يوسف القعيد: التبسيط خدمة جليلة للكاتب تبسيط هذه الروايات تم فى مرحلة مبكرة جدا قبل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وكان الأستاذ محمد المعلم هو صاحب فكرة التيسير هذه، وأتصور انه كان فى ذهنه انجاز مشروع متكامل ولكن القدر لم يسعفه، ومن مشروعات المعلم أيضا أن يقوم بعمل الموسوعة العربية على غرار الموسوعات العالمية الأخرى. وقد خصص المهندس إبراهيم المعلم قاعة خاصة أسماها الموسوعة وقال: «محدش هيحط رجله فيها إلا لمشروع الموسوعة»، وبعدها رأى إبراهيم المعلم أن الموسوعات أصبح الإنترنت مكانها. أما محمد المعلم فكانت تسيطر عليه فكرة المعرفة والكتاب وكيف يمكن أن يستفيد بها أكبر عدد من البشر كبارا وصغارا. ولكن هل استاء نجيب محفوظ من تغيير عنوان روايته من عبث الأقدار إلى عجائب الأقدار؟ يرد القعيد: أكون كاذبا إذا قلت إنه اعترض على ذلك أو رضى به، ولكن ما أذكره جيدا أن استياء نجيب محفوظ واعتراضه جاء عندما أخذ التليفزيون المصرى روايته «عبث الأقدار» لتحويلها إلى مسلسل واعترضت بعض الدول العربية فحذفت كلمة الأقدار وسمى المسلسل عبث فقد، وقتها كان محفوظ غير مستريح لهذه الفكرة، وركن العمل بعدها لمدة طويلة لم يذاع. ويكمل القعيد أنه عاصر ليلى علوى عندما عرضت على محفوظ أن تقوم ببطولة «رادوبيس» بعد مسلسلها حديث الصباح والمساء «لم يكن متحمسا لخوفه من تكرار التجربة». أما محمد المعلم فيرى يوسف القعيد أنه قام بعملين أساسين وهما: أنه لم يتدخل أبدا فى الصياغة. ثانيا أنه حافظ على ما أراد نجيب أن يقوله بدقة شديدة، ولكنه قام بالتبسيط ليمر بها من الكبار إلى الصغار. فى حين أيضا أن هذا التبسيط جاء دون أن يغير جوهر ما كتبه نجيب محفوظ، وأذكر هنا تجربة الكاتب الفرنسى «أنطوان دى سانت أكزوبيرى»، فى روايته البديعة «الأمير الصغير» وعبقرية هذا العمل فى نصوصه التى يقرأها الكبار فيفرحون بها والصغار يسعدون بها، وهذا تحديدا ما يحرك الخيال والوجدان. وعن رأى القعيد فى أمكانية تبسيط أعماله قال إنه يرحب جدا بذلك بشرط واحد أن يبقى العمل على رسالته، لأننا مثلا لا نستطيع أن نعطى للشباب كتاب مثل الأغانى للأصفهانى دون محاوله تبسيطه. ويكمل القعيد أنه لابد أن تعمم تلك التجربة لتشملها الأيام لطه حسين وألف ليلة وليلة التى قدم بعض حكاياتها «كامل الكيلانى»، ولكن لم تشمل مشروعات متكاملة للأطفال لتسمح لهم بالعرف على التراث، وكذلك يرى القعيد أن تلك المحاولات للتبسيط تعد خدمة جليلة للكاتب لأنها تقدم رسالته للشباب. جمال الغيطانى: محفوظ كان سعيد جدا بتيسير أعماله نعم كنت والقعيد وسيطين بين محمد المعلم ونجيب محفوظ، وفكرة التبسيط كان المعلم هو صاحبها، وأذكر أننا كنا نتقابل فى مكتبة الشروق القديمة بشارع سليمان باشا وكان الأستاذ نجيب محفوظ متحمسا جدا لتبسيط هذه الأعمال لسن من 10 إلى 15 سنة، وهذا متعارف عليه عالميا وقام كثيرون بتبسيط أعمال الأدباء الكبار لمن هم فى سن المراهقة. ويؤكد الغيطانى أن المعلم ومحفوظ وهو قاموا بالاتفاق على عمل الثلاثية ليبدأ المعلم بكفاح