رغم قتامة الصورة هناك أشياء فى مصر لا تزال تبشر بالأمل وتدعو إلى البهجة وتنقل التغيير من منطقة الحلم المستحيل إلى حقيقة يمكن صناعتها والوصول إليها إذا أردنا فعلا. وفى أسبوع واحد فقط تجمعت سحب البهجة فى سماء مصر عبر ثلاثة أسباب، قد يبدو أن لا رابط بينها، إلا أنها فى النهاية تصنع مشهدا رائعا لما يمكن أن تكون عليه مصر. فأن يذهب أكثر من 700 مواطن مصرى إلى حفل موسيقى للفنان الرائع يحيى خليل ويتفاعلون معه لمدة ساعتين فى ساقية الصاوى، فهذا مؤشر حقيقى على أن الانحياز للقبح ليس قدرا ولا عقيدة مصرية، وأن فساد الذوق العام لم يصل إلى النخاع بعد، بدليل أن شبابا مصريا اختار أن يذهب بقدميه إلى حفل يقدم مقطوعات موسيقية راقية وخالية من كوليسترول الإسفاف اللفظى واللحنى لمدة ساعتين، بل وطلب المزيد. وأن يحقق ضياء رشوان ما يقترب من المعجزة فى أول تجربة انتخابية له على مقعد نقيب الصحفيين وأمام مرشح قوى بقيمة وحجم الأستاذ مكرم محمد أحمد، ويفرض عليه جولة إعادة، فهذا سبب آخر للبهجة وتأكيد على أن التغيير ممكن، بل وحتمى ولازم، ولن يقف فى طريقه أحد، ودليل على أن عروق مصر لا تزال تنبض، رغم تصلب الشرايين وتيبس المفاصل والفقدان الجزئى للذاكرة التاريخية والجغرافية، على نحو جعلها تسلك ضد شخصيتها الحقيقية. وأن يحدث ذلك الحجر الصغير الذى ألقاه الدكتور محمد البرادعى فى «بركة» السياسة المصرية كل هذه الدوامات والدوائر من الجدل والتفاعل على المستوى الشعبى، وينتج هذه الحالة من التشنج والعصبية المفرطة لدى دوائر السلطة والعاملين فى حظائرها.. فهذا سبب ثالث يدعو للتفاؤل بأن هذا البلد قادر على الالتحاق بقيم العصر التى يعيش عليها العالم المتقدم، وأثمرت حياة سياسية محترمة فى كل الدول التى وصلت إليها. غير أن كل ما نرجوه من الدكتور البرادعى، وهو قامة و قيمة مصرية محترمة، أن يحسم موقفه ويعلنه بكل وضوح، والأهم من كل ذلك أن يكون مستعدا لسداد ثمن إقدامه على الترشح لانتخابات الرئاسة، وهو ثمن باهظ يتطلب كثيرا من الروح القتالية والقدرة على الصمود أمام القصف العنيف بكل الأسلحة، المشروع منها والمحرم دوليا، من قوات الصاعقة فى وسائل الإعلام الحكومية.. فهل يفعلها البرادعى ويخوض المعركة؟ [email protected]