ارتفاع أسعار الذهب في بداية التعاملات بالبورصة.. الأربعاء 31 ديسمبر    أحصائيات أحمد عبد الرؤوف مع الزمالك بعد إعلان رحيله رسميا عن الفريق    نتنياهو: لدى حماس 20 ألف مسلح ويجب أن تسيطر إسرائيل عسكريا على الضفة الغربية    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    حملة مكبرة لإزالة مخازن فرز القمامة المخالفة بحرم الطريق الدائري بحي الهرم    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والصغرى بالقاهرة 13    انفصال ميل جيبسون وروزاليند روس بعد 9 سنوات من ارتباطهما    موسكو: الاتحاد الأوروبي سيضطر لمراجعة نهجه في العقوبات ضد روسيا    وزارة الشباب والرياضة تحقق أهداف رؤية مصر 2030 بالقوافل التعليمية المجانية    نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    وخلق الله بريجيت باردو    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    حمادة المصري: الأهلي مطالب بالموافقة على رحيل حمزة عبدالكريم إلى برشلونة    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان في أول حديث لصحيفة عربية : لو انتهكت إسرائيل أجواء تركيا ستتلقى ردا مزلزلا
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 12 - 2009

عشية سفره إلى واشنطن قال رجب طيب أردوغان إن الوضع فى غزة ضمن جدول أعمال زيارته. مشيرا إلى أن الوضع فى القطاع لا ينبغى السكوت عليه. كما أعرب عن أمله فى أن تكون الزيارة التى سيقوم بها الرئيس حسنى مبارك إلى أنقرة يوم 15 من الشهر الحالى بمثابة نقطة تحول فى علاقات تركيا ومصر. وتمنى فى حديث مطول تطرق فيه إلى أمور عدة أن ينتهى الانقسام العربى حتى تتمكن الأمة العربية من الاحتشاد لمواجهة التحديات الكبيرة التى تواجهها.
1
كان ذلك هو لقائى الثانى مع الرجل. إذ التقيته فى المرة الأولى عام 1994 حين انتخب رئيسا لبلدية استانبول ممثلا عن حزب الرفاه. وجرى الحوار آنذاك حول مشكلات المدينة ومحنتها، بعد أن شاع الفساد فى إدارتها وتدهورت مرافقها. لم يكن يتحدث كعمدة منتخب فحسب، وإنما كعاشق للمدينة وحافظ لشوارعها، التى اضطرته ظروفه العائلية فى سنه المبكرة لأن يتجول فيها بائعا للبطيخ والسميط والمياه الغازية لكى يوفر مصروفات تعليمه. التى عجز أبوه عن احتمالها. إذ كان الأب الذى ينحدر من أصول جورجية يعمل جنديا بسيطا فى خفر السواحل. وهى المهنة الوحيدة التى أجادها منذ نزحت أسرته من شواطئ البحر الأسود لكى تستقر فى استانبول بعدما قتل الجد فى سنة 1916 أثناء صد الحملة الروسية والأرمنية التى استهدفت أراضى الدولة العثمانية فى سنوات أفولها. ولا أعرف إن كان لقب الأسرة له علاقة بهذه الخلفية أم لا، ولكن صاحبنا «الطيب» ظل يعرف طوال الوقت باسم «أردوغان» الذى يعنى فى اللغة التركية «الفتى الشجاع» («أر» تعنى القوى أو الشجاع و«دوغان» هو الطفل).
استطاع الطيب أن يكمل تعليمه حتى التحق بإحدى مدارس «إمام وخطيب»، شأنه فى ذلك شأن غيره من أبناء الأسر المتدينة. لكنه تخصص فى الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتخرج من المعهد العالى الذى صار الآن جامعة مرمرة، ثم ألقى بنفسه فى خضم العمل السياسى، تاركا ملاعب كرة القدم التى لمع نجمه فيها، وتحول إلى عنصر ناشط فى حزب الرفاه الإسلامى الذى أسسه أستاذه نجم الدين أربكان، الأمر الذى أوصله إلى منصب عمدة استانبول، وقاده بعد ذلك إلى السجن فى سنة 1998، حيث أمضى فيه ستة أشهر بعد اتهامه بالإساءة إلى العلمانية.
خمسة عشر عاما مضت بين اللقاءين الأول والثانى، تحول فيها من عضو ناشط فى حزب الرفاه وعمدة استانبول إلى زعيم لحزب آخر باسم العدالة والتنمية وعمدة لتركيا كلها وأول «باشبكان» للجمهورية التركية الثانية(«باش» تعنى الرأس و«بكان» هو الوزير، وباشبكان هو رئيس الوزراء».
ذكرته بلقائنا الأول فابتسم ابتسامة خفيفة تليق بمقام باشبكان بلغ من العمر 55 عاما، ورد بالعربية قائلا «أهلا وسهلا». وكأنه بذلك دعانى إلى الدخول فى الموضوع.
2
كنت أعلم أن مستشاريه وأجهزة وزارة الخارجية منهمكون منذ أيام فى التحضير لزيارته إلى واشنطن، فسألته عن الهدف منها. وعما إذا كانت زيارته قبل أسابيع معدودة لكل من إيران وباكستان لها علاقة بهذه الرحلة. فقال إن تركيا الحالية ليست مشغولة بشئونها الداخلية وعلاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة فحسب، ولكنها أيضا مشغوله بمحيطها وثيق الصلة بانتمائها وعمقها الإستراتيجى. وهذا الانشغال جعلها حاضرة فى العديد من الملفات الإقليمية والدولية. فهى حاضرة فى ملفات الشرق الأوسط. وهى موجودة فى أفغانستان وترأس القوات الدولية هناك، ثم إنها معنية بالموضوع الإيرانى وتداعيات البرنامج النووى الذى يثار حوله لغط شديد فى الساحة الدولية. وعلاقاتها مع أرمينيا لكى تنجح أصبحت وثيقة الصلة بحل المشكلة القائمة بينها وبين أذربيجان بخصوص النزاع حول مقاطعة «ناجورنو كارباخ» التى اجتاحتها القوات الأرمنية قبل سنوات قليلة، كما أن الوضع فى قبرص يدخل فى صميم اهتمامنا ليس فقط بسبب قبرص التركية. ولكن أيضا لأنه مطروح فى سياق علاقتنا باليونان. وإضافة إلى كل ذلك فموضوع علاقتنا مع الاتحاد الأوروبى له مكانه فى جدول الأعمال.
قلت له إن من بين تلك العناوين المهمة، تحتاج ملفات الشرق الأوسط إلى بعض التفصيل، خصوصا ما تعلق منها بفلسطين وإسرائيل وإيران. هز رأسه موافقا وقال إن أكثر ما يقلقه فى الشأن الفلسطينى حاليا هو وضع قطاع غزة، الذى تحول إلى سجن كبير مفتوح، يقف الجميع متفرجين عليه وغير مكترثين به. وهو أمر لا ينبغى السكوت عليه ليس فقط من جانب دول المنطقة، بل أيضا من جانب العالم المتحضر الذى يحترم حقوق الإنسان. فقد كان العدوان على غزة جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الفوسفور الأبيض ضد المدنيين العزل.
وبعد العدوان الذى أدى إلى تدمير القطاع وقتل 1500 من سكانه وإصابة خمسة آلاف بجراح، عقد اجتماع شرم الشيخ الذى اتفق فيه على إعمار ما تم تدميره، وخصصت لذلك ملايين الدولارات، إلا أن القرار لم ينفذ. وبقيت خرائب غزة كما هى. والأدهى من ذلك أن الحصار استمر بحيث قطعت عن القطاع الحاجات الأساسية للناس. وقد سمعت أنهم اضطروا لاستخدام الأنفاق لتهريب الأغنام فى الاحتفال بعيد الأضحى. وهذا الوضع البائس وغير الإنسانى يتطلب بذل جهد خاص لعلاجه، ولذلك كان من الطبيعى أن يدرج على قائمة جدول أعمال الزيارة.
