أثار طرح خبراء ومستشارى وزارة التربية والتعليم إيقاف تدريس رواية «الأيام» لطه حسين المقررة على طلاب الثانوية العامة بدعوى أنها تسيئ للأزهر وشيوخه، حفيظة العديد من الكتاب والمثقفين. فلم يخف الأديب بهاء طاهر رد فعله «الساخط» تجاه هذا المنحى الذى تنتهجه وزارة التعليم، وقال «لقد مرضت بسبب هذا الكلام»، ووصف هذا الاتجاه بالكارثة الممتدة الناجمة عن ترك مهمة الحكم على الأعمال الأدبية لغير أهل الاختصاص، واستنكر أن يتحدث عن أعمال عميد الأدب العربى من هم دون قامته، وقرأ الأمر بوصفه تدرجا من رقابة إلى رقابة أخرى ومن تعتيم إلى تعتيم أشد منه ضراوة، وتابع «أذكر أننى كنت أدرس رواية الأيام منذ أكثر من 50 عاما فى المدرسة، وكنت أحفظ منها أجزاء كاملة، وتربينا وتعلمنا الأخلاق من هذه الأعمال وللمفارقة كان الأزهر فى هذه الفترة فى أزهى عصوره حيث كان متميزا بقاماته كالشيخ شلتوت، لذلك أنا فى منتهى الألم». ولم يذهب الناقد جابر عصفور، رئيس المجلس القومى للترجمة، بعيدا عن هذا الاتجاه حيث استهل وصفه لاتجاه وزارة التربية والتعليم بالاتجاه «الفاسد»، واستند فى حديثه إلى أن الأزهر الذى تحدث عنه طه حسين فى «الأيام» فى مطلع القرن العشرين ليس هو الأزهر اليوم، وهو الفرق الذى يصل إلى نحو 100 عام تقريبا، وأضاف عصفور أن رواية «الأيام» عمل خالد فى تاريخ الأدب العربى، وقال «يشرف أى وزارة للتربية والتعليم فى العالم العربى أن تدرس تلاميذها هذا العمل الذى كان مرشحا لنيل جائزة نوبل، لذا فعندما يتحدث مستشارو الوزارة عن عدم صلاحية هذه الرواية للتعليم فإن هذا ينطوى على عدم معرفة بالأدب ولا بالتربية ولا بالتعليم». حديث جابر عصفور امتد لقراءة اتجاه وزارة التربية والتعليم باعتباره جزءا من المد الرجعى الذى ينتشر يوما بعد يوم، واعتبر الأمر ازدواجية تقع فيها وزارات الدولة، وأضاف «أنصح بالتراجع عن هذه الخطوة لأنها ستكون نقطة سوداء فى تاريخ الثقافة»، واستطرد «أقول فى كلمة واحدة «عيب» فعمل «الأيام» جزء من تراثنا الأدبى الذى لا يجب أن يمس». وفى أول تعليق له قال الأديب والروائى إبراهيم أصلان «هكذا يكتمل الخراب»، واعتبر أن هذا الإجراء حال اتخاذه سيكون إجراء بشعا، حسب تعبيره، وأضاف أن الأمر يؤكد السياق العام الذى بصدده يمنح لأى أحد الحق فى الوصاية على الآخرين وتقييمهم، وانتقد أصلان مجرد طرح هذا الموضوع للمناقشة فى اجتماع بالوزارة وقال «مجرد طرحه يعكس حالة انهيار وجهالة كاملة، ف«الأيام» عمل استقرت قيمته فى أدبنا العربى ووجدان الناس وهو ليس محل مناقشة، فهو درة نباهى بها». من جانبه اعتبر الدكتور عماد أبوغازى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة أن هذا الطرح يجب أن يكون فرصة لإعادة النظر فى مستشارى وزارة التربية والتعليم، واعتبر أن مستوى الطلاب الذين يلتحقون بالجامعة يكفى ليشى بمستوى القرارات والاتجاهات التى تتخذها الوزارة. ولفت الروائى إبراهيم عبدالمجيد إلى أن طه حسين كان أول من دعا إلى أن يكون الأزهر جامعة مفتوحة للعلوم، ولولاه ما كان هناك تعليم فى مصر، وأضاف «مستوى التربية والتعليم فى مصر اليوم مثل مستوى الأزهر فى أوائل القرن العشرين الذى انتقده طه حسين فى الأيام»، واعتبر أن طرح وزارة التربية والتعليم لمسألة وقف تدريس السيرة الذاتية لطه حسين هو جحود لقيمة هذا الرجل الذى شق طريقا صعبا ومهما لنهضة هذه الأمة. ومن ناحيته، أعرب الدكتور أحمد زايد أستاذ الآداب والاجتماع عن بالغ استيائه، قائلا: «الرواية لا تسىء على الإطلاق إلى الأزهر أو رجاله بل إنها تقدم رسالتين مهمتين جدا للشباب، الأولى هى التشجيع على الكفاح والنضال لتحقيق الحلم رغم المصاعب». والثانية وهى الأهم أن عميد الأدب العربى تعرض فى روايته لطبيعة الصراع بين نوعين من التعليم، التعليم الأزهرى من جانب، والتعليم الجامعى الحديث من جانب آخر، وكان يرى أن التعليم الأزهرى فى ذلك الوقت يعتمد على التلقين والتكرار، وهذا لا يقلل من شأن رجال الأزهر، كما أن جامعة الأزهر تحولت حاليا إلى جامعة حديثة تعتمد على أحدث طرق التعليم. وبنفس نبرة الحزن اختتم زايد حديثه متسائلا: لماذا هذه الحساسية المفرطة، ولماذا نثير الخوف فى نفوس الشباب من الاجتهاد والتفكير؟. أما المفكر الإسلامى أحمد كمال أبوالمجد نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، فقد أبدى دهشته من هذا الطرح مشيرا إلى أن الرواية ليست جديدة، ويتم تدريسها للطلاب منذ سنوات طويلة، وقال أبوالمجد: إنه قرأ الرواية منذ فترة ليست قريبة، لكن ليس فى ذهنه أنها تنطوى على أى إساءات، معتبرا أن هذا الموقف منها الآن يضاف إلى جملة الحوار المتشنج الموجود فى المجتمع. وأضاف أننا فى زمن استبيحت فيه الأعراض والمقامات والأخلاق، لكن هذا لا يعنى أن نجعل من أنفسنا رقباء وأوصياء على المجتمع. وتابع أبوالمجد أن كون رواية «الأيام» مقررة فى المناهج التعليمية للطلاب يستوجب الاحتياط ولكن بدون تشنج، وأوضح قائلا: إن هذا الأمر تجب دراسته من قبل لجنة تعليمية فنية، فإذا وجد بالرواية فعلا ما ينطوى على خلاف، فالحل ليس فى منع الرواية وإنما فى مناقشة ذلك مع الطلاب لتعويدهم على النقد، وبذلك نحمى الحرية والكاتب وكرامة الأفراد. أما الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق ففضل عدم الإدلاء برأيه فى هذه المسألة، مبررا ذلك بأنه لم يقرأ الرواية، ولا يعرف إن كانت تسىء بالفعل إلى رجال الأزهر أم لا.