الخميس 31 يوليو 2025.. الدولار يرتفع 15 قرشا خلال تعاملات اليوم ويسجل 48.80 جنيه للبيع    12 شهيدا وعشرات المصابين في مجزرة إسرائيلية بحق طالبي المساعدات وسط غزة    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    مانشستر يونايتد يفوز على بورنموث برباعية    رد مثير من إمام عاشور بشأن أزمته مع الأهلي.. شوبير يكشف    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    إصابة شخص صدمته سيارة مسرعة بمنطقة المنيب    السكة الحديد تنهي خدمة سائق قطار ومساعده بعد حادث محطة مصر    حملات الدائري الإقليمي تضبط 16 سائقا متعاطيا للمخدرات و1157 مخالفة مرورية    منير مكرم أول الحضور في وداع لطفي لبيب من كنيسة مارمرقس    ب2 مليون و516 ألف جنيه.. روكي الغلابة يخطف صدارة شباك التذاكر في أول أيام عرضه    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    لطلاب الثانوية 2025.. كل ما تريد معرفته عن تنسيق ذوي الاحتياجات الخاصة    لافروف: نأمل أن يحضر الرئيس السوري أحمد الشرع القمة الروسية العربية في موسكو في أكتوبر    مواعيد مباريات الخميس 31 يوليو 2025.. برشلونة ودربي لندني والسوبر البرتغالي    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    اليوم.. انتهاء امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بالغربية وسط إجراءات مشددة    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    اعتماد المخطط التفصيلي لمنطقة شمال طريق الواحات بمدينة أكتوبر الجديدة    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    تصل ل150 ألف جنيه.. زيادة تعويضات مخاطر المهن الطبية (تفاصيل)    ذبحه وحزن عليه.. وفاة قاتل والده بالمنوفية بعد أيام من الجريمة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    أيادينا بيضاء على الجميع.. أسامة كمال يشيد بتصريحات وزير الخارجية: يسلم بُقك    الخميس 31 يوليو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    خالد جلال ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة: «الأب الذي لا يعوض»    لافروف يلتقى نظيره السورى فى موسكو تمهيدا لزيارة الشرع    1.6 مليار دولار صادرات الملابس المصرية في النصف الأول من 2025 بنمو 25%    وزير الإسكان يتابع مشروعات الإسكان والبنية الأساسية بعدد من مدن الصعيد    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    البورصة تفتتح جلسة آخر الأسبوع على صعود جماعي لمؤشراتها    رئيس قطاع المبيعات ب SN Automotive: نخطط لإنشاء 25 نقطة بيع ومراكز خدمة ما بعد البيع    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    مجلس مستشفيات جامعة القاهرة: استحداث عيادات متخصصة للأمراض الجلدية والكبد    الكشف على 889 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الأمل بالبحيرة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    حسين الجسمي يطرح "الحنين" و"في وقت قياسي"    الكنيسة القبطية تحتفل بذكرى رهبنة البابا تواضروس اليوم    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    "بحوث أمراض النباتات" يعلن تجديد الاعتماد لمعمل تشخيص الفيروسات للعام السادس    عقب زلزال روسيا | تسونامي يضرب السواحل وتحذيرات تجتاح المحيط الهادئ.. خبير روسي: زلزال كامتشاتكا الأقوى على الإطلاق..إجلاءات وإنذارات في أمريكا وآسيا.. وترامب يحث الأمريكيين على توخي الحذر بعد الزلزال    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    بسبب خلافات أسرية.. أب يُنهي حياة ابنته ضربًا في الشرقية    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    الانقسام العربي لن يفيد إلا إسرائيل    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان في أول حديث لصحيفة عربية : لو انتهكت إسرائيل أجواء تركيا ستتلقى ردا مزلزلا
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 12 - 2009

عشية سفره إلى واشنطن قال رجب طيب أردوغان إن الوضع فى غزة ضمن جدول أعمال زيارته. مشيرا إلى أن الوضع فى القطاع لا ينبغى السكوت عليه. كما أعرب عن أمله فى أن تكون الزيارة التى سيقوم بها الرئيس حسنى مبارك إلى أنقرة يوم 15 من الشهر الحالى بمثابة نقطة تحول فى علاقات تركيا ومصر. وتمنى فى حديث مطول تطرق فيه إلى أمور عدة أن ينتهى الانقسام العربى حتى تتمكن الأمة العربية من الاحتشاد لمواجهة التحديات الكبيرة التى تواجهها.
