضتهم وهتافاتهم المرتفع أصلا إلى درجة غير المسبوقة، وربما يحدث العكس كما يعتقد البعض ويلتزم نواب الإخوان والمشاغبين من المستقلين الهدوء فى الشهور الأخيرة طمعا فى دخول برلمان الشتاء وهو احتمال مستبعد على لسان نواب الإخوان والمستقلين. وبعد برلمان الصيف الساخن المشحون المتوتر الملىء بالصخب والأصوات العالية بشهور سيأتى برلمان الشتاء البارد برلمانا جديدا هادئا وقورا مقلم الأظافر، بلا مشاحنات بلا انسحاب من الجلسات لينتهى الكلام عن أسخن برلمان فى الربع قرن الماضى إلى غير رجعة هذا إن لم يحدث جديد يغير كل الحسابات.