بيت نوبى كامل وكهف صناعى مماثل لكهوف صحراء النوبة، ومجرى مائى يلف المكان مستوحيا تعرجات النيل. اللون البنى الفاتح يسود المكان، والفتحات المثلثة بالحوائط ورسومات العقارب والتماسيح على الجدران تعمق من الإحساس بأنه قرية نوبية قديمة قد صمدت أمام السد ولم تغرق مثل باقى القرى التى غمرتها المياه فى 1933. عند دخول المبنى الرئيسى لمتحف النوبة، يكون أمام الزائر مسار واحد يتجه لليسار وفى دائرة كاملة حتى الوصول إلى نقطة البداية. يبدأ المتحف بآثار النوبة عام 3500 قبل الميلاد، ينتهى بالنوبة الإسلامية عام 1500، مع استعراض مقتضب للنوبة المعاصرة. تماثيل جنود سود أشداء حاربوا جنبا إلى جنب مع الفراعنة ضد كل من حاولوا غزو مصر. تبدو العلاقة العكسية بين مملكة قوش السودانية النوبية وبين دول الفراعنة المتعاقبة فى الشمال. إن ساد الضعف والفرقة فى طيبة، استقوت قوش وزاد استقلالها وقوتها التجارية. وكلما اشتدت سطوة ومركزية الحكم فى الشمال، وجدت قوش نفسها محاصرة خاضعة للسيد الشمالى. معادلة صفرية كررت نفسها منذ نشأة مملكة قوش فى 1070 قبل الميلاد، وحتى زوالها فى 350 م. تاريخ يعيد نفسه ليرجع فى كل مرة إلى نقطة البداية. تاريخ دائرى مثل مسار المتحف تماما. بالمتحف تصميمات لكنائس النوبة فى العصر المسيحى ومساجدها بعد دخول الإسلام، ولا تكاد تلاحظ الفرق. إنها ذات القبة النوبية المميزة، سواء كانت تحمل صليبا أو هلالا. أسلوب مميز للرسم ثنائى الأبعاد هو ذاته سواء كانت الرسومات لآلهة قديمة، أو للمسيح وحوارييه، أو لرحلة الحج إلى البيت الحرام. الحلى الفضية الضخمة المميزة لنساء النوبة تتطابق على مر السنين. فى آخر فاترينة عرض لحلى العصر الإسلامى بمتحف النوبة. قطعة فضية مستديرة عليها آيات قرآن وأسماء الله الحسنى للوقاية من الشرور. يسميها أهل النوبة «حفيظة». داخل الحفيظة نقوش للصلاة على النبى وتسبيح لله وحكمة مصرية خالدة: «الصبر طيب». أرض النوبة التى ظلت آلاف السنين مدخلا لقارة إفريقيا، تنقسم إلى جزءين أحدهما داخل الأراضى المصرية، وهى النوبة السفلى، والآخر داخل الأراضى السودانية وهى النوبة العليا. غرقت أرض الكنوز تحت مياه بحيرة ناصر نتيجة لبناء السد العالى، وشهدت المنطقة محاولات عديدة لإنقاذ أثار النوبة، وكان الحل الذى اقترحته منظمة اليونسكو على الحكومة المصرية هو إنشاء متحف النوبة لعرض الآثار الخاصة بالحضارة النوبية القديمة. وتشرح معروضات المتحف تاريخ النوبة. البيت النوبى والبحيرة المحيطة به، والمئذنة والجبانة الفاطمية. هذا التصميم الخارجى لمتحف النوبة الذى وضعه المصمم المصرى محمود الحكيم، وصفه د. أسامة عبدالوارث مدير المتحف بأنه «لوحة فنية على أرض النوبة». المتحف الذى بنى فى 1997 حصل على لقب أحسن متحف فى أفريقيا بأكتوبر الماضى، ورشحه الاتحاد الأوروبى ضمن أفضل ثلاثة متاحف حول العالم لأنه يعتبر حلقة وصل ثقافية متصلة بمتاحف العالم معبرا بمعروضاته عن الموروثات وأهم العادات والتقاليد النوبية التى تركها أهل النوبة من عصور ما قبل التاريخ حتى الوقت الحالى. يستعد متحف النوبة فى 2010 لافتتاح معرض جديد يضم الأدوات التى استخدمها الإنسان البدائى لتحديد التقويم الزمنى، وطبقا لمدير المتحف د. عبدالوارث أنه سيتم عرض الأدوات فى حديقة المتحف «بنفس الحالة التى كانت عليها» عندما وجدت فى الصحراء بمنطقة نبطة 30 كيلو جنوب غرب أبوسمبل. الأحجار التى ترجع إلى ما قبل التاريخ تشبه فى تشكيلها شمسية تحدد اتجاه الشمال واتجاه نجم الشعرى اليمنية، وهو نجم يظهر فى السماء صيفا يحدد موعد الفيضان. ويتابع د. عبدالوارث أنه من المقرر أن يُعقد مؤتمر فى منتصف فبراير القادم لتوثيق ووضع قاعدة بيانات للشواهد القبور الإسلامية التى عثر عليها فى أسوان وذلك بالتعاون مع المعهد الألمانى للآثار الشرقية. وتعد هذه الخطوة الأولى لعمل قاعدة بيانات لأكثر من 3000 شاهد ترجع للعصور الإسلامية الأولى والعصر الفاطمى، منتشرة حول العالم منها 1500 شاهد تقريبا فى مخازن متحف النوبة طبقا لمدير المتحف.