الدولار ب49.58 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 13-7-2025    خلال 24 ساعة.. 141 شهيدا بقطاع غزة في هجمات إسرائيلية    ملف يلا كورة.. تفاصيل معسكر الأهلي.. صفقة شكري.. ومفاوضات الزمالك لضم عيد    والده يعشق الكاراتيه وأزمة بسببه.. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة وسام أبو علي    محمد سمير يعلن اعتزاله كرة القدم.. وانضمامه للجهاز الفني بنادي زد    ب"كلب شرس" في القليوبية.. بلطجية يروّعون الأطفال    آخرها فنانة سويسرية.. كابوس مها الصغير لا ينتهي    البيت الفني للمسرح يقدم 15 عرضًا و100 ليلة عرض دعماً للشباب    زعيم كوريا الشمالية يؤكد استعداده لدعم إجراءات روسيا بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية    تعرض لهجوم ب 6 قذائف.. تفاصيل إصابة الرئيس الإيراني خلال محاولة اغتيال أثناء الهجوم الإسرائيلي    نتنياهو: نعمل على اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة 60 يوما    سعر الذهب اليوم الأحد 13 يوليو 2025 بعد الارتفاع العالمي وعيار 21 بالمصنعية    أسعار الفراخ اليوم الأحد 13-7-2025 بعد التراجع الأخير وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 13-7-2025.. وحديد عز يتجاوز 39 ألف جنيه    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    «مش هتقف على حد».. تعليق قوي من نجم الأهلي السابق بشأن رحيل وسام أبوعلي    أونانا خارج حسابات مانشستر يونايتد في جولة أمريكا استعدادًا للموسم الجديد    مع زيادة الرسوم الجمركية.. توقعات بارتفاع التضخم في أمريكا    التفاصيل الكاملة لحادث غرق سيارة بالرياح الناصري في الجيزة (صور)    رسمياً.. بدء تسجيل اختبارات القدرات لتنسيق الجامعات 2025 والإعلان عن قواعد تنظيمية مشددة    10 شهداء في قصف الاحتلال لمنزل بالسوارحة وسط قطاع غزة    آمال ماهر ووليد توفيق يشعلان الليلة الثانية من مهرجان مراسي (صور)    أفضل أدعية الفجر.. 10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال    انفوجراف.. الحصاد الأسبوعي لأنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي    اللقب الثالث تواليا يضيع.. الشرطة بقيادة مؤمن سليمان يودع كأس العراق بركلات الترجيح    الجيزة: إدراج شوارع حيوية بالطالبية ضمن خطة الرصف والتطوير    نرمين الفقي وسط البحر وابنة عمرو دياب جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    نشرة التوك شو| مصر تقود جهود إقليمية لوقف إطلاق النار بغزة وارتفاع درجات الحرارة يُفاقم الحرائق    23 متهمًا للمحاكمة في خلية اللجان النوعية| اليوم    خاص| الدبيكي: تمثيل العمال في «الشيوخ» ضرورة وطنية لتحقيق التوازن التشريعي    القضاء الإداري يتلقى طعنا لاستبعاد مرشحين من انتخابات مجلس الشيوخ بالقليوبية    انتخابات الشيوخ بأسيوط.. القائمة محسومة وصفيح ساخن على الفردي    تسجل 43 درجة.. بيان مهم يكشف طقس الساعات المقبلة وموعد عودة الأمطار الرعدية    «عجائب قريتي».. رواية جديدة لماهر مهران    للمرة الثانية.. سيدة تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بقنا    نجاح فريق الجراحة بمستشفى الفيوم العام في إنقاذ طفل بعد انفجار بالأمعاء الدقيقة    فلسطين.. إصابتان باعتداء قوات الاحتلال في رامين ومخيم طولكرم    مصرع شخص تحت عجلات القطار بمركز المراغة بسوهاج    من أرض الواقع.. «ستوديو إكسترا» يرصد آليات إصلاح وترميم سنترال رمسيس    مغلق من 13 عامًا.. عمرو سمير عاطف: غياب قصر الثقافة حرم أجيالًا من الفن والمسرح    بعد أزمة الإنترنت.. WE تكشف آلية تعويض المستخدمين    رئيس