1
كان ذلك هو لقائى الثانى مع الرجل. إذ التقيته فى المرة الأولى عام 1994 حين انتخب رئيسا لبلدية استانبول ممثلا عن حزب الرفاه. وجرى الحوار آنذاك حول مشكلات المدينة ومحنتها، بعد أن شاع الفساد فى إدارتها وتدهورت مرافقها. لم يكن يتحدث كعمدة منتخب فحسب، وإنما كعاشق للمدينة وحافظ لشوارعها، التى اضطرته ظروفه العائلية فى سنه المبكرة لأن يتجول فيها بائعا للبطيخ والسميط والمياه الغازية لكى يوفر مصروفات تعليمه. التى عجز أبوه عن احتمالها. إذ كان الأب الذى ينحدر من أصول جورجية يعمل جنديا بسيطا فى خفر السواحل. وهى المهنة الوحيدة التى أجادها منذ نزحت أسرته من شواطئ البحر الأسود لكى تستقر فى استانبول بعدما قتل الجد فى سنة 1916 أثناء صد الحملة الروسية والأرمنية التى استهدفت أراضى الدولة العثمانية فى سنوات أفولها. ولا أعرف إن كان لقب الأسرة له علاقة بهذه الخلفية أم لا، ولكن صاحبنا «الطيب» ظل يعرف طوال الوقت باسم «أردوغان» الذى يعنى فى اللغة التركية «الفتى الشجاع» («أر» تعنى القوى أو الشجاع و«دوغان» هو الطفل).
استطاع الطيب أن يكمل تعليمه حتى التحق بإحدى مدارس «إمام وخطيب»، شأنه فى ذلك شأن غيره من أبناء الأسر المتدينة. لكنه تخصص فى الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتخرج من المعهد العالى الذى صار الآن جامعة مرمرة، ثم ألقى بنفسه فى خضم العمل السياسى، تاركا ملاعب كرة القدم التى لمع نجمه فيها، وتحول إلى عنصر ناشط فى حزب الرفاه الإسلامى الذى أسسه أستاذه نجم الدين أربكان، الأمر الذى أوصله إلى منصب عمدة استانبول، وقاده بعد ذلك إلى السجن فى سنة 1998، حيث أمضى فيه ستة أشهر بعد اتهامه بالإساءة إلى العلمانية.
خمسة عشر عاما مضت بين اللقاءين الأول والثانى، تحول فيها من عضو ناشط فى حزب الرفاه وعمدة استانبول إلى زعيم لحزب آخر باسم العدالة والتنمية وعمدة لتركيا كلها وأول «باشبكان» للجمهورية التركية الثانية(«باش» تعنى الرأس و«بكان» هو الوزير، وباشبكان هو رئيس الوزراء».
ذكرته بلقائنا الأول فابتسم ابتسامة خفيفة تليق بمقام باشبكان بلغ من العمر 55 عاما، ورد بالعربية قائلا «أهلا وسهلا». وكأنه بذلك دعانى إلى الدخول فى الموضوع.
