الديون الخارجية لمصر تواصل الارتفاع، وهذا مؤشر خطر. ووفقا لبيانات البنك المركزى، يوم الإثنين الماضى، فإن هذا الدين الخارجى ارتفع خلال الربع الثانى من العام المالى الحالى «2020 2021»، بنسبة 3٫07٪، ليصل إلى 129٫195 مليار دولار، مقابل 125٫337 مليار دولار فى الربع الأول. البيانات تقول أيضا إن الدين طويل الأجل، زاد بنحو 3٫7٪ ليسجل 117٫2 مليار دولار، مقارنة ب113٫014 مليار دولار فى الربع الأول، كما تراجع الدين قصير الأجل فى الربع الثانى بنسبة 2٫96٪، ليبلغ 11٫958 مليار دولار مقابل 12٫323 مليار فى الربع الأول. هذه القفزة فى الديون سببها المباشر هو تسلم مصر الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 1٫2 مليار دولار. والسبب الثانى إصدار مصر لسندات دولية خضراء بقيمة 750 مليون دولار، وثالثا بيع البنك المركزى أذون خزانة حكومية مقومة بالدولار نيابة عن وزارة المالية بنحو 1٫585 مليار دولار، وقبلها بيع أذون خزانة حكومية مقومة بالدولار بنحو مليار دولار لأجل 364 يوما بمتوسط عائد 3٫395٪. وفى سبتمبر باعت مصر سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لأجل 5 سنوات بسعر عائد 5٫25٪. سيقول المسئولون إن هذه الإصدارات والإقبال عليها، تعكس ثقة المستثمرين فى العالم والمؤسسات الاقتصادية الدولية الكبرى فى الاقتصاد المصرى، وهذا أمر صحيح لأن هذا الاقتصاد حقق ما يشبه المعجزة، بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى فى 3 نوفمبر 2016، حينما تم تحرير سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، إضافة إلى بدء برنامج واسع لهيكلة وتخفيض الدعم الحكومى، خصوصا دعم الوقود، الذى تبيع الحكومة معظم أنواعه للمواطنين الآن بالسعر العالمى، طبقا لآلية التسعير التلقائى كل 3 شهور. وسيقول المسئولون أيضا أن زيادة الدين طويل الأجل وانخفاض الدين قصير الأجل، مؤشر جيد جدا، باعتبار أنه يؤكد عدم وجود خطورة حاليا للديون الخارجية، لأن معظمها يحين موعد سداده بعد فترة طويلة، مقارنة بالديون قصيرة الأجل. وسيقول المسئولون أيضا إن هذه الديون الخارجية، كانت أمرا لا مفر منه لتمويل عملية التنمية واسعة النطاق، التى تتم فى مصر منذ عام 2014، وأن هذه التنمية واستدامتها كفيلة بتغطية أقساط وفوائد الديون، حينما يحين موعد سدادها، إضافة إلى أن الحكومة بدأت بتسعير السلع والخدمات بأسعارها الحقيقية تدريجيا، وأنها أصدرت قرارات واضحة بعدم الاقتراض، إلا إذا كانت هناك رؤية واضحة لكيفية السداد، وأن هناك لجنة حكومية يرأسها رئيس الوزراء، للموافقة على أى قرض، ولا يتم ترك ذلك لأهواء وأمزجة الجهة المقترضة، وأننا اضطررنا للاقتراض أيضا بسبب تداعيات فيروس كورونا الذى ضرب كل اقتصادات العالم. وسيقول المسئولون أيضا إن حجم الديون مقارنة بالناتج المحلى لاتزال فى مستوى الأمان، وإننا نعمل على تخفيضها تدريجيا. كل ما سبق صحيح. لكن وصول حجم الديون الخارجية إلى مستوى 130 مليار دولار، أمر مفزع، ويحتاج لدق كل أنواع الأجراس فى كل مراكز اتخاذ القرار. ولا أعرف هل رقم 130 مليار دولار يشمل ديون الهيئات الاقتصادية المختلفة والبنوك الحكومية أم لا، وهل يشمل مبلغ ال25 مليار دولار الخاص بالقرض الروسى لإنشاء المفاعلين النوويين بالضبعة أم لا؟! أتمنى أن نعيد النظر فى السياسة المتبعة للاقتراض، بغض النظر عن المبررات التى دفعتنا للاستدانة، حتى لو كانت منطقية، لأن الدين المحلى وصل بنهاية سبتمبر الماضى إلى 4٫5 تريليون جنيه بنسبة 74٫9 من الناتج المحلى الإجمالى، والدين الخارجى وصل إلى 19٫8٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى نفس الفترة. وصارت اعتمادات الفوائد تمثل 33٪ من إجمالى المصروفات فى مشروع الموازنة، البالغة 1٫7 تريليون جنيه، كما تمثل مدفوعات الفوائد أكبر باب على جانب المصروفات منذ عام 2015 2016. الدين مشكلة كبيرة، ويجب أن نتذكر ما حدث لمصر فى عهد الخديوى إسماعيل، حينما استغلت الدول الغربية الكبرى، خصوصا فرنسا وبريطانيا الديون التى بنت بها مصر مشروعات كبرى، لكى تتدخل فى الشئون الداخلية، بل تدير الاقتصاد المصرى، وهو ما انتهى بالاحتلال الإنجليزى لمصر فى 1882. علينا أن نعود مرة أخرى إلى ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو ألا نقترض إلا إذا كان الأمر ملحا وضروريا. وأقترح على الحكومة أن تتوقف عن الاقتراض المؤقت حتى ندرس الموقف بهدوء وتقدر نتائجه وتبعاته، وأتمنى ألا يوافق البرلمان على أى قرض إلا اذا كان «للشديد القوى».