استيقظت شوارع العاصمة الكوبية، هافانا، وشوارع مدن كوبية غيرها، على مشهد لم تعتاده منذ ربع قرن، من المتظاهرين المعبرين عن غضبهم للحكومة، والمطالبين بالخبز والحرية، ليتبع ذلك مشاهد أخرى من الاشتباكات بالحجارة مع رجال الأمن ومع متظاهرين مؤيدين للنظام الشيوعي الحاكم لكوبا، لكن الحدث الفريد لم يكن وليد أول أمس فقط، بل سبقه العديد من الأزمات والمتاعب التى أغضبت الآلاف وأخرجتهم عن صمتهم. وتستعرض "الشروق" تفاصيل وأسباب المظاهرات النادرة من نوعها فى كوبا، والأحداث التى أدت إلى تأجج الوضع وخروج الاحتجاجات؛ حيث بدأت تظاهرات الأمس باحتشاد المئات وسط العاصمة هافانا، فى تظاهرات مطالبة بالحرية وتغيير السياسات المتسببة بأزمة الغذاء وتصاعد حالات الإصابة بكورونا جراء ظاهرة الطوابير على الجمعيات. تطورت التجمعات لتبلغ الآلاف، والتى تم تصويرها بواسطة بعض المتظاهرين فى بث حي على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، إلا أن المظاهرات سرعان ما تم تفريقها بواسطة الشرطة الذين استخدموا الغاز المسيل للدموع. وقام المتظاهرون برشق الشرطة بالحجارة؛ ما تسبب -وفقا لأحد الفيديوهات- في تعرض شرطي لإصابة بليغة، والذي أقلته سيارة شرطية على الفور، ودهست متظاهرا أثناء انطلاقها بحسب مقطع الفيديو. ومن جانبه، وصف الرئيس الكوبى ميغال دياز، المتظاهرين، ب"المرتزقة"، وهدد باتخاذ الإجراءات الثورية نحوهم، مطالبا المؤيدين بالنزول للشوارع. ووفقا لمطالب المتظاهرين، فإن السبب المباشر الذى دفع لتأجج الوضع كانت القفزة الأخيرة في أعداد حالات كورونا، التى بدأت بتجاوز سعة المستشفيات، إذ قفزت الأعداد ب67% بين الخميس والجمعة الماضيين لتبلغ قرابة 6500. • نصفهم في نفس الولاية وعزا المتظاهرون -حسب مقابلات العديد من الصحف معهم- أسباب الطفرة في الإصابات، لظاهرة الطوابير على السلع الاستهلاكية التى تواجه كوبا أزمة بها منذ عامين؛ بسبب العوبات الأمريكية والجائحة. وساهمت الجائحة في تدهور الأمن الغذائي في كوبا، إذ ارتفعت أسعار السلع المستوردة التى تبلغ 70% من السلع المستهلكة في كوبا. وقابل ارتفاع أسعار السلع المستوردة نقص بالسلع الغذائية المحلية كالسكر والدقيق، التى انخفض إنتاج كل منهما ب30% وفقا للحكومة الكوبية. وكذلك أدى تعطل السياحة بسبب إغلاق المطارات الكوبية واقتصار دخول السائحين على أجزاء من شمال وجنوب الجزيرة الكوبية لتراجع دخل الأفراد وتدهور الاقتصاد الكوبى 11%؛ ما دفع المواطنين للاحتشاد على طوابير السلع المدعومة من الحكومة، بينما تفتقر تلك الطوابير الطويلة للتباعد الاجتماعى، في نفس الوقت الذي يصعب على الكوبيين فيه شراء المعقمات والصابون غالي الثمن لكونه من السلع المستوردة. ومقابل الأزمة الاقتصادية وتزايد حالات الإصابة بكورونا، لا يجد الكوبيون طريقا لإيصال صوتهم للحكومة، إذ تشدد السلطات الكوبية القيد على أى عملية تظاهر عدا عن المظاهرات المعارضة للعقوبات الأمريكية، وقد كان سماح الحكومة الكوبية لمظاهرة لحقوق الحيوان، بالخروج منذ أشهر، حدثا نادرا أثار دهشة الكوبيين. وعن صعوبة الوضع للحالات المصابة في الأيام الأخيرة، قالت ماغديال لصحيفة "نتاشيا لاموندو"، إن والدتها كنت تعاني من مضاعفات الإصابة بكورونا في البيت، وظلت تطلب المساعدة من خدمة الطوارئ ل4 أيام دون استجابة حتى ماتت لشدة المرض. وتقول الشاعرة الكوبية كاثرى باسكى، والمعارضة للنظام الشيوعى، إن السلطات أقامت دورية شرطية تحت منزلها بالرغم أنه كان من الأولى استغلال سيارات دورية الشرطة في نقل مصابي كورونا للمستشفى بدل من اتخاذها لمراقبة المعارضين. • الإنترنت يغير معادلة السياسة الكوبية استفاد النظام الشيوعى من عزلة الشعب عن ثقافة العولمة الخارجية لعقود مضت، لكن بمجرد سماح الحكومة الكوبية للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بالدخول للبلاد عام 2015، وتطويره ليمل بالخدمة الخلوية عام 2018 لاتصال ثلث الشعب الكوبى بالإنترنت ما سهل تنسيقهم وتنظيمهم للحركات الاحتجاجية بعيدا عن القبضة الأمنية بالشوارع والمرافق المختلفة. وساهم وجود الإنترنت في اطلاع الشعب الكوبى على المعارضة السياسية التى تتخذ من الإنترنت منطلقا لنشر وجهة نظرها المعارضة للشيوعية. ولعب الإنترنت دورا في التنظيم للمظاهرة المفاجأة أمس الأحد، ونشر مقاطع مصورة عن أحداثها؛ ما جعل الحكومة الكوبية تقوم بحجب المواقع الإخبارية عن كوبا خلال المظاهرات وعقب انتهائها. يذكر أن آخر مظاهرة معارضة للحكومة الكوبية كانت عام 1994 إبان الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفييتى الداعم الأكبر لكوبا في ذلك الوقت.