على كرسى من البامبو وأمام طاولة عليها حلوى فرنسية مستوردة وشاى إنجليزى جلبته مساعدة المنزل الأندونيسية فى الشرفة الملطة على شارع بيروت الراقى بمصر الجديدة جلست نسرين، التى احتفلت مطلع ديسمبر بعيد ميلادها الأربعين، تحرك خاتم زواجها الماسى، وتتحدث عن ترتيبات سهرة رأس السنة التى تستعد هى وزوجها المهندس المعمارى الناجح للذهاب إلى أحد النوادى الليلية الراقية فى القاهرة للاحتفاء مع الأصدقاء ببداية 2010. نسرين لا تعلم على وجه التحديد كلفة السهرة... الزوج يدفع وهى لا تسأل... تتوقع أن تكون «نحو 4000 جنيه كده... يعنى السنة اللى فاتت إفتكر إنه قال لى إننا دفعنا حاجة زى كده مش فاكرة». لا تهتم نسرين كثيرا بسهرة رأس السنة مع زوجها والأصدقاء، فهى تود لو لم تكن تضطر الذهاب لأنها ببساطة لا رغبة لها فى الوجود مطولا مع زوجها فى أى مكان دون «ريم وملك» ابنتيها اللتين تدرسان فى الصفين الابتدائى والإعدادى فى واحدة من المدارس الدولية. «خلاص احنا ما بقناش نحب بعض... أنا مش بحبه أنا متأكدة... وافتكر هو كمان». نسرين وأحمد تزوجا بعد قصة حب بدأت فى ملاعب نادى هليوبوليس وتوجت بزيجة فى مطلع التسعينيات ومنزل زوجية أنيق التأثيث. ليس لنسرين سبب محدد «لانتهاء العلاقة» مع أحمد. «ما فيش... احنا اتجوزنا بعد التخرج بحاجة بسيطة وما كناش لسه كبرنا كفاية... دلوقتى أنا أبص له وأقول أنا إزاى اتجوزت واحد زى كده... هو كويس جدا وكريم ومخلص واحنا كنا ممكن نكون أصحاب هايلين بس الجواز حاجة تانية». نسرين التى قبلت بالحديث مشترطة الاكتفاء بالأسماء الأولى لها ولأفراد أسرتها كانت تعلم أنها ستتحدث عن حالتها التى أصبحت، على حد قولها، «تقريبا حاجة عادية». «أنا زى ما انت عارفة بحب واحد تانى».. هذا الثانى التقته نسرين فى عملها فى إحدى الشركات الدولية. «الحكاية دى بتحصل كتير... أنا مش باقول إنها مش غلط، أنا عارفة، ولكنها حاجة بتحصل كتير على كل حال. رجالة وستات متجوزين بيعرفوا ناس تانية». نسرين تقول إن علاقاتها مع «التانى» الذى ترفض ذكر مجرد اسمه الأول «أصله اسم مميز» «علاقة بريئة». لكن المهم بالنسبة لها ليس طبيعة العلاقة ولكن صعوبة اتخاذ قرار بشأنها. الطلاق بالنسبة لنسرين ليس بالأمر السهل. «يعنى أروح أقول لأهلى إن أحمد اللى اتجوزته بعد حب واللى بيحبوه زى ابنهم واللى بيعاملنى كويس جداُ فجأة كدة مش عاجبنى؟» نسرين أيضا تشعر بالقلق من أن تخذل زوجها. «هو عمره ما خدعنى وعمره ما كذب على... أنا كنت عارفة من الأول إنه بيحب شغله وإنه عايز يكون ناجح ويبنى اسم... وكلنا مستفيدين.. أنا عايشة كويس ومش بيرضى أحط أى حاجة من مرتبى فى البيت خالص... والبنات فى مدرسة هايلة وكل حاجة كويسة الحمد الله». الشعور بالذنب يمتد من الأم والأب والزوج إلى البنات أيضا. «ليهم أصحاب كتير باباهم ومامتهم متطلقين. حاجة عادية بس أنا مش عايزة اوجعهم... مش عايزاهم يحسوا بعدين إنى سبتهم علشان راجل تانى... لازم هيعرفوا... مش عارفة». الشعور بالذنب «بيقتل حتى لما الواحد مش بيعمل حاجة غلط بالمعنى... وبعدين لامتى... يعنى». نسرين تبدو عليها علامات السن أكبر بكثير من أعوامها الأربعين... الإجهاد ميزة وجها... وأظافرها المطلية بأناقة تبدو قصيرة جدا «باقطمهم طول الوقت». استعانت نسرين بطبيب نفسى للبحث عن حل لمشكلتها. «واحدة صاحبتى راحت له علشان كان عندها برده مشكلة كده». الطبيب وصف لنسرين بعض المهدئات وبعد عدد من الجلسات نصحها بإنهاء العلاقة العاطفية التى ارتبطت بها لأنها ليست لديها القدرة لاتخاذ قرار بطلب الطلاق وستبقى دوما متنازعة. تواظب نسرين على جلسات الطبيب النفسى وعلى العلاج ولكنها بعد لم تتخذ القرار بإنهاء علاقتها العاطفية. «مش سهل. احنا بنحب بصحيح مش واحنا فى الجامعة ولا أول ما نتخرج... بعد كده». يقول الدكتور فيصل يونس أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة أنه لا يوجد إحصاء علمى دقيق حول ارتفاع نسب المصابين بأعراض نفسية واضطرابات وأمراض نفسية. ولكن توجد مؤشرات لزيادة عدد المترددين على عيادات الأطباء النفسيين من أبناء الطبقة المتوسطة العليا التى تتمتع بدرجة عالية من التعليم وبقدر من الرخاء الاقتصادى. وحسب يونس فإن القلق العنيف وما يصاحبه من اضطرابات فى الوظائف الحيوية يعد من أكثر العوارض النفسية شيوعا خاصة بين النساء اللاتى أصبحن يواجهن باختيارات صعبة تضعهم فى مواجهة أعراف وتقاليد لم تتغير على المستوى الاجتماعى العميق بالرغم من أن ظاهر المجتمع يبدو أكثر تحررا. «المرأة المتعلمة من الطبقة المتوسطة العليا مازالت أسيرة قيود مجتمعية مثل رفض الطلاق وتجريمه حتى فى حالة القبول به بصورة متزايدة»، هكذا يقول يونس. يضيف أستاذ الطب النفسى قائلا إن «درجة الشراكة فى المؤسسة الزوجية تناقصت جدا فى المجتمع فالأزواج من خريجى الثمانينيات والتسعينيات (من القرن الماضى) لا يمارسون نفس القدر من المشاركة التى كان يلتزم بها الأزواج من خريجى الخمسينيات والستينيات، وهو ما يجعل المرأة تشعر بنوع من الاستعباد داخل المؤسسة الزوجية» حتى لو كانت ميسورة اقتصاديا وتعمل فى وظيفة مرموقة. التعاسة، كما يقول يونس، تكون النتيجة الحتمية والتدخل العلاجى يصبح أحيانا حتميا.