2
كنت أعلم أن مستشاريه وأجهزة وزارة الخارجية منهمكون منذ أيام فى التحضير لزيارته إلى واشنطن، فسألته عن الهدف منها. وعما إذا كانت زيارته قبل أسابيع معدودة لكل من إيران وباكستان لها علاقة بهذه الرحلة. فقال إن تركيا الحالية ليست مشغولة بشئونها الداخلية وعلاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة فحسب، ولكنها أيضا مشغوله بمحيطها وثيق الصلة بانتمائها وعمقها الإستراتيجى. وهذا الانشغال جعلها حاضرة فى العديد من الملفات الإقليمية والدولية. فهى حاضرة فى ملفات الشرق الأوسط. وهى موجودة فى أفغانستان وترأس القوات الدولية هناك، ثم إنها معنية بالموضوع الإيرانى وتداعيات البرنامج النووى الذى يثار حوله لغط شديد فى الساحة الدولية. وعلاقاتها مع أرمينيا لكى تنجح أصبحت وثيقة الصلة بحل المشكلة القائمة بينها وبين أذربيجان بخصوص النزاع حول مقاطعة «ناجورنو كارباخ» التى اجتاحتها القوات الأرمنية قبل سنوات قليلة، كما أن الوضع فى قبرص يدخل فى صميم اهتمامنا ليس فقط بسبب قبرص التركية. ولكن أيضا لأنه مطروح فى سياق علاقتنا باليونان. وإضافة إلى كل ذلك فموضوع علاقتنا مع الاتحاد الأوروبى له مكانه فى جدول الأعمال.
قلت له إن من بين تلك العناوين المهمة، تحتاج ملفات الشرق الأوسط إلى بعض التفصيل، خصوصا ما تعلق منها بفلسطين وإسرائيل وإيران. هز رأسه موافقا وقال إن أكثر ما يقلقه فى الشأن الفلسطينى حاليا هو وضع قطاع غزة، الذى تحول إلى سجن كبير مفتوح، يقف الجميع متفرجين عليه وغير مكترثين به. وهو أمر لا ينبغى السكوت عليه ليس فقط من جانب دول المنطقة، بل أيضا من جانب العالم المتحضر الذى يحترم حقوق الإنسان. فقد كان العدوان على غزة جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الفوسفور الأبيض ضد المدنيين العزل.
وبعد العدوان الذى أدى إلى تدمير القطاع وقتل 1500 من سكانه وإصابة خمسة آلاف بجراح، عقد اجتماع شرم الشيخ الذى اتفق فيه على إعمار ما تم تدميره، وخصصت لذلك ملايين الدولارات، إلا أن القرار لم ينفذ. وبقيت خرائب غزة كما هى. والأدهى من ذلك أن الحصار استمر بحيث قطعت عن القطاع الحاجات الأساسية للناس. وقد سمعت أنهم اضطروا لاستخدام الأنفاق لتهريب الأغنام فى الاحتفال بعيد الأضحى. وهذا الوضع البائس وغير الإنسانى يتطلب بذل جهد خاص لعلاجه، ولذلك كان من الطبيعى أن يدرج على قائمة جدول أعمال الزيارة.
أضاف السيد أردوغان قائلا: هناك أمران آخران يشغلاننا فى هذا السياق، الأول هو أن وقف الاستيطان من جانب إسرائيل الذى يعد شرطا ضروريا للعودة إلى مفاوضات السلام. والثانى هو أننا نقوم بدورنا فى التوسط بين إسرائيل وسوريا. وقد عقدت من الآن خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين، وحين قلت له إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قال إنه لم يعد مطمئنا إلى وساطة تركيا فى هذا الصدد، ويفضل وساطة فرنسا، علق قائلا: إننا توسطنا بناء على رغبة الطرفين، وإذا تلقينا هذه الرغبة مجددا فسوف نستجيب لها. وإذا لم نتلقها فلن نقوم بأى مبادرة من جانبنا.