وزراء العراق: اتفاق تركيا والعمال الكردستاني مفيد للمنطقة    7 أسباب شائعة وغير متوقعة لرائحة التعرق الكريهة    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس عبر بوابة التعليم الفني (رابط)    رسالة جديدة من مودريتش بعد رحيله عن ريال مدريد    انفراجة حقيقية في الأوضاع المالية.. حظ برج الدلو اليوم 13 يوليو    «زي النهارده».. وفاة كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار 13 يوليو 1977    بين مكاسب إسرائيل والحسابات الخاطئة للعرب    أزمة الوفد وانتخابات الشيوخ    يمنع امتصاص الكالسيوم.. خبيرة تغذية تحذر من الشاي باللبن    ماء الكمون والليمون.. مشروبات فعالة في التخلص من الغازات والانتفاخ    «الصحة» تدعم مستشفى كفر الدوار العام بجهاز قسطرة قلبية ب 23 مليون جنيه    طاقم مصرى يصل الليل بالنهار.. ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف    الاتصالات: تفعيل خطط بديلة بعد حريق سنترال رمسيس لإعادة الخدمة تدريجيا    هل الوضوء داخل الحمام صحيح؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيس جامعة الأزهر: آية الدعاء في عرفة تقسم الناس إلى فريقين.. وأقوال المفسرين تكشف دقة التوجيه القرآني    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بلا ضبخان
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 03 - 2009

فى فرانكفورت عام 1999 علمت أن الألمان يقرأون كتبا بأربعة عشر مليون مارك سنويا. بدا ذلك رقما غير قابل للتصديق، لكننى بعد زيارة بضع مكتبات فى المدينة، رجحت أن الرقم صحيح، فالمكتبات التى زرتها كل منها بحجم «مول» عملاق للكتب، مساحات شاسعة، وطوابق عدة، أماكن للمشروبات والأطعمة الخفيفة، وأنتريهات مريحة فى كل الأركان، وكان أكثر ما شرح صدرى فى مدن الكتب العامرة تلك، أننى لم أجد هذا الشحط الذى يطب عليك وأنت تتصفح كتابا فى أماكن بيع الكتب فى مصر، ليجعر فى أذنك: «القراية ممنوعة يا أستاذ».
من هذه الزيارة لمكتبات ألمانيا، أدركت لماذا الصناعة الألمانية متقدمه وموثوقة، وانتبهت إلى أن ألمانيا ليست قلعة صناعية فقط، بل هى قلعة للإبداع الفنى والأدبى، وأفق مفتوح للغابات الكثيفة، ورائد فى الزراعة العضوية فى صناديق شبابيك البيوت. فهمت لماذا يتآخى فى ألمانيا الطب الحديث رفيع المستوى، مع طب الحضارات القديمة الذى تجدده المدرسة الألمانية. وفهمت كيف تتواجد العمارة الجيرمانية القديمة الرائعة ومعامل أدوية باير ومصانع مرسيدس فى مدينة واحدة. فهمت هذا المزيج الرائع من خصوبة الخيال الأدبى ومعجزات الروح فى كتابات هيرمان هسه، والاحترام العميق لتراث الشرق عند عبقرى الغرب جوته.
فى هذه الأثناء التقيت بالمهندس ابراهيم المعلم صدفة داخل معرض فرانكفورت للكتاب ولم يكن يعلم بوجودى، قال لى كلمته الضاحكة الأثيرة التى كان يبادرنى بها كلما رآنى بعد غيبة: الله، انت بتكبر واللا بتصغر»، وهو لم يعد يقول لى هذه الكلمة، لأننى فى السنوات الأخيرة فى مصر، استعدت كل السنوات التى كانت مخصومة دائما من حساب سنينى، غزا الشيب رأسى، وعيناى مجهدتان من الحساسية الدائمة للضبخان، الضباب الدخانى «Smog» الذى يتجول دائما فى شوارع العاصمة وحول بيوتها، ويحلق عاليا فى مواسم الركود فيصير سحابة سوداء.
تذكرت ذلك كله وأنا أزور مبنى جريدة الشروق الجديد، مررت خطفا على أصدقائى فى الجريدة، فليس هناك ما يدعونى لإطالة البقاء، خاصة وأنا أشفق على زيارة الناس فى وقت عملهم، فى طاحونة جريدة يومية تطمح للفعالية والرقى. ثم إن البريد الالكترونى والانترنت المنزلى يتكفلان بإيصال مساهماتى فى الشروق، ويعفيانى من مشاوير شوارع القاهرة المرعبة.