أضاف السيد أردوغان قائلا: هناك أمران آخران يشغلاننا فى هذا السياق، الأول هو أن وقف الاستيطان من جانب إسرائيل الذى يعد شرطا ضروريا للعودة إلى مفاوضات السلام. والثانى هو أننا نقوم بدورنا فى التوسط بين إسرائيل وسوريا. وقد عقدت من الآن خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين، وحين قلت له إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قال إنه لم يعد مطمئنا إلى وساطة تركيا فى هذا الصدد، ويفضل وساطة فرنسا، علق قائلا: إننا توسطنا بناء على رغبة الطرفين، وإذا تلقينا هذه الرغبة مجددا فسوف نستجيب لها. وإذا لم نتلقها فلن نقوم بأى مبادرة من جانبنا.
(3)
الحديث جرنا إلى الوضع الراهن للعلاقات التركية الإسرائيلية، وقرار أنقرة منع إسرائيل من المشاركة فى مناورات «نسر الأناضول» السنوية مع الجيش التركى. فقال إنه لم يكن معقولا أن تجتاح إسرائيل غزة وتفتك بشعبها ثم نقول لجيشها تعال تدرب عندنا. ذلك أننا حكومة منتخبة جئنا بإرادة شعبنا، ولا نستطيع أن نتحدى مشاعر الشعب التركى الذى صدمه ما جرى أثناء العدوان على غزة. وكان احترام هذه المشاعر له دوره الحاسم فى خلفية قرارنا. فى ذات الوقت فإننا أردنا به أن نبلغ الإسرائيليين أيضا بأنهم لا يستطيعون تحت أى ظرف أن يستخدموا علاقتنا بهم ورقة فى عدوانهم على أى طرف ثالث. ذلك أننا فى هذه الحالة لن نقف محايدين أو مكتوفى الأيدى.
قلت إن لدى معلومات تشير إلى أن إسرائيل كانت قد قامت باختراق الأجواء التركية لكى تقوم بعملية تجسس ضد إيران، وأن هذه الخطوة استفزت القيادة التركية، وكان لهذا الغضب دوره فى قرار إلغاء اشتراكها فى المناورات. وقد علق على هذه الملاحظة قائلا: إن المعلومة غير صحيحة. وبصوت حاسم أضاف: لو أن إسرائيل فعلت ذلك فإنها ستتلقى منا ردا مزلزلا.
سألته عن نتائج زيارة بنيامين بن اليعازر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلى الذى اصطحب معه 20 من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وذكرت له أن بن اليعازر حين كان قائدا لإحدى وحدات الجيش فى حرب عام 67 أمر بقتل 70 من الأسرى المصريين بعد اعتقالهم، وكانوا خليطا من الضباط والجنود.
رد الباشبكان قائلا: إن الرجل زارنا باعتباره وزيرا، وما فعله أثناء حرب 1967 أمر يخص الحكومة المصرية، وقد تمت الزيارة فى إطار الاتفاقات المعقودة بين البلدين، وبعض هذه الاتفاقات لم تنفذها إسرائيل. سألته عما إذا كانت هذه الاتفاقات قد تمت فى عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، فقال إن حكومته عقدت اتفاقا واحدا مع إسرائيل خلال السنوات السبع الأخيرة، وهى خاصة بشراء طائرات بغير طيار، وهذه لم تف بها حكومة تل أبيب وقد اضطررنا إلى استئجار تلك الطائرات لحاجتنا إليها، وأمام إسرائىل، مهلة بقى منها 40 يوما (ابتداء من الخميس 3/12)، إذا لم ينفذ فإنه سيفسخ، أما الاتفاقات الأخرى فكلها عقدت قبل عام 2002.
كنت قد علمت أن مستشار الأمن القومى الإيرانى ورئيس وفدها لمباحثات البرنامج النووى سعيد جليلى قد وصل إلى أنقرة حاملا رسالة إليه، ولأن وزير الخارجية الدكتور أحمد داود أوغلو كان فى طهران قبل أيام معدودة فقد استنتجت أن الأمر له علاقة برحلته إلى واشنطن، وحين سألته فى هذه النقطة قال إن العلاقات الوثيقة بين تركيا وإيران ليست جديدة وقد وثقتها اتفاقية «شيرين» التى عقدت بين البلدين فى عام 1939، إذ بيننا تاريخ مشترك فى الثقافة والفنون إضافة إلى علاقاتنا الإيمانية.
(لاحظ إنه لم يذكر الإسلامية ربما تحسبا للمحاذير القانونية التى يستخدمها غلاة العلمانيين ضده)، وأضاف أنه فضلا عن ذلك فالشأن الإيرانى أصبح من صميم عناصر الأمن القومى التركى، وإضافة إلى مشروعها النووى الذى نؤيده فى استخداماته السلمية، فهى موجودة فى العراق وأفغانستان ومطلة على باكستان ودول آسيا الوسطى (التى تصنف سياسيا ضمن العالم التركى) فى الوقت ذاته فإيران هى المصدر الثانى الذى نعتمد عليه فى الغاز بعد روسيا، لذلك فإن استقرار إيران أمر يهمنا للغاية وتوتر علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب لابد أن يقلقنا. ولذلك فمن الطبيعى أن يستمر التشاور والتفاهم بيننا ولا غرابة فى أن يكون الملف الإيرانى مدرجا ضمن جدول أعمال زيارة واشنطن.
4
كان السيد أردوغان قد صرح فى مؤتمر صحفى عقب زيارته لإيران بأن تعاون البلدين قادر على أن يملأ الفراغ فى المنطقة، وحين طلبت منه إيضاحا لذلك قلت إن هذا الجهد يظل غير كاف ما لم تنضم إليه مصر، لتصبح الضلع الثالث فى مثلث القوة فى الشرق الأوسط.
وهو يعقب على كلامى قال إن التفاهم بين تركيا وإيران قطع شوطا بعيدا فى احتواء أمور كثيرة محيطة بالبلدين علما بأنهما أصبحا هما الأكثر تأثيرا فى المنطقة، وحجم التبادل التجارى بيننا 10 مليارات دولار الآن، نأمل فى أن يصل إلى 30 مليارا خلال فترة وجيزة، وما أقصده أن البلدين فى وضع يسمح لهما بالقيام بدور كبير فى الشرق الأوسط، دون أن يتدخل أى منهما فى الشئون الداخلية لأية دولة أخرى.
أما مصر أضاف فهى الدولة العربية الكبرى التى لا غنى عن دورها وثمة تفاهم طيب بيننا كان له إسهامه فى وقف العدوان على غزة، ولدينا تعاون اقتصادى جيد معها، لكننا نتطلع إلى زيارة الرئيس مبارك فى الخامس عشر من شهر ديسمبر الحالى، وأملنا كبير فى أن تحقق تلك الزيارة طفرة نوعية تنقلنا إلى عهد جديد فى مسيرة التعاون التركى العربى.
عند هذه النقطة قطع أردوغان كلامه وقال إنه بعد زيارته الأخيرة إلى ليبيا أدرك أن الخلافات العربية استفحلت لدرجة أصبحت معها بحاجة سريعة إلى الاحتواء وأن الأمل معقود على الدول العربية الكبيرة أن تلعب دورا فى هذا الصدد.
عندئذ قلت: بعد إلغاء تأشيرات الدخول مع سوريا أولا ثم الأردن وبعد ليبيا وألبانيا، ما هى خطوتكم التالية فى هذا الاتجاه؟
فى رده قال إن تركيا أمضت عقودا وهى غير قادرة على مخاطبة جيرانها، وقد اختلف الأمر تماما بما يعادل 180 درجة حيث مدت جسورها وأياديها إلى الجميع وحلت كل مشاكلها المعلقة مع الجيران ونحن نتطلع إلى يوم نتفق فيه على تأشيرة واحدة إلى كل الدول العربية، كما حدث مع أوروبا التى تسمح تأشيرة «شنجن» لزائرها بأن يتجول فى كل بلدان القارة باستثناء إنجلترا.
قلت: هل هذا التوجه من إفرازات سياسة «العثمانية الجديدة»؟
قال: هذا المصطلح مغلوط ولا أحبذ استخدامه، فضلا عن أنه تعبير خاطئ يبتسر الماضى وينتقص من قدره. كما أنه يستدعى إلى الذاكرة مرحلة اندثرت ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز لنا أن نتعلم دروسها ونستفيد منها. ونحن لا نسعى إلى إقامة مستقبل رومانسى يدغدغ مشاعر الناس لكننا نسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الاقتصادى والتجارى المشترك لأن تبادل المصالح على نحو متكافئ يفتح الباب لاستقرار التعايش والسلام بين الشعوب، وهذه السياسة هى التى مكنت تركيا من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، لأنها لم تكن تعتمد على جهة واحدة فى تعاملاتها وإنما وزعت أنشطتها على دائرة واسعة فى الدول فتنوعت أسواقها ومن ثم تنوعت مواردها الاقتصادية.
5
كنت قد بعثت مسبقا إلى مكتبه بالمحاور التي وددت أن يدور حولها الحديث وأوردت محورا يتعلق بعلاقة حكومته بالجيش الذى ظل يعد القوة الحقيقية صاحبة القرار فى تركيا منذ وصول الكماليين للسلطة وإلغاء الخلافة الإسلامية فى عشرينيات القرن الماضى، وهى العلاقة التى أصبحت محل لغط فى العام الأخير بعد اكتشاف ضلوع بعض قياداته فى منظمة أرجنكون السرية، وهى التى كانت وراء الكثير من الاغتيالات وأعمال الفوضى فى البلاد، خصوصا أن وثيقة عثر عليها مؤخرا تحدثت عن الإعداد لحملة اغتيالات ومظاهرات استهدفت إسقاط حكومة حزب العدالة.
كذلك كنت أعلم أن السيد أردوغان بصدد عقد اجتماع مع قيادات الجيش لمناقشة تطورات الموضوع بعد استدعاء بعض قادة أسلحته السابقين للشهادة أمام محكمة مدنية لأول مرة فى التاريخ التركى المعاصر، لكن كبير مستشاريه قال لى إنه يخشى أن يساء فهم الكلام فى هذا الموضوع الحساس، وقد يظن البعض أن السؤال موحى به من قبل فريق أرودغان للتأثير على مسار الأحداث وقد قدرت حساباتهم الدقيقة وسألت رئىس الوزراء عن ملف منظمة أرجنكون فرد بإجابة مقتضبة قال فيها إن الأمر كله أمام القضاء ولا يجوز له قانونا أن يعلق على قضية معروضة على القضاء قبل أن يفصل فيها.
حاولت أن ألتف حول الموضوع فسألته عن عدد مرات محاولات الاغتيال التى تعرض لها (معلوماتى أن إحداها كشفت فى الشهر الماضى) فقال إن الذى لا يعرفه من تلك المحاولات أكثر من الذى يعرفه، وإن الذى يعرفه لا يذكر عدد المرات فيه.
غيرت الموضوع فى النهاية وسألته عما إذا كان متفائلا بالانضمام إلى الاتحاد الاوروبى رغم أن القوى المعارضة لذلك تتزايد فى أوروبا، فقال إن حكومته سمعت الكثير من الملاحظات خلال السنوات السبع الماضية لكن ذلك لم يثنها عن المضى فى الإصلاحات السياسية ومن ثم فغاية ما يمكن أن يقوله إنه متفائل بحذر.
كنت قد تجاوزت التسعين دقيقة التى خصصت لى ونبهت إلى أن معاونى الباشبكان ينتظرونه فى حجرة مجاورة لإتمام مناقشة ملفات الرحلة إلى واشنطن، ولاحظت أنه بدأ ينظر إلى ساعته، فطويت أوراقى وانصرفت مؤجلا بقية أسئلتي إلى لقاء ثالث أرجو يتأخرعن عام 2012، حين يرشح أردوغان نفسه رئيسا للجمهورية التركية. وهى المعلومة التى أصبحت أكبر سر معلن فى أنقرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.