طيبة، وكنت أنقل انطباعات محفوظ أولا بأول للمعلم، حيث كنا نتقابل كل أسبوع مرة واحدة لمدة أربع ساعات. وعندما ظهرت كفاح طيبة كان محفوظ فى غاية السعادة فكان سعيدا بشريحة جديدة من قراء صغار يطلعون عليها وينشدون الأصول ليقرأوها. ويؤكد الغيطانى أن انطلاق محمد المعلم كان سببه محبة هذه الأعمال ويتحدث عنها بحب جم وأيضا حبه لنجيب محفوظ كان كبيرا جدا، حيث إن محمد المعلم أيضا كان يبغى أن تكون تدرس هذه النصوص فى المدارس الإعدادية مبسطة وميسرة. ويضيف الغيطانى: كنت أتمنى أن يمتد الأجل بمحمد المعلم ليكمل هذا المشروع وباقى الأعمال، لأن معظم الروايات الغربية الكبرى قرأتها بهذا الشكل، وأذكر هنا تجربة عمر عبدالعزيز أمين الذى قدم تبسيطا لروايات عالمية بطريقة جيدة جدا . عن موافقة الغيطانى لعلى تيسير أعماله الأدبية يقول: أوفق ولكن من يقوم بذلك فمحمد المعلم كان مفتونا بمحفوظ وكتابته ولم تكن المسألة تجاريه أو ابتغاء مكسب مادى فحركته محبته، ويكمل الغيطانى من يقوم بتبسيط عمل مثل «الزينى بركات»؟ إذا لم يكن يحب العمل ويتقن عملية التبسيط والحفاظ عليه، وإلا ستكون تجربة فاشلة جدا. د. على مدكور: تجربة المعلم هى الأنضج لأنه احتفظ بالروح الإبداعية للنصوص من جهته وصف الخبير التربوى الدكتور على مدكور تجربة تيسير الأعمال التراثية بشكل عام بأنها تجربة مفيدة إلى أبعد الحدود، تسهم فى ربط الشباب بتراثهم، وتسهل عليهم التواصل مع الأعمال القيمة التى عادة ما ينصرفون عنها لطابعها الفلسفى الجاد واختلاف لغتها وأسلوبها عن الكتابات الحديثة، مما يقلل الفجوة بين الأجيال. وقال مدكور إن تجربة الراحل محمد المعلم فى تيسير مجموعة من أعمال الراحل الكبير نجيب محفوظ تعد الأنضج من بين مجمل المحاولات التيسيرية التى قام بها عدد من الكتاب الآخرين، مشيرا إلى احتفاظ المعلم بالروح الإبداعية للنصوص التى قام بتيسيرها. وأوضح أن هناك عددا من العناصر التى تقوم عليها أى تجربة أدبية أولها التجربة الشعورية للمبدع صاحب العمل بما فيها من مشاعر واتجاهات، بالإضافة إلى التجربة الفكرية التى ينبنى عليها موضوع عمله الأدبى، وأخيرا التجربة اللفظية التى تتضمن اللغة والأسلوب والبناء الفنى. وبتطبيق الناقد لهذه المعايير الثلاثة على الأعمال التى يسرها المعلم وجدها الأكثر إخلاصا وفنية للأعمال التى اشتغل عليها، حيث التزم الرجل بالحفاظ على التجربتين الشعورية والفكرية بينما قام بتبسيط التجربة اللفظية لتناسب المراحل العمرية التى استهدفها مع الاحتفاظ بالمعايير الجمالية للتجارب الفنية التى قام بتيسيرها. وأشار مدكور إلى زخم التراث الأدبى العربى بالتجارب الإبداعية الجادة التى تستحق وتصلح للتيسير لتكون بين يدى الشباب العربى كالأعمال الأدبية والفكرية لكل من طه حسين والعقاد، بالإضافة إلى القصص القصيرة ليوسف إدريس التى يناسب صغر حجمها وانطلاق موضوعاتها شباب القراء الحاليين الذين تربوا على سرعة الإيقاع وثقافة «التيك آواى» أو «الساندويتش»، ولكن مع التزام المعايير الفنية المشروطة التى تحتفظ للعمل الأصلى بقيمته وملامحه.