(3)
الحديث جرنا إلى الوضع الراهن للعلاقات التركية الإسرائيلية، وقرار أنقرة منع إسرائيل من المشاركة فى مناورات «نسر الأناضول» السنوية مع الجيش التركى. فقال إنه لم يكن معقولا أن تجتاح إسرائيل غزة وتفتك بشعبها ثم نقول لجيشها تعال تدرب عندنا. ذلك أننا حكومة منتخبة جئنا بإرادة شعبنا، ولا نستطيع أن نتحدى مشاعر الشعب التركى الذى صدمه ما جرى أثناء العدوان على غزة. وكان احترام هذه المشاعر له دوره الحاسم فى خلفية قرارنا. فى ذات الوقت فإننا أردنا به أن نبلغ الإسرائيليين أيضا بأنهم لا يستطيعون تحت أى ظرف أن يستخدموا علاقتنا بهم ورقة فى عدوانهم على أى طرف ثالث. ذلك أننا فى هذه الحالة لن نقف محايدين أو مكتوفى الأيدى.
قلت إن لدى معلومات تشير إلى أن إسرائيل كانت قد قامت باختراق الأجواء التركية لكى تقوم بعملية تجسس ضد إيران، وأن هذه الخطوة استفزت القيادة التركية، وكان لهذا الغضب دوره فى قرار إلغاء اشتراكها فى المناورات. وقد علق على هذه الملاحظة قائلا: إن المعلومة غير صحيحة. وبصوت حاسم أضاف: لو أن إسرائيل فعلت ذلك فإنها ستتلقى منا ردا مزلزلا.
سألته عن نتائج زيارة بنيامين بن اليعازر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلى الذى اصطحب معه 20 من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وذكرت له أن بن اليعازر حين كان قائدا لإحدى وحدات الجيش فى حرب عام 67 أمر بقتل 70 من الأسرى المصريين بعد اعتقالهم، وكانوا خليطا من الضباط والجنود.
رد الباشبكان قائلا: إن الرجل زارنا باعتباره وزيرا، وما فعله أثناء حرب 1967 أمر يخص الحكومة المصرية، وقد تمت الزيارة فى إطار الاتفاقات المعقودة بين البلدين، وبعض هذه الاتفاقات لم تنفذها إسرائيل. سألته عما إذا كانت هذه الاتفاقات قد تمت فى عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، فقال إن حكومته عقدت اتفاقا واحدا مع إسرائيل خلال السنوات السبع الأخيرة، وهى خاصة بشراء طائرات بغير طيار، وهذه لم تف بها حكومة تل أبيب وقد اضطررنا إلى استئجار تلك الطائرات لحاجتنا إليها، وأمام إسرائىل، مهلة بقى منها 40 يوما (ابتداء من الخميس 3/12)، إذا لم ينفذ فإنه سيفسخ، أما الاتفاقات الأخرى فكلها عقدت قبل عام 2002.
كنت قد علمت أن مستشار الأمن القومى الإيرانى ورئيس وفدها لمباحثات البرنامج النووى سعيد جليلى قد وصل إلى أنقرة حاملا رسالة إليه، ولأن وزير الخارجية الدكتور أحمد داود أوغلو كان فى طهران قبل أيام معدودة فقد استنتجت أن الأمر له علاقة برحلته إلى واشنطن، وحين سألته فى هذه النقطة قال إن العلاقات الوثيقة بين تركيا وإيران ليست جديدة وقد وثقتها اتفاقية «شيرين» التى عقدت بين البلدين فى عام 1939، إذ بيننا تاريخ مشترك فى الثقافة والفنون إضافة إلى علاقاتنا الإيمانية.
(لاحظ إنه لم يذكر الإسلامية ربما تحسبا للمحاذير القانونية التى يستخدمها غلاة العلمانيين ضده)، وأضاف أنه فضلا عن ذلك فالشأن الإيرانى أصبح من صميم عناصر الأمن القومى التركى، وإضافة إلى مشروعها النووى الذى نؤيده فى استخداماته السلمية، فهى موجودة فى العراق وأفغانستان ومطلة على باكستان ودول آسيا الوسطى (التى تصنف سياسيا ضمن العالم التركى) فى الوقت ذاته فإيران هى المصدر الثانى الذى نعتمد عليه فى الغاز بعد روسيا، لