الحصر العددي، تقدم الرحماني وعطا سليم والقبطان بجولة الإعادة بدائرة المنتزه بالإسكندرية    الوطنية للانتخابات تشكر الإعلاميين والناخبين على نجاح الانتخابات    العمل: تغطية نسبة ال 5% من توظيف ذوي الهمم تحتاج إلى مزيد من الجهد    الشروط المطلوبة للحصول على معاش الطفل 2026، والفئات المستحقة    يديعوت أحرنوت: واشنطن طلبت من إسرائيل تحمل مسئولية إزالة الدمار في غزة    واشنطن تصعّد الضغوط على كاراكاس.. تحركات لاعتراض سفن جديدة تحمل النفط الفنزويلي    تصريحات خطيرة من أمين عام الناتو تثير غضبا سياسيا في ألمانيا    القيادة المركزية الأمريكية: توسيع فريق التنسيق لغزة إلى 60 دولة ومنظمة شريكة    كالاس تعلق على فضيحة احتيال كبرى هزت الاتحاد الأوروبي    بولونيا يهزم سيلتا فيجو 2-1 في الدوري الأوروبي    الدوري الأوروبي.. روما يصعق سيلتيك بثلاثية نظيفة    مرصد الأزهر مخاطبا الفيفا: هل من الحرية أن يُفرض علينا آراء وهوية الآخرين؟    وائل رياض يشكر حسام وإبراهيم حسن ويؤكد: دعمهما رفع معنويات الأولاد    بعد استبعاد عبد المنعم، 5 محترفين فقط بقائمة منتخب مصر بأمم أفريقيا    العثور على جثة مجهولة لشخص بشاطئ المعدية في البحيرة    طلاب الأدبي في غزة ينهون امتحانات الثانوية الأزهرية.. والتصحيح في المشيخة بالقاهرة    الدفع ب 5 سيارات للسيطرة على حريق بمخزن نادي الترسانة في إمبابة    بالأسماء| إصابة 10 عمال زراعيين إثر اصطدام سيارتين وتوك توك بالنوبارية    الإعدام شنقًا للمتهم بقتل عاطل ونجله في نجع حمادي    ياسمين عبد العزيز تبكي على الهواء: العمرة بتغسلني من جديد.. والحياة ولا حاجة    رحيل الشاعر والروائى الفلسطينى ماجد أبو غوش بعد صراع مع المرض    أشرف زكي يكشف تطورات الحالة الصحية للفنانة عبلة كامل    طريقة عمل كيكة السينابون في خطوات بسيطة    أولياء أمور مدرسة الإسكندرية للغات ALS: حادث KG1 كشف انهيار الأمان داخل المدرسة    التعليم يكذب قرار زيادة المصروفات فى المدارس الخاصة    سيلتك ضد روما.. الذئاب تخطف ثلاثية أمام بطل أسكتلندا فى الدوري الأوروبى    قفزة في سعر الذهب بأكثر من 65 جنيها بعد خفض الفائدة.. اعرف التفاصيل    محافظ الجيزة يتفقد موقع حادث انهيار عقار سكنى في إمبابة.. صور    قائمة منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025    القوات الإسرائيلية تجدد اعتداءها على الأراضي السورية    كامل الوزير: النصر للسيارات أنتجت 300 أتوبيس خلال عام.. وأول ميني باص كهربائي بعد 6 أشهر    ياسمين عبد العزيز: ندمت إني كنت جدعة مع ناس مايستاهلوش    أليو ديانج يقود قائمة منتخب مالى الرسمية استعدادا لأمم أفريقيا 2025    مدير الصحة العالمية: رصدنا سلالة جديدة من كورونا نراقبها    حرمانها من بناتها.. أحدث شائعة طاردت شيرين عبد الوهاب في 2025    لحظة دخول ياسمين عبد العزيز ستوديو معكم منى الشاذلي    كامل الوزير: ندرس حاليا إنشاء مجمع صناعات معدنية.. وهنعمل مصانع بفكر وتكنولوجيا جديدة    ضبط شخصين بحوزتهما دعاية انتخابية ومبالغ مالية بمحيط إحدى اللجان في المنيا    انطلاق فرز الأصوات بالدائرة الثالثة بالفيوم    في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. «الحرافيش» درة التاج الأدبي المحفوظي    أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب    محمد رمضان ل جيهان عبد الله: «كلمة ثقة في الله سر نجاحي»    تعزيز التعاون الدوائي بين مصر والصين.. مباحثات موسعة لزيادة الاستثمار ونقل التكنولوجيا في قطاع المستلزمات الطبية    جيمي كاراجر يهاجم صلاح ليتصدر التريند.. مدافع ليفربول السابق لم يفز بالدورى الإنجليزى وسجل 10 أهداف منها 7 فى نفسه.. ميسى وصفه ب"حمار".. رونالدو تجاهله على الهواء.. ومورينو: أنت نسيت الكورة.. فيديو    وزير الصحة يتفقد مقر المرصد الإعلامي ويوجه باستخدام الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    بث مباشر الآن.. مواجهة الحسم بين فلسطين والسعودية في ربع نهائي كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة التونسية.. منزلقات اليوم التالى
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 07 - 2021

يضغط سؤال اليوم التالى على الأعصاب التونسية الملتهبة خشية الوقوع فى محظورات ومنزلقات العنف والفوضى، أو التراجع عن الحريات العامة الإنجاز شبه الوحيد لأولى ما يطلق عليها ثورات «الربيع العربى»، أو إعادة إنتاج الأزمة بعد انقضاء مواقيت الإجراءات الاستثنائية دون إقرار خريطة طريق لتغيير قواعد النظام السياسى، الذى تعفنت بيئته.
كانت «الإجراءات الاستثنائية»، التى أعلنها الرئيس التونسى «قيس سعيد»، تعبيرا عن الأزمة لا الأزمة نفسها، التى أخذت شواهدها تنذر بانهيارات سياسية واجتماعية وصحية قد تأخذ البلد كله إلى المجهول.
هذه حقيقة أولى فى أية إطلالة على الأزمة التونسية، دواعيها ومنزلقاتها.
لم يكن ما جرى فى تونس مفاجئا، كان الانفجار محتما بصيغة أو أخرى.
وصل تنازع الاختصاصات بين رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان إلى حدود تقارب مسارح اللا معقول، الرئيس شبه معزول فى قصر «قرطاج» يخطب محتجا دون أن يكون فى مقدوره أن يمارس صلاحيات حقيقية رغم أنه منتخب مباشرة من الشعب، ورئيس الحكومة الذى اختاره بنفسه ينضم إلى رئيس البرلمان مركز القوة الحقيقى فى النظام السياسى، الذى مضى بعيدا فى النيل من اختصاصات الرئيس بإدارة السياسة الخارجية تحت مسمى «الدبلوماسية البرلمانية»!
فوضى السلطة الضاربة صاحبتها أزمة اجتماعية متفاقمة وجائحة تحصد الأرواح بالتفشى دون أن تكون هناك سلطة تنفيذية تدرك واجباتها وأولوياتها فيما البرلمان مشغول بنزاعاته على توزيع الغنائم فى بلد يستبد به اليأس.
قبل إعلان «الإجراءات الاستثنائية»، التى اختلفت التوصيفات حولها، سادت تونس حالة اضطراب، جرت احتجاجات وتظاهرات أخذت بدواعى الإحباط العام فى إحراق مقرات حركة «النهضة» باعتبارها رمزا لسلطة الحكم.
لم يكن بوسع أحد السيطرة على الشوارع الغاضبة، ولا توقع ما قد يحدث تاليا.
بغض النظر عن مدى اتساق الإجراءات الاستثنائية، التى أعلنها الرئيس التونسى مع نصوص المادة (80) من الدستور، التى استند إليها، فإن الأزمة سياسية لا قانونية.
فيما هو سياسى فإن التدخل الرئاسى له مبرراته فى توسيع نطاق الإجراءات الاستثنائية لمواجهة «الخطر الداهم الذى يهدد كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها ويتعذر معه تسيير دواليب الدولة».
