لعل الأمر الغريب بالنسبة لعام 2009 هو أنه كان عاما عاديا جدا. ففى بداية العام كانت الأزمة الاقتصادية العالمية مازالت تُحدث ذعرا داخل مكاتب رؤساء الوزراء والقصور الرئاسية فى العالم. وكان العديد من السياسيين ينظرون للوراء بقلق، نحو أزمة عقد الثلاثينيات. لكنه اتضح أن المخاوف من عودة مطابخ الحساء ومسيرات الفاشية كان مبالغا فيها. وبالرغم من أن الاقتصاد الألمانى شهد انكماشا قدرة أكثر من 5% منذ بداية العام وحتى سبتمبر، فإن الشعب الألمانى أعاد انتخاب أنجيلا ميركل النموذج المثالى للثبات على الرأى والحس الوسطى السليم. وكانت انتخابات اليابان التى أجريت فى أغسطس أكثر دراماتيكية، حيث وضعت نهاية لهيمنة الحزب الديمقراطى الليبرالى الممتدة دون انقطاع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. غير أنه مازال من السابق لأوانه أن نقول ما إذا كانت اليابان قد تغيرت بالفعل أم لا. ولهذا السبب، فإنه لا الانتخابات اليابانية ولا الألمانية تأتى على قائمتى فيما يتعلق بالأحداث الخمسة الأكثر أهمية فى العام. ذلك أن الأحداث الخمسة الأهم هى كالتالى: يناير: تنصيب باراك أوباما.. وقد يقول المولعون بشدة بأوباما إن الأحداث الخمسة الأهم فى العام تتعلق كلها بالخطب التى ألقاها الرئيس الأمريكى الجديد. وكان هناك خطاب التنصيب، وخطاب براج الذى دعا فيه إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وخطاب القاهرة الذى سعى فيه إلى التواصل مع العالم الإسلامى، وخطابه فى الأممالمتحدة الذى قال فيه إن الخطب لن تحل مشاكل العالم، وخطابه عند تسلمه جائزة نوبل، حيث أثار أوباما دهشة وابتهاج الأمريكيين المحافظين عندما تحدث عن «الشر» والحاجة إلى الحرب. وربما يكون خطاب التنصيب الذى قد يتذكره الناس أقل من غيره هو تلك اللحظة الأكثر أهمية، حيث بعث أول رئيس أمريكى أسود الآمال فى إمكانية التعافى على الصعيد الوطنى والسلام على الصعيد العالمى. يونيو: خطاب التنصيب للرئيس الإيرانى.. والذى بعث آمال التغيير فى إيران ثم بددها لكنه ترك انطباعا مستمرا بافتقار الحكومة الإيرانية إلى الاستقرار والشرعية. وقد أدى الافتراض واسع النطاق بحدوث تزوير فى الاقتراع الذى أسفر عن إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدى نجاد إلى احتجاجات شعبية جرى قمعها بعنف. وحطم هذا القمع إلى جانب التسارع الواضح فى البرنامج النووى الإيرانى آمال أوباما حول الاتصال مع إيران وهو ما كان أحد محاور سياسته الخارجية. سبتمبر: قمة مجموعة العشرين فى بتسبرج.. والتى شهدت إعلانا رسميا بأن هذه المجموعة سوف تحل محل مجموعة الثمانية القديمة، وتصبح المنتدى الرئيسى الذى تجرى فيه مناقشة قضايا الاقتصاد العالمى. وقد أضفى هذا القرار الصفة الرسمية على عملية الانتقال من عالم يسيطر عليه الغرب إلى نظام عالمى جديد متعدد القطبية. وكانت مجموعة الثمانية بمثابة نادٍ للأمريكيين الشماليين والأوروبيين، إضافة إلى اليابان. إنما مجموعة ال20 تتضمن دولا صاعدة أهمها الصين والهند والبرازيل. غير أن السؤال الذى ليس له إجابة محددة يظل ما إذا كانت هذه المجموعة الأكبر من سابقتها قادرة على التصرف بطريقة فعالة أم لا. ديسمبر: زيادة القوات الأمريكية فى أفغانستان.. بعد شهور من الجهد المضنى والمداولات، أعلن السيد أوباما قراره. وسوف ترسل الولاياتالمتحدة 30 ألف جندى إضافى للمشاركة فى حرب أفغانستان إضافة إلى الخمسة عشر ألفا تقريبا التى أرسلها السيد أوباما بعد توليه الحكم بفترة قصيرة. وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت القوات الأمريكية تمثل نحو ثلثى القوات الأجنبية الموجودة فى أفغانستان وربما يكون مصير رئاسة أوباما متوقفا على نتيجة الحرب. وقد لا تكون هذه الفكرة مشجعة، بالنظر إلى المهزلة التى أحاطت بإعادة انتخاب حامد قرضاى رئيسا للبلاد فى وقت سابق من العام، وكذلك إلى استمرار قوة التمرد الذى تقوم به طالبان. ديسمبر: قمة كوبنهاجن للمناخ.. بالرغم من الجهود الشجاعة التى بذلها سياسيون من مشارب مختلفة بهدف إضفاء معنى إيجابى للقمة، فإنها كانت كارثة. ذلك أن الفشل فى التوصل إلى اتفاق حول حدود ملزمة قانونا للحد من انبعاث الغازات التى تسبب الاحتباس الحرارى يعنى أن القمة لم تكن سوى بيانا للنوايا لن يفعل شيئا من أجل مكافحة ارتفاع درجة حرارة الأرض. لكن دعونا نأمل أن يكون المشككون فى عملية التغير المناخى (الذين أصبحوا أكثر نفوذا خلال العام البارد) على حق. ولكن إذا لم يكونوا كذلك، فقد نتبخر جميعا. **** ماذا ينقص هذه القائمة؟ لم يحتل أى حدث فى أوروبا مكانا فى قائمتى للأحداث الخمسة الأهم. غير أن الفقرة الأخيرة فى معاهدة لشبونة وتعيين هيرمان فان رومبوى رئيسا للاتحاد الأوروبى ربما تجعل أوروبا تأتى على قائمة الأحداث الخمسة الأقل أهمية فى العام. كما أنه لم تقع أحداث اقتصادية كبرى وهو ما قد يبدو غريبا فى عام تهيمن عليه الجهود العالمية لتحقيق التعافى من أكبر ركود عالمى منذ عام 1945. لكن الأخبار الاقتصادية الأساسية فى أنحاء العالم كانت بمثابة عملية، وليس حدثا، وهى العودة التدريجية لنمو الاقتصاد العالمى. هل هناك ما يربط بين أحداثى الخمسة؟ للأسف نعم. فكان الموضوع الأساسى فى 2009 هو تبدد ذلك الابتهاج على المستوى الدولى الذى أحاط بانتخاب السيد أوباما. وربما وصل هذا الابتهاج إلى ذروته فى يوم التنصيب نفسه. لكنه ظل يتراجع منذ ذلك اليوم إلى الآن، فى الوقت الذى أصبح واضحا فيه شيئا فشيئا أنه فى هذه الأيام لا يوجد رئيس أمريكى أيا كانت مواهبه وشخصيته الكاريزمية يمكنه أن يعلن ازدراءه للواقع ويقوم بتغيير العالم. وتقدم لنا أحداث العام، من إيران إلى أفغانستان إلى مجموعة العشرين إلى فشل قمة كوبنهاجن، درسا خصوصيا مطولا حول استعصاء المشكلات العالمية على الحل وحدود القوة الأمريكية. Financial Times