الرجل الأكثر تأثيرا داخل النظام السورى على مدى عشرين عاما.. كان الجميع ينظرون إليه على أنه الخليفة القادم فى دولة بنى أمية بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد، لكنه بدلا من ذلك اختار أن يكون مهندس التوريث وأقر بصفته القائم بأعمال الرئيس تعديلا دستوريا يتيح للشاب بشار ذى الأربعة والثلاثين عاما الجلوس على عرش الرئاسة الذى يقضى الدستور بأن يكون صاحبه لا يقل عن الأربعين. إنه عبدالحليم خدام: أبرز وأرفع مسئول عربى ينشق عن نظام شارك فى تأسيسه بل ويقود معارضة ضده من الخارج لأسباب يرجعها إلى فساد واستبداد هذا النظام، على حد قوله. ولم ينقلب خدام: على بشار فحسب، بل انقلب على كل السياسات التى ساهم يوما فى صنعها فى ظل النظام السورى، الأمر الذى يستنكره المنتقدون ويندهش له المعجبون. وُلد خدام: عام 1932فى بانياس شمال سوريا. والتقى حافظ الأسد أثناء دراسته الحقوق فى الخمسينيات عبر الاتحاد الوطنى السورى للطلاب والتحق بحزب البعث. وبدأ مسيرته كمحام فى دمشق حتى استلام البعث للسلطة عام 1963. وسرعان ما تقدّم فى صفوف الحزب ليصبح فى عام1967حاكم منطقة القنيطرة خدام: أكبر مدينة فى الجولان خدام: ثم وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية من1969إلى 1970. وبعد الانقلاب الذى قاده حافظ الأسد فى نوفمبر1970، تسلّم خدام: منصب وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء إضافة إلى القيادة القطرية والوطنية لحزب البعث الحاكم. وفى مارس 1984، أصبح خدام: أحد نواب رئيس الجمهورية الثلاثة. ولعب خدام: دورا أساسيا فى عدة مبادرات خارجية أهمها التحالف الإيرانى خدام: السورى فى الثمانينيات، وهو التحالف الذى يلعنه خدام: الآن بنفسه. ولقب خدام: ب«عراب لبنان» حيث كان المتحكم الفعلى فى المشهد السياسى اللبنانى لعقدين من الزمان منذ عام 1976. وفى أكتوبر 1983 شارك فى مؤتمر «المصالحة الوطنية» اللبنانية فى جنيف مكرّسا حق سوريا فى رفض أى تسوية مستقبلية لا تحفظ مصالح سوريا فى لبنان. وكان الراعى الأساسى لاتفاق الطائف عام 1989. إلا أنه وبعد استلام بشار الأسد للملف اللبنانى عام 1998، تقلّص نفوذ خدام: كثيرا ليصبح دوره شرفيا قبل أن يعلن انشقاقه عن النظام السورى عام 2005 من باريس حيث يسكن فى منطقة فوش الراقية، ويؤسس جبهة الخلاص الوطنى المعارضة بالتحالف مع الإخوان المسلمين الملاحقين بالإعدام داخل سوريا الأسد (الأب والابن). ومع هبوب رياح التغيير «الأمريكية» على الشرق الأوسط بعد تولى الرئيس باراك أوباما، بدت المعارضة السورية«المنقسمة»فى مأزق وهى تشاهد زيارات المسئولين الأمريكيين إلى دمشق تدشن مرحلة من حوار أمريكى سورى مباشر بعد أربع سنوات من العزلة، بالإضافة إلى لقاءات عربية تصالحية بين بشار الأسد والعاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصرى حسنى مبارك التى تهدف لاستعادة دمشق من الحضن الإيرانى، بحسب مراقبين. ويرى نائب الرئيس السورى سابقا ومعارض الرئيس حاليا فى حوار مع «الشروق: الجديد» أن ما يجرى من أجواء حوار غربى وعربى مع دمشق لن ينجح فى انتزاع نظام بشار «من قبضة طهران»، واصفا الحوار العربى والغربى معه «حوار الطرشان»، وبمناسبة بدء إجراءات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التى تنظر فى جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، يرى خدام: أن الرئيس بشار الأسد«اتهم نفسه» بالضلوع فى هذه الجريمة عندما صرح بأن«لبنان سيكون أول من يدفع الثمن إذا ما حصل تسييس للمحكمة» وأن «ليس ثمة ضمانات من عدم تسييسها». وفى هذا السياق أعلن خدام: أنه «مستعد للشهادة أمام المحكمة». وفيما يلى نص الحوار الذى أجرته «الشروق: الجديد» مع عبدالحيلم خدام:: الشروق: هناك أجواء انفتاح غربى وعربى كبير على دمشق حاليا فيما يراه المراقبون محاولة لانتزاع سوريا من الفلك الإيرانى، كيف تفسر هذا الانفتاح وهل تستطيع دمشق الابتعاد عن طهران؟ خدام: ركزت طهران على النظام السورى بعد تورطه فى لبنان وتشكيل لجنة التحقيق الدولية فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق المرحوم رفيق الحريرى وتمكنت من احتواء النظام الذى أصبح مدركا أن إيران بحكم مالها من نفوذ فى أجهزته الأمنية والعسكرية وفى مؤسسات الدولة بالإضافة إلى ارتباط حزب الله بها تشكل حماية له ولنظامه. ومن قراءة هذه الوقائع فإن الساعين لإخراج النظام السورى من قبضة إيران سواء كانوا من الغرب أو من الشرق لم يفلحوا وسيبقى النظام إحدى الركائز الأساسية للقيادة الإيرانية. وسيعطى بشار الأسد وعودا للغرب كما للدول العربية وسيعطى إيران تضمينات معززة بأنه باق فى تحالفه معها. الشروق: هل أنت قلق من تأثير هذا الانفتاح «السعودى خدام: المصرى خدام: الأمريكى» على سوريا، مما يؤثر على المعارضة؟ خدام: لست قلقا من أى حوار يجرى مع النظام لأنى على يقين أن هذا الحوار سيكون حوار الطرشان. الشروق: لكن كثيرين يرون أن حوارا غربيا مع سوريا يعنى تراجعا عن دعم المعارضة، فما رأيك؟ خدام: أريد أن أوضح أن المعارضة السورية لا تعول على الغرب فى تحقيق التغيير فى سوريا، لأن لمثل هذا التدخل ثمنا وطنيا كبيرا وهذا ما ترفضه المعارضة السورية وتجربة التغيير عبر التدخل الخارجى فى العراق تجعل مثل هذا التدخل فى سوريا أمرا مرفوضا. أؤكد أن الغرب لم يقدم للمعارضة السورية أى شكل من أشكال الدعم رغم ما يطرحه من شعارات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. الشروق: وكيف تنظرون شخصيا إلى الرئيس الأمريكى بارك أوباما الذى دشن حورار مباشرا مع دمشق؟ خدام: الحوار الذى أطلقه أوباما حول أفغانستان ومع النظام السورى والحوار المحتمل مع إيران، عبارة عن حوارات استكشافية وأمامه عقبات كبرى ومجموعة مترابطة من المشكلات ونجاحه فى حل كل مشكلة سيؤدى إلى ظهور مشكلة أخرى ومثال ذلك الانسحاب من العراق يحل مشكلة أمريكية ولكنه سينتج مشكلة أخرى وهى هيمنة إيران على العراق. الشروق: ما حقيقة التمويل السعودى لجبهة الخلاص، والاتهامات لك بأنك تعمل لصالح السعودية؟ خدام: أنا أحترم السعودية وقيادتها وتاريخى الطويل فى السياسة لا سيما فى مجال السياسة العربية يكشف كذب هذه الأبواق، فقد دافعت عن السعودية عندما تعرضت إلى حملة من أبواق النظام السورى وكنت أعلم جيدا أن هدف هذه الحملة الإساءة لدولة شقيقة وقفت إلى جانب سوريا فى الأيام الصعبة كما أن هذه الحملة كانت جزءا من حملات استهدفت المملكة العربية السعودية ومصر من قبل التحالف الذى تقوده إيران. والزعم بأن الرياض تمول جبهة الخلاص الوطنى فى سوريا لا صحة له لا من قريب ولا من بعيد وسؤالى لهذه الأبواق ما الذى سيقولونه اليوم بعد قمة الرياض الأخيرة؟. الشروق: المراقبون يرون أن المعارضة السورية فى الخارج تصدعت بعد إعلان الإخوان تجميد معارضتهم. ما ردك؟ خدام: من الطبيعى أن تبرز بين الوقت والآخر تباينات فى وجهات النظر حول بعض القضايا التى تطرأ فى الساحة السياسية بسبب الخلفية الفكرية والسياسية لكل من مكونات المعارضة. وقد أدى إعلان الإخوان إلى خلاف فى وجهات النظر بين الجماعة وبقية أطراف الجبهة التى رأت فى بيان الإخوان المسلمين خروجا على ميثاق الجبهة وقد نوقش الموضوع بالأمانة العامة وتقرر عرضه على المجلس الوطنى فى وقت قريب لاتخاذ القرار الملائم الذى يراه. الشروق: وهل تعتقد أن صفقة سياسية بين النظام والإخوان تمت من وراء الكواليس؟ خدام: من الصعب عقد صفقة بين جماعة الإخوان المسلمين فالنظام لا يستطيع أن يقبل المصالحة التى تجيز للإخوان العمل السياسى بأى صورة كانت وقد أعلن قبوله منذ فترة السماح لأفراد بالعودة إلى سوريا بعد موافقة أمنية، ومن جهة ثانية فإن جماعة الإخوان المسلمين لا تستطيع أن تقبل بمثل هذا العرض. الشروق: هل تشعر حاليا بأنك «وحيد» فى جبهة الخلاص؟ وما تأثير الانقسام فى الجبهة على المعارضة؟ خدام: لست وحيدا فى جبهة الخلاص الوطنى والتى تكونت كما أشرت من قوى وتيارات وأحزاب وشخصيات وطنية موجودة فى الداخل كما فى الخارج وفى هذه المناسبة أشير إلى أن حوارا يجرى مع بعض أطراف المعارضة للانتساب للجبهة كما أن حوارا سيجرى مع أطراف أخرى بهدف توحيد وتنسيق عمل المعارضة السورية فى الداخل وفى الخارج. الشروق: بالنسبة لملف محكمة الحريرى.. بماذا تفسر قول الرئيس الأسد إنه إذا تم تسييس المحكمة فسيدفع لبنان كله الثمن؟ خدام: إن تصريح رئيس النظام السورى الذى أشرت إليه فى سؤالك يشكل تهديدا للبنانيين وللعرب وللمجتمع الدولى ومن جهة ثانية يعنى أن رئيس النظام يتهم نفسه فمن هو القادر على تدمير لبنان غير دولة أو شبه دولة وليس أفرادا فالأفراد غير قادرين على تدمير لبنان، فى قناعتى عبر متابعتى للأوضاع فى لبنان ولتوتر العلاقات بين رئيس النظام السورى والمرحوم رفيق الحريرى وما كان يطلق من تهديدات، أن أصابع الاتهام تشير إلى النظام. الشروق: حديثك يشير إلى اتهام بشار الأسد بالضلوع فى اغتيال الحريرى، فهل تعتقد أنه مع الإجراءات الطويلة للمحكمة، سيأتى يوم ويقف الأسد نفس موقف الرئيس السودانى عمر البشير؟. خدام: فى كل الأحوال التحقيق قارب على الانتهاء والمحكمة بدأت والحقيقة ستظهر. وإذا توصلت المحكمة إلى أن بشار الأسد متورط فإنه سيواجه مصير البشير ومسألة إجراءات المحكمة سواء طالت أو قصرت لا تؤثر على قرارها وهذا ما حدث فى المحاكم الجنائية الأخرى. والزمن لن يؤثر على قرار المحكمة لأنها مستقلة ولأن القضاة ليسوا ممن يخضع للضغوطات كما أن الدول الكبرى أعطت التزاما قويا برفض المساومة على المحكمة. الشروق: محيى الدين اللاذقانى الأمين العام للتيار السورى الديمقراطى المعارض من الداخل يعتبر أن «معارضتك ليست أكثر من فقاعة صابون، وأنك خدام: كالنائب الآخر رفعت الأسد عن ملفات الفساد والاستبداد؛ لأنكما ضالعان فيها جميعا.. كيف ترد على ذلك؟ خدام: هذا المخلوق لا يستحق الرد عليه، فيبدو أنه لا يقرأ ولا يسمع. فى جميع مقابلاتى الإعلامية ركزت على مسألتين أساسيتين فساد النظام واستبداده وعرضت الوقائع وتحدثت عن الأشخاص. أما القول بأنى مارست الفساد فسؤالى إذا كنت مارست الفساد أنا أو أقربائى أو أصدقائى فلماذا لم يكشف رئيس النظام السورى هذه الملفات للرأى العام فى سوريا؟. الشروق: وقت انشقاقك عن النظام..على أى شىء كنت تراهن.. والآن هل تبدلت الرهانات فى ظل الظروف الإقليمية الجديدة؟ خدام: ليست مسألة رهان فالعمل الوطنى ليس مقامرة، اتخذت قرارى بالانشقاق بعد أن ترسخت القناعة لدى أن بشار الأسد لن يقدم على تحقيق الإصلاحات التى تحتاجها البلاد.