يقول الله في كتابه العزيز "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"، من هذا المنطلق تستعرض الشروق مجموعة قصصية عن سير بعض أنبياء الله، خلال شهر رمضان الكريم، بهدف استخلاص الموعظة والحكمة. نستعرض في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، قصصة النبي إدريس، عليه السلام، حسبما ورد ذكره في كتاب "قصص الأنبياء" لمؤلفه الإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، المتوفى عام 774 هجريا. * أول من خط بالقلم قال الله تعالي في سورة مريم: "واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا، ورفعناه مكانا عليا". أثنى الله تعالى على النبي إدريس في هذه الآية بوصفه بالنبوة والصديقية، وهو يعتبر أول من أعطى النبوة بعد النبي آدم وابنه شيث عليهما السلام، ويذكر أن سيدنا إدريس أول من خط بالقلم وقد عاش 308 سنوات. * هل مات إدريس أم رفع حيا إلى السماء؟ اختلفت الآراء في كتاب المؤلف حول موت سيدنا إدريس، حيث استشهد الإمام المؤلف بقول الإمام المفسر لعلوم الدين، ابن أبي نجيح عن مجاهد، بأن معنى قوله تعالى: "ورفعناه مكانا عليا"، هو أن النبي إدريس رفع إلى السماء ولم يمت مثل عيسى عليه السلام. لكن مع ذلك يعتقد بعض المفسرين بحسب المؤلف، أن النبي إدريس يمكن أن يكون قد رفع إلى السماء ثم قبض، أو رفع إليها حيا كمثل عيسى ابن مريم، حيث يقول الإمام العوفي عن ابن عباس، إنه رفع إلى السماء السادسة ومات فيها أو أنه في السماء الرابعة، بحسب حديث متفق عليه. وتشمل الآراء التفسيرية الأخرى حول الآية القرآنية وبينها رأي الإمام الحسن البصري، أن النبي إدريس قد يكون رفع إلى حياة أبدية. ويقول الإمام البخاري عن ابن مسعود وابن عباس أن النبي إدريس، رفع إلى السماء الرابعة، وقد استند العلماء في ذلك على ما جاء في حديث الزهري عن أنس في ليلة الإسراء والمعراج، يقول الحديث: "فلما مر عليه النبي محمد قال له إدريس مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح". * رسالة التوحيد إلى مصر كانت رسالة النبي إدريس لأهل مصر هي التوحيد، حيث نزل عليه الوحي بنحو 30 صحيفة، وكانت تتضمن طرق عبادة الله وكيفية التعامل مع النفس والناس، وكان كثير الذكر والتضرع لله، حتى أنه كان أول نبى يهبط إليه سيدنا جبريل عليه السلام من السماء. ويقول الإمام السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" إن إدريس كان بين من دخلوا مصر من الأنبياء، ويذكر رواية عنه أن أحد الملوك الذين لم يذكر اسمهم بيت له فعل السوء ولكن الله عصمه، ثم دفع له أبوه العلوم المتوارثة عن جده، فطاف مصر وخارجها مشيدا عشرات المدائن في مختلف أنحاء البلاد. * المصري حكيم الحكماء الذي علم العالم ويقول الشيخ على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، في إحدى الحلقات التليفزيونية لبرنامج مصر أرض الأنبياء، إنه وقت النبي إدريس تفرقت لغات أهل الأرض إلى 72 لغة، فكان أول من أدرك أهمية اللغات بل وتعلمها جميعا، ما مكنه من الإدراك المتراكم للعلوم منذ جده الأكبر سيدنا آدم. وأضاف أن النبي إدريس تعلم اللغات بحكم أنه كان مصريا يعيش في مصر وكانت مصر آنذاك بلدا يرتحل إليها الكثيرون من جنسيات مختلفة. * عالم الهندسة و أول خياط في التاريخ واكتشف سيدنا إدريس لأول مرة العلاقة الهندسية بين الأرقام والكلمات، وكان أول خياط ومصمم أزياء وعلم الناس الزراعة، والخط واللغات والعلوم وبقية القوانين الحاكمة للهندسة والطب، فاستحق أن يكون المعلم الأول للبشرية من ناحية التدريس والتعليم، لذلك فإن مصر هي أسبق الحضارات قبل الشرق الغرب. * هل حكم إدريس مصر وما حقيقة تشبيهه بأوزوريس؟ يربط بعض علماء الحضارة المصرية القديمة بين النبي إدريس والإله أوزوريس، ففي كتاب "الجبتانا" الذي وضعه المؤرخ المصري مانيتون السمنودي، وصف خلاله أوزوريس بأنه يتشابه مع النبي إدريس، مستدلا على ذلك بأن المصريين كانوا يقولون على أوزوريس بأنه يتلقى دعوة إلاهية من حين لآخر، فيصعد إلى السماء ويتعلم منها فنون البناء بالحجر والخط بالقلم والزراعة والحكمة وتخطيط المدن، ويصفوه بأنه أول من جعل المصريين يسكنون البيوت بعد الكهوف خوفًا من الوحوش والمسوخ، وذلك يتماشى مع كون النبي إدريس أول معلم للبشرية في الهندسة والطب والبناء. كما يذكر الكاتب أن إدريس أول من شيّد المعابد الضخمة، واهتم بتعليم الطب، وابتكار أدوات الزراعة والري مثل المحراث والشادوف المشهورين والمصورين على جدران معابد مصر القديمة، فيما ازدهرت في عهده المدن والصناعات وعرف الناس لبس الثوب الكتاني، وكان يتلقى وحى الآلهة ويرى الرؤى فى نومه، وهو ما يناسب سمة الأنبياء، بالإضافة لكونه أول من علم الناس الحياكة بديلة ارتداء الجلود. إلى اللقاء في الحلقة الثانية..
