هاجر إلى كندا منذ 42 عاما، وتحول عشقه لأرض الوطن إلى روايات تاريخية، يفتش فيها عن الروح المصرية القديمة بلغة فرنسية معاصرة، ينافس فيها أبناء البلد الأصليين ليحصد عن كل رواية جائزة، إلى جانب التصفيات النهائية لمسابقات الإذاعة الكندية، إنه جون محسن فهمى ابن الصعيد الذى عمل فى مجال التعددية الثقافية وشارك عام 1988 فى صياغة قانون كندى يعرف سياسة التعددية الثقافية والتى تقر بأن اللغتين الرسميتين الإنجليزية والفرنسية تعتبران ضمن محددات الهوية الكندية، وتسمح بالدفاع عن الثقافة الأصلية وتطويرها فى بلد المهجر أيًا كانت الجنسية والأصول العرقية والدينية لصاحبها. تحصد أعمالك الروائية الجوائز الأدبية الكندية وتظل محور اهتمام جمهور القراء، كيف يتم تقديمك فى بلد المهجر، وهل تعتبر نفسك متأرجحا بين مقعدين كما يقول التعبير الفرنسى، أى بين الجذور والمنفى الاختيارى؟ فى أحد كتبى الموجهة لسن المراهقين وعنوانه «ألكسندر ومهربى الصحراء» كانت تدور حول لقاء فصل دراسى من القاهرة مع فصل دراسى من كندا، وفقد شابان ينتمى كل منهما لفريق، ووقعا فى سلسلة من المغامرات يظهر من خلالها معنى الصداقة، يتم من خلالها قص التاريخ الفرعونى، حين أكتب هذا يكون من السهل على القارئ تمييز هويتى المصرية. كذلك الحال فى رواية «أمينة والمملوك الأبيض» التى تتناول فترة حملة بونابرت على مصر وحتى العشرين سنة الأولى من تأسيس الدولة الحديثة فى عهد محمد على. أو فى رواية «ابن خلدون الذى عاش الخمسة والعشرين عاما الأخيرة فى القاهرة، أو كتاب دخول المسيحية فى مصر فى بداية القرن الثانى وتعذيب الإمبراطور ديوكلسيان للمسيحيين فيما عرف بعصر الشهداء. كل هذه الروايات تحكى عن مصريتى، وأفتخر عند نجاح أى منها لأن الجمهور الكندى يعتبرنى مصريا، حتى وإن كنت ملتحما ومتفاعلا مع المجتمع الكندى. هل تصبح الكتابة فى المهجر ذريعة للحديث عن تاريخ الوطن والحنين إليه؟ تحديدا لماذا تكتب؟ أحببت دائما الكتابة، حينما كنت بالقاهرة بدأت دراستى الجامعية فى كلية الهندسة، لكنى لم أتخيل نفسى مهندسا وكنت أميل للأدب ورغم أنه كان فى هذا الزمن وربما لا يزال من يتخلى عن كلية القمة ليذهب إلى دراسة الأدب ينظر إليه كشخص عابث، إلا أن والدى وافق مادام فى هذا سعادتى. كنت أقرأ الرواية التاريخية وكنت مولعا بالكاتب الفرنسى دوما، وأقرأ التاريخ الذى يضىء الخيال ويسمح لى بعمل فسيفساء أصنع بها لوحة كاملة. فقد كانت الكتابة تجمع بين حبى للقراءة والكتابة والتاريخ. لأنى أعتبر أن حبى لمصر يتجسد فى الكتابة. لماذا اخترت وتمسكت بالرواية التاريخية؟ أتعامل مع علاقة التاريخى بالتخييلى بدقة تكاد تصل إلى حد الصرامة وأحاول دائما أن أحترمها. فقد أصبحت الرواية التاريخية اليوم موضة فى الكتابات، وأعتقد أن أحد عيوبها الأساسية أنها لا تأخذ فى الاعتبار ذهنية العصر الذى تتناوله. فحين أتناول عصرا تاريخيا ما، أحاول أن أدرس بعمق تفاصيل هذا العصر من طرز الأثاث والديكورات المتداولة وطريقة التفكير، وأسعى أن تكون دراسة التفاصيل بدقة متناهية قد تصل إلى عامين من التحضير لأنى أحترم عقلية القارئ. فالحب على سبيل المثال هو شعور واحد على مر تاريخ الإنسانية، لكن التعبير عنه يختلف من جيل إلى جيل. ما يجذبنى فى الرواية التاريخية هو هذا المزج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات المتخيلة فى الرواية، بحيث يتشكك القارئ إذا كانت شخصية «سكرتير» ابن خلدون هى شخصية حقيقية أم متخيلة، فهو الراوى المخترع الذى يصعب كشفه إلا من المتخصصين فى هذه المرحلة التاريخية. كذلك الحال بالنسبة لموضوع الحب الذى لا يوجد توثيق له فى هذه العصور، لكنى من خلال الرواية أدخل اللمحة الرومانسية فى السرد التاريخى. ما يهمنى فى كتابة الرواية التاريخية ليس المطابقة مع الواقع، ولكن أن يقتنع القارئ بالأحداث، وأن تكون فى تجانس مع التاريخ، فأنا لا أحكى التاريخ، بل تواريخ وقصصا. تناولت فى رواياتك حملة بونابرت و عصر محمد على وعصر الشهداء وفترة حكم المماليك، ما الذى يفجر الكتابة عن مرحلة بعينها، هل الواقع يدعوك للتفتيش فى عِبَر التاريخ؟ السبب الأساسى الذى فجر كتابة ابن خلدون على سبيل المثال هو حضورى مؤتمرا دوليا فى مصر عن هذا العالم النابغة والذى شارك فيه مختصون من جميع بقاع العالم. وكان همى بعد ذلك فى كل رواياتى هو إبراز تيمة اللقاء بين الشرق والغرب، بين جانبى المتوسط، أو بين الإسلام والمسيحية، فلا زلنا حتى اليوم نطرح نفس الأسئلة، والمتغير هو طريقة طرح السؤال والتعامل معه. فى رواية «أمينة والمملوك الأبيض» أتناول علاقة الشرق بالغرب من خلال قصة حب بين أمينة وهى فتاة من المنيا وتحديدا من «نزلة الفلاحين» مسقط رأسى و«ماثيو» الضابط الفرنسى، فى زمن الحملة الفرنسية على مصر التى كانت بداية الاستعمار الغربى لمصر، لكنها كانت بداية تطور الزراعة والصناعة وعلم المصريات. أما فى رواية «احتضار الآلهة» فأتناول مرحلة منسية من التاريخ وهى اضطهاد دقلديانوس للمسيحيين، وبداية دخول الإله الواحد على أرض النيل و بداية المسيحية فى الإسكندرية. غادرت مصر منذ 42 عاما وتحديدا بعد هزيمة يونيو 67، هل تعتبر نفسك رغم البعد الجغرافى من كتاب جيل النكسة؟ أنا ابن هذا الجيل حتى وإن اختلفت جماليات كتابتنا، لأن سفرى صبيحة يونيو 67 والرعب، وعدم وجودى فى مصر وكتابتى بغير العربية كلها نتائج لهزيمة 67. فقد كبرت مع الثورة وكنت شديد التواؤم مع مبادئها وأحلامها بالحرية ومعانى الفخر فمازلت أذكر شعار «ارفع رأسك يا أخى» وتأثيره علينا آنذاك، لكنى انكسرت بشكل شخصى بعد الهزيمة وشعرت بشعور من يكتشف أن قصة غرامه كانت خديعة. فقد كنت صحفيا بوكالة الأنباء الفرنسية، وكنت ممزقا بين ما تبثه وسائل الإعلام من تصريحات «انتصرنا» أو «عبرت قواتنا الحدود» أو «نتقدم نحو تل أبيب» بينما التلكس يتدفق أمامى ليبث أخبارا مناقضة عن تدمير القوات الجوية المصرية منذ الساعات الست الأولى ثم دخول القوات الإسرائيلية لسيناء، مكثت ستة أيام فى المكتب وفى اليوم السادس كان مليون مصرى يبكون فى الشوارع، وقررت الهجرة مع زوجتى مباشرة بعدها. الجوائز والأعمال: نشرت رسالته للدكتوراه «فولتير وباريس» فى قسم النشر بجامعة أوكسفورد فى 1978. أول كتبه الروائية كان للمراهقين «الصحراء والذئب» فى 1985. «أمينة والمملوك الأبيض» فى 1999 وصلت إلى تصفيات جائزة «تريليوم» الأدبية. «ابن خلدون، الشرف والنقمة» الجائزة الكبرى للكتاب فى أوتاوا، فى مجال الرواية 2003. «ألكسندر ومهربى الصحراء» للمراهقين فى 2007. «احتضار الآلهة» حصدت جائزة «تريليوم» الأدبية فى 2005 وجائزة «لوديفوار» فى 2006.