لم يكن هذا المرور الخاطف على الجريدة للأسباب التى ذكرتها فقط، بل لأن مكانا استثنائيا جميلا كان ينتظرنى فى الطابق الأول من مبنى جريدة الشروق، مكان نقل قطعة جميلة من مكتبات فرانكفورت ووضعها فى شارع متفرع من شارع البطل أحمد عبدالعزيز، أحد أكثر شوارع الجيزة زحاما مروريا، وتشبعا بالضبخان.
فى المكان الاستثنائى الجميل، كانت الكتب البديعة من أربعة أرجاء الدنيا وكل العواصم العربية تملأ الأرفف بأناقة، واللوحات تغطى الجدران. أقف لأتصفح الكتب دون أن يطب على أى شحط زاعقا فى أذنى «القراية ممنوعة يا أستاذ»، ثم أجلس فى ركن داخلى بعيد لصق الواجهة الزجاجية الفسيحة وأطلب شايا، أطل على حركة الحياة فى الشارع أمامى بينما ضوء النهار الغامر يأتى عن يسارى، إضاءة ملائمة لكل من اعتادوا على الكتابة باليد اليمنى حتى لو كفوا عن الكتابة بالقلم. ومع الموسيقى الخافتة ودرجة الحرارة المناسبة وغياب الدخان، والضبخان، لأن التدخين فى المكان ممنوع، والتلوث تحجبه المكيفات ومنقيات الهواء، اشتهيت الكتابة...
فتحت اللاب توب الذى صار أقلامى وأوراقى ومكتبى ورفيقى الدائم، خاصة وأنا أكتب غالبا خارج البيت، وحيث تكون هناك إطلالة فسيحة أمامى، وهى خصلة ظلت معى من أيام مقهى «أندريا» وشرفته الشاسعة الأليفة على نيل المنصورة الجميل، الذى لم يكف عن الجريان فى روحى، برغم رؤيتى وإبحارى فى عشرات أنهار الدنيا العظيمة.
استرسلت مع لذاذة الشاى فى طقطقة قصة قطعت فيها شوطا لا بأس به، ولما دخلت فى منطقة انفتاح الحواس على الداخل لا الخارج، خايلنى طيف صبيتين جميلتين لم يكونا فى القصة التى أكتبها، وخرجت من القصة لأننى سمعت إحداهما تسألنى بخجل: مش حضرتك....
قلت نعم، وإذ بإحداهما، بالخجل الجميل ذاته، تقول: «يعنى احنا شبهنا على حضرتك بس خفنا نكون هانزعجك»، أبدا لم تكونا تزعجانى، بل بنضارتكما الصافية وثقافتكما المرهفة تبهجانى، استرسلتا تحدثانى، وكنت معهما، وبعيدا أيضا...
لم يكن إطراء الكاتب داخلىّ هو ألطف ما قطفته من ثمار عذوبة الصبيتين المشرقتين، لكن الألطف كان ذلك الخصم الجميل المفاجئ من حساب السنوات الكثار التى صرت أحملها، منحتانى بشفافية عمرهما الغض وتطلعات عقليهما الجميلين نقاء يزيل الكدر.
ودّعت الصبيتين بابتسامة حيرة وغبطة لأعود إلى ما كنت فيه، وفكرت فى أن ابتسامتى هذه، ربما كانت هى نفسها الابتسامة التى كانت تواتينى كلما غمرتنى بشاشة إبراهيم المعلم بالسؤال الأجمل لأى إنسان يغادر عمر الشباب «الله، انت بتكبر واللا بتصغر؟».
ثم كانت ابتسامتى تذوب وأنا أتأمل حركة الشارع خارج المكان الجميل عبر الزجاج، متى تصير شوارعنا أنظم وأجمل وأنظف؟ وهل هناك وسيلة أفضل غير المعرفة وحب الجمال، لرفض القبح، وإنقاذ مصر العظيمة مما هى فيه؟
وقررت أن أضيف المكان لقائمة الأماكن الجميلة القليلة فى القاهرة، التى أشرب الشاى فيها وأقرأ، وأكتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.