«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان في أول حديث لصحيفة عربية : لو انتهكت إسرائيل أجواء تركيا ستتلقى ردا مزلزلا
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 12 - 2009

عشية سفره إلى واشنطن قال رجب طيب أردوغان إن الوضع فى غزة ضمن جدول أعمال زيارته. مشيرا إلى أن الوضع فى القطاع لا ينبغى السكوت عليه. كما أعرب عن أمله فى أن تكون الزيارة التى سيقوم بها الرئيس حسنى مبارك إلى أنقرة يوم 15 من الشهر الحالى بمثابة نقطة تحول فى علاقات تركيا ومصر. وتمنى فى حديث مطول تطرق فيه إلى أمور عدة أن ينتهى الانقسام العربى حتى تتمكن الأمة العربية من الاحتشاد لمواجهة التحديات الكبيرة التى تواجهها.
1
كان ذلك هو لقائى الثانى مع الرجل. إذ التقيته فى المرة الأولى عام 1994 حين انتخب رئيسا لبلدية استانبول ممثلا عن حزب الرفاه. وجرى الحوار آنذاك حول مشكلات المدينة ومحنتها، بعد أن شاع الفساد فى إدارتها وتدهورت مرافقها. لم يكن يتحدث كعمدة منتخب فحسب، وإنما كعاشق للمدينة وحافظ لشوارعها، التى اضطرته ظروفه العائلية فى سنه المبكرة لأن يتجول فيها بائعا للبطيخ والسميط والمياه الغازية لكى يوفر مصروفات تعليمه. التى عجز أبوه عن احتمالها. إذ كان الأب الذى ينحدر من أصول جورجية يعمل جنديا بسيطا فى خفر السواحل. وهى المهنة الوحيدة التى أجادها منذ نزحت أسرته من شواطئ البحر الأسود لكى تستقر فى استانبول بعدما قتل الجد فى سنة 1916 أثناء صد الحملة الروسية والأرمنية التى استهدفت أراضى الدولة العثمانية فى سنوات أفولها. ولا أعرف إن كان لقب الأسرة له علاقة بهذه الخلفية أم لا، ولكن صاحبنا «الطيب» ظل يعرف طوال الوقت باسم «أردوغان» الذى يعنى فى اللغة التركية «الفتى الشجاع» («أر» تعنى القوى أو الشجاع و«دوغان» هو الطفل).
استطاع الطيب أن يكمل تعليمه حتى التحق بإحدى مدارس «إمام وخطيب»، شأنه فى ذلك شأن غيره من أبناء الأسر المتدينة. لكنه تخصص فى الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتخرج من المعهد العالى الذى صار الآن جامعة مرمرة، ثم ألقى بنفسه فى خضم العمل السياسى، تاركا ملاعب كرة القدم التى لمع نجمه فيها، وتحول إلى عنصر ناشط فى حزب الرفاه الإسلامى الذى أسسه أستاذه نجم الدين أربكان، الأمر الذى أوصله إلى منصب عمدة استانبول، وقاده بعد ذلك إلى السجن فى سنة 1998، حيث أمضى فيه ستة أشهر بعد اتهامه بالإساءة إلى العلمانية.
خمسة عشر عاما مضت بين اللقاءين الأول والثانى، تحول فيها من عضو ناشط فى حزب الرفاه وعمدة استانبول إلى زعيم لحزب آخر باسم العدالة والتنمية وعمدة لتركيا كلها وأول «باشبكان» للجمهورية التركية الثانية(«باش» تعنى الرأس و«بكان» هو الوزير، وباشبكان هو رئيس الوزراء».
ذكرته بلقائنا الأول فابتسم ابتسامة خفيفة تليق بمقام باشبكان بلغ من العمر 55 عاما، ورد بالعربية قائلا «أهلا وسهلا». وكأنه بذلك دعانى إلى الدخول فى الموضوع.
2
كنت أعلم أن مستشاريه وأجهزة وزارة الخارجية منهمكون منذ أيام فى التحضير لزيارته إلى واشنطن، فسألته عن الهدف منها. وعما إذا كانت زيارته قبل أسابيع معدودة لكل من إيران وباكستان لها علاقة بهذه الرحلة. فقال إن تركيا الحالية ليست مشغولة بشئونها الداخلية وعلاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة فحسب، ولكنها أيضا مشغوله بمحيطها وثيق الصلة بانتمائها وعمقها الإستراتيجى. وهذا الانشغال جعلها حاضرة فى العديد من الملفات الإقليمية والدولية. فهى حاضرة فى ملفات الشرق الأوسط. وهى موجودة فى أفغانستان وترأس القوات الدولية هناك، ثم إنها معنية بالموضوع الإيرانى وتداعيات البرنامج النووى الذى يثار حوله لغط شديد فى الساحة الدولية. وعلاقاتها مع أرمينيا لكى تنجح أصبحت وثيقة الصلة بحل المشكلة القائمة بينها وبين أذربيجان بخصوص النزاع حول مقاطعة «ناجورنو كارباخ» التى اجتاحتها القوات الأرمنية قبل سنوات قليلة، كما أن الوضع فى قبرص يدخل فى صميم اهتمامنا ليس فقط بسبب قبرص التركية. ولكن أيضا لأنه مطروح فى سياق علاقتنا باليونان. وإضافة إلى كل ذلك فموضوع علاقتنا مع الاتحاد الأوروبى له مكانه فى جدول الأعمال.