وفيما هو قانونى فإن هناك قدرا لا يخفى من التأويل الزائد بالتعسف فى تفسير المادة الدستورية، على ما يكاد يجمع الفقهاء الدستوريون، بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإعفاء رئيس الحكومة واسناد مهام النيابة العمومية لرئيس الدولة!
الضرورات السياسية غلبت الاعتبارات القانونية.
هذه حقيقة لا يصح اغفالها عند النظر فى تعقيدات الأزمة ومستقبلها.
بنظرة أخرى فإن «شرعية الإجراءات الاستثنائية»، المؤقتة بالالتزام الرئاسى، تعود بالمقام الأول إلى الترحيب الشعبى الواسع، الذى تبدى فى الشوارع عقب إعلانها، ضيقا بالنخب السياسية الحاكمة.
الشرعية الشعبية فاقت الشرعية الدستورية!
هذه حقيقة أخرى، لكنها ملغمة بالتساؤلات حول المستقبل ومزالقه خشية تقويض المنجزات الديمقراطية بخاصة فى حريات التعبير، فالشرعية الدستورية هى الأساس، وإذا كان هناك من تشوه فى النظامين السياسى والانتخابى فإنه يتعين إصلاحه بالتوافق الوطنى الواسع وإدخال ما هو ضرورى من إصلاحات فى بنية الدستور، لا بإلغائه أو التلاعب به.
ردم الفجوة بين الشرعيتين الشعبية والدستورية أولى المهام وأكثرها إلحاحا، بمعنى استعادة الثقة فى الحياة السياسية بإعادة تجديدها على أسس جديدة تمنع بوقت واحد العودة إلى المربع الذى استدعى الأزمة وانفجارها، أو استدعاء حكم الرجل الواحد مجددا.
الأزمة تصدرها رجلان على طرفى نقيض رئيس الجمهورية «قيس سعيد» ورئيس البرلمان «راشد الغنوشى».
أولهما، أعاد بناء صورته على نحو جديد يختلف عما بدا عليه قبل عام ونصف العام عند انتخابه رئيسا للجمهورية، فهو حازم وعنيد ومستعد أن يمضى إلى آخر الشوط فى مواجهة أية تهديدات محتملة: «إذا أطلقت رصاصة واحدة على الدولة فسوف نواجهها بوابل من الرصاص».
لا مغلوب على أمره ولا رئيس منزوع الصلاحيات.
ينفى عن إجراءاته الاستثنائية صفة «الانقلاب»، فهو رجل قانون دستورى اضطرته ظروفه لها دون أن يكون فى مخططه النيل من الحريات العامة، أو الانقضاض على المسار الدستورى والسياسى كما أعلن فى محاوراته مع ممثلى المنظمات المدنية والاتحاد التونسى للشغل.
وثانيهما، رجل عملى برجماتى، يترأس حركة إسلامية تمسك بمقاليد السلطة الفعلية، ناهض الإجراءات الاستثنائية واعتبرها انقلابا على الثورة والديمقراطية والحريات العامة، حاول أن ينظم اعتصاما لأنصاره أمام البرلمان فى اليوم التالى لإعلان الإجراءات الاستثنائية، لكنه استبعد الفكرة سريعا خشية التبعات.
بحقائق القوة خفف لهجته من التحدى إلى طلب الحوار مع رئيس الدولة ومع الأطياف السياسية الأخرى التى رفض بالاستعلاء فى أوقات سابقة الحوار معها.
فى عمق الأزمة التونسية تبدت تساؤلات حول مستقبل تيار الإسلام السياسى، الذى منيت تجاربه فى السلطة بفشل ذريع مرة بعد أخرى.
فى كل تجربة حكم حاول أن يستأثر بالسلطة وحده، أن «يكوش» على مفاصلها، يثير الفزع العام كأنه عبء على فكرة التحول الديمقراطى كلها، يتنكر لتعهداته مع القوى السياسية الأخرى، ولمبادئ الثورة التى صعد بمقتضى انجازاتها، لكنه يتذكر الحوار عندما يخرج من السلطة أو يتهدد وجوده فيها، ويتذكر الثورة والديمقراطية والحرية والمسار الدستورى عندما يطرد من الحلبة السياسية وليس وهو فى مركز السلطة.
ارتكب «الغنوشى» الأخطاء نفسها بممارسة السلطة، التى ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، لكنه أكثر برجماتية وقدرة على المناورة بالانحناء للعواصف.
للحظة تصور أن بوسعه استنساخ «السيناريو التركى» فى إجهاض الانقلاب الفاشل بيوليو (2016)، قبل خمس سنوات بالضبط، بالدعوة للتحرك ضد ما اسماه «الانقلاب»، لكنه فوجئ أن حركته شبه معزولة، بلا غطاء سياسى داخلى كاف للمواجهة، وأن الرأى العام فى أغلبه ضده.
ما أسقط الانقلاب التركى شبه الإجماع السياسى والحزبى على رفض العودة إلى الانقلابات العسكرية.
فى تونس السياق يختلف والأجواء تختلف والتجربة كلها تختلف.
أسوأ ما يجرى فى قراءة الأزمة التونسية استدعاء تجارب الآخرين فى غير موضعها وخارج سياقها، كأنها تستنسخ بالكلمة والحرف!
كانت ردود الأفعال الدولية على ما جرى فى تونس داعية بذاتها أن يضع «الغنوشى» البرجماتى حدا لأية رهانات على ضغط دولى ما فاعل ومؤثر على خطوات «سعيد» التالية.
انطوت البيانات الدولية على عبارات عامة عن ضرورة مواصلة المسار الدستورى.
أبدت بعض التحفظات والمخاوف دون إدانة ما جرى، أو وصفه بالانقلاب.
حقائق القوة والحسابات الدولية مالت إلى نوع من المعالجة للأزمة التونسية أقرب إلى منطق «سعيد» شرط أن يعود بأسرع وقت ممكن للمسار الدستورى.
بدرجة أكبر من التأثير صاغ المجتمع المدنى التونسى إطارا عاما لإدارة الأزمة الداخلية يمنع الاحتكاك بالقوة، أو الانزلاق إلى الفوضى.
اعترفت منظماته عمليا بضرورات الإجراءات الاستثنائية، لكنها دعت بالوقت نفسه لتوقيتها بشهر لا يزيد وإعلان خارطة طريق للخروج من الأزمة وتشكيل حكومة كفاءات لمواجهة الأزمات المستحكمة.
فى موازين القوى المستجدة أخذ الرئيس حجما جديدا فى المعادلات السياسية التونسية، فاجأ العالم، وربما فاجأ نفسه، بقدرته على التصرف ك«رجل قوى»، استقطب القيادات العسكرية والأمنية معه بذات قدرته على استقطاب المشاعر العامة فى الشارع، فيما تراجعت مكانة حركة «النهضة» بغضب الشوارع أكثر من القرارات الاستثنائية حتى أصبح مستقبلها فى مهب العواصف.
يكاد سيناريو عودة المجلس النيابى بعد شهر أو شهرين إلى سابق عهده أن يكون مستحيلا دون كلفة سياسية باهظة.
ربما يجبر «الغنوشى» على مغادرة مقعده على رأس البرلمان بالحسابات المتغيرة فى بنيته، كانسحاب الهيئة البرلمانية لحزب «قلب تونس» من التحالف معه.
الأرجح أن تجرى صفقات كواليس قبل العودة إلى المسار الدستورى.
ما حجمها وطبيعتها والقوى الدولية والإقليمية المتداخلة فيها؟
أسئلة تبحث عن إجابات فى لحظة تحول جوهرية مفعمة بالمخاوف.
ما طبيعة وفحوى خارطة الطريق، التى قد يعلنها الرئيس التونسى، لتعديل النظامين السياسى والانتخابى، هل يحل البرلمان بمقتضى استفتاء على التعديلات الدستورية، أم ماذا سوف يحدث بالضبط؟.. وما القوى التى سوف تصعد على حساب تراجع حركة «النهضة»؟ وما مصير الحركة نفسها على المدى المنظور؟
هذه أسئلة أخرى تطرق الأبواب التونسية الملبدة بالمخاطر والمنزلقات، كما آمال تجاوز أزماتها إلى مستقبل أفضل تستحقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.