قلت له إن من بين تلك العناوين المهمة، تحتاج ملفات الشرق الأوسط إلى بعض التفصيل، خصوصا ما تعلق منها بفلسطين وإسرائيل وإيران. هز رأسه موافقا وقال إن أكثر ما يقلقه فى الشأن الفلسطينى حاليا هو وضع قطاع غزة، الذى تحول إلى سجن كبير مفتوح، يقف الجميع متفرجين عليه وغير مكترثين به. وهو أمر لا ينبغى السكوت عليه ليس فقط من جانب دول المنطقة، بل أيضا من جانب العالم المتحضر الذى يحترم حقوق الإنسان. فقد كان العدوان على غزة جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الفوسفور الأبيض ضد المدنيين العزل.
وبعد العدوان الذى أدى إلى تدمير القطاع وقتل 1500 من سكانه وإصابة خمسة آلاف بجراح، عقد اجتماع شرم الشيخ الذى اتفق فيه على إعمار ما تم تدميره، وخصصت لذلك ملايين الدولارات، إلا أن القرار لم ينفذ. وبقيت خرائب غزة كما هى. والأدهى من ذلك أن الحصار استمر بحيث قطعت عن القطاع الحاجات الأساسية للناس. وقد سمعت أنهم اضطروا لاستخدام الأنفاق لتهريب الأغنام فى الاحتفال بعيد الأضحى. وهذا الوضع البائس وغير الإنسانى يتطلب بذل جهد خاص لعلاجه، ولذلك كان من الطبيعى أن يدرج على قائمة جدول أعمال الزيارة.
أضاف السيد أردوغان قائلا: هناك أمران آخران يشغلاننا فى هذا السياق، الأول هو أن وقف الاستيطان من جانب إسرائيل الذى يعد شرطا ضروريا للعودة إلى مفاوضات السلام. والثانى هو أننا نقوم بدورنا فى التوسط بين إسرائيل وسوريا. وقد عقدت من الآن خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين، وحين قلت له إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قال إنه لم يعد مطمئنا إلى وساطة تركيا فى هذا الصدد، ويفضل وساطة فرنسا، علق قائلا: إننا توسطنا بناء على رغبة الطرفين، وإذا تلقينا هذه الرغبة مجددا فسوف نستجيب لها. وإذا لم نتلقها فلن نقوم بأى مبادرة من جانبنا.
(3)
الحديث جرنا إلى الوضع الراهن للعلاقات التركية الإسرائيلية، وقرار أنقرة منع إسرائيل من المشاركة فى مناورات «نسر الأناضول» السنوية مع الجيش التركى. فقال إنه لم يكن معقولا أن تجتاح إسرائيل غزة وتفتك بشعبها ثم نقول لجيشها تعال تدرب عندنا. ذلك أننا حكومة منتخبة جئنا بإرادة شعبنا، ولا نستطيع أن نتحدى مشاعر الشعب التركى الذى صدمه ما جرى أثناء العدوان على غزة. وكان احترام هذه المشاعر له دوره الحاسم فى خلفية قرارنا. فى ذات الوقت فإننا أردنا به أن نبلغ الإسرائيليين أيضا بأنهم لا يستطيعون تحت أى ظرف أن يستخدموا علاقتنا بهم ورقة فى عدوانهم على أى طرف ثالث. ذلك أننا فى هذه الحالة لن نقف محايدين أو مكتوفى الأيدى.
قلت إن لدى معلومات تشير إلى أن إسرائيل كانت قد قامت باختراق الأجواء التركية لكى تقوم بعملية تجسس ضد إيران، وأن هذه الخطوة استفزت القيادة التركية، وكان لهذا الغضب دوره فى قرار إلغاء اشتراكها فى المناورات. وقد علق على هذه الملاحظة قائلا: إن المعلومة غير صحيحة. وبصوت حاسم أضاف: لو أن إسرائيل فعلت ذلك فإنها ستتلقى منا ردا مزلزلا.
سألته عن نتائج زيارة بنيامين بن اليعازر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلى الذى اصطحب معه 20 من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وذكرت له أن بن اليعازر حين كان قائدا لإحدى وحدات الجيش فى حرب عام 67 أمر بقتل 70 من الأسرى المصريين بعد اعتقالهم، وكانوا خليطا من الضباط والجنود.
رد الباشبكان قائلا: إن الرجل زارنا باعتباره وزيرا، وما فعله أثناء حرب 1967 أمر يخص الحكومة المصرية، وقد تمت الزيارة فى إطار الاتفاقات المعقودة بين البلدين، وبعض هذه الاتفاقات لم تنفذها إسرائيل. سألته عما إذا كانت هذه الاتفاقات قد تمت فى عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، فقال إن حكومته عقدت اتفاقا واحدا مع إسرائيل خلال السنوات السبع الأخيرة، وهى خاصة بشراء طائرات بغير طيار، وهذه لم تف بها حكومة تل أبيب وقد اضطررنا إلى استئجار تلك الطائرات لحاجتنا إليها، وأمام إسرائىل، مهلة بقى منها 40 يوما (ابتداء من الخميس 3/12)، إذا لم ينفذ فإنه سيفسخ، أما الاتفاقات الأخرى فكلها عقدت قبل عام 2002.
كنت قد علمت أن مستشار الأمن القومى الإيرانى ورئيس وفدها لمباحثات البرنامج النووى سعيد جليلى قد وصل إلى أنقرة حاملا رسالة إليه، ولأن وزير الخارجية الدكتور أحمد داود أوغلو كان فى طهران قبل أيام معدودة فقد استنتجت أن الأمر له علاقة برحلته إلى واشنطن، وحين سألته فى هذه النقطة قال إن العلاقات الوثيقة بين تركيا وإيران ليست جديدة وقد وثقتها اتفاقية «شيرين» التى عقدت بين البلدين فى عام 1939، إذ بيننا تاريخ مشترك فى الثقافة والفنون إضافة إلى علاقاتنا الإيمانية.
(لاحظ إنه لم يذكر الإسلامية ربما تحسبا للمحاذير القانونية التى يستخدمها غلاة العلمانيين ضده)، وأضاف أنه فضلا عن ذلك فالشأن الإيرانى أصبح من صميم عناصر الأمن القومى التركى، وإضافة إلى مشروعها النووى الذى نؤيده فى استخداماته السلمية، فهى موجودة فى العراق وأفغانستان ومطلة على باكستان ودول آسيا الوسطى (التى تصنف سياسيا ضمن العالم التركى) فى الوقت ذاته فإيران هى المصدر الثانى الذى نعتمد عليه فى الغاز بعد روسيا، لذلك فإن استقرار إيران أمر يهمنا للغاية وتوتر علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب لابد أن يقلقنا. ولذلك فمن الطبيعى أن يستمر التشاور والتفاهم بيننا ولا غرابة فى أن يكون الملف الإيرانى مدرجا ضمن جدول أعمال زيارة واشنطن.
4
كان السيد أردوغان قد صرح فى مؤتمر صحفى عقب زيارته لإيران بأن تعاون البلدين قادر على أن يملأ الفراغ فى المنطقة، وحين طلبت منه إيضاحا لذلك قلت إن هذا الجهد يظل غير كاف ما لم تنضم إليه مصر، لتصبح الضلع الثالث فى مثلث القوة فى الشرق الأوسط.
وهو يعقب على كلامى قال إن التفاهم بين تركيا وإيران قطع شوطا بعيدا فى احتواء أمور كثيرة محيطة بالبلدين علما بأنهما أصبحا هما الأكثر تأثيرا فى المنطقة، وحجم التبادل التجارى بيننا 10 مليارات دولار الآن، نأمل فى أن يصل إلى 30 مليارا خلال فترة وجيزة، وما أقصده أن البلدين فى وضع يسمح لهما بالقيام بدور كبير فى الشرق الأوسط، دون أن يتدخل أى منهما فى الشئون الداخلية لأية دولة أخرى.
أما مصر أضاف فهى الدولة العربية الكبرى التى لا غنى عن دورها وثمة تفاهم طيب بيننا كان له إسهامه فى وقف العدوان على غزة، ولدينا تعاون اقتصادى جيد معها، لكننا نتطلع إلى زيارة الرئيس مبارك فى الخامس عشر من شهر ديسمبر الحالى، وأملنا كبير فى أن تحقق تلك الزيارة طفرة نوعية تنقلنا إلى عهد جديد فى مسيرة التعاون التركى العربى.
عند هذه النقطة قطع أردوغان كلامه وقال إنه بعد زيارته الأخيرة إلى ليبيا أدرك أن الخلافات العربية استفحلت لدرجة أصبحت معها بحاجة سريعة إلى الاحتواء وأن الأمل معقود على الدول العربية الكبيرة أن تلعب دورا فى هذا الصدد.
عندئذ قلت: بعد إلغاء تأشيرات الدخول مع سوريا أولا ثم الأردن وبعد ليبيا وألبانيا، ما هى خطوتكم التالية فى هذا الاتجاه؟
فى رده قال إن تركيا أمضت عقودا وهى غير قادرة على مخاطبة جيرانها، وقد اختلف الأمر تماما بما يعادل 180 درجة حيث مدت جسورها وأياديها إلى الجميع وحلت كل مشاكلها المعلقة مع الجيران ونحن نتطلع إلى يوم نتفق فيه على تأشيرة واحدة إلى كل الدول العربية، كما حدث مع أوروبا التى تسمح تأشيرة «شنجن» لزائرها بأن يتجول فى كل بلدان القارة باستثناء إنجلترا.
قلت: هل هذا التوجه من إفرازات سياسة «العثمانية الجديدة»؟
قال: هذا المصطلح مغلوط ولا أحبذ استخدامه، فضلا عن أنه تعبير خاطئ يبتسر الماضى وينتقص من قدره. كما أنه يستدعى إلى الذاكرة مرحلة اندثرت ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز لنا أن نتعلم دروسها ونستفيد منها. ونحن لا نسعى إلى إقامة مستقبل رومانسى يدغدغ مشاعر الناس لكننا نسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الاقتصادى والتجارى المشترك لأن تبادل المصالح على نحو متكافئ يفتح الباب لاستقرار التعايش والسلام بين الشعوب، وهذه السياسة هى التى مكنت تركيا من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، لأنها لم تكن تعتمد على جهة واحدة فى تعاملاتها وإنما وزعت أنشطتها على دائرة واسعة فى الدول فتنوعت أسواقها ومن ثم تنوعت مواردها الاقتصادية.
5
كنت قد بعثت مسبقا إلى مكتبه بالمحاور التي وددت أن يدور حولها الحديث وأوردت محورا يتعلق بعلاقة حكومته بالجيش الذى ظل يعد القوة الحقيقية صاحبة القرار فى تركيا منذ وصول الكماليين للسلطة وإلغاء الخلافة الإسلامية فى عشرينيات القرن الماضى، وهى العلاقة التى أصبحت محل لغط فى العام الأخير بعد اكتشاف ضلوع بعض قياداته فى منظمة أرجنكون السرية، وهى التى كانت وراء الكثير من الاغتيالات وأعمال الفوضى فى البلاد، خصوصا أن وثيقة عثر عليها مؤخرا تحدثت عن الإعداد لحملة اغتيالات ومظاهرات استهدفت إسقاط حكومة حزب العدالة.
كذلك كنت أعلم أن السيد أردوغان بصدد عقد اجتماع مع قيادات الجيش لمناقشة تطورات الموضوع بعد استدعاء بعض قادة أسلحته السابقين للشهادة أمام محكمة مدنية لأول مرة فى التاريخ التركى المعاصر، لكن كبير مستشاريه قال لى إنه يخشى أن يساء فهم الكلام فى هذا الموضوع الحساس، وقد يظن البعض أن السؤال موحى به من قبل فريق أرودغان للتأثير على مسار الأحداث وقد قدرت حساباتهم الدقيقة وسألت رئىس الوزراء عن ملف منظمة أرجنكون فرد بإجابة مقتضبة قال فيها إن الأمر كله أمام القضاء ولا يجوز له قانونا أن يعلق على قضية معروضة على القضاء قبل أن يفصل فيها.
حاولت أن ألتف حول الموضوع فسألته عن عدد مرات محاولات الاغتيال التى تعرض لها (معلوماتى أن إحداها كشفت فى الشهر الماضى) فقال إن الذى لا يعرفه من تلك المحاولات أكثر من الذى يعرفه، وإن الذى يعرفه لا يذكر عدد المرات فيه.
غيرت الموضوع فى النهاية وسألته عما إذا كان متفائلا بالانضمام إلى الاتحاد الاوروبى رغم أن القوى المعارضة لذلك تتزايد فى أوروبا، فقال إن حكومته سمعت الكثير من الملاحظات خلال السنوات السبع الماضية لكن ذلك لم يثنها عن المضى فى الإصلاحات السياسية ومن ثم فغاية ما يمكن أن يقوله إنه متفائل بحذر.
كنت قد تجاوزت التسعين دقيقة التى خصصت لى ونبهت إلى أن معاونى الباشبكان ينتظرونه فى حجرة مجاورة لإتمام مناقشة ملفات الرحلة إلى واشنطن، ولاحظت أنه بدأ ينظر إلى ساعته، فطويت أوراقى وانصرفت مؤجلا بقية أسئلتي إلى لقاء ثالث أرجو يتأخرعن عام 2012، حين يرشح أردوغان نفسه رئيسا للجمهورية التركية. وهى المعلومة التى أصبحت أكبر سر معلن فى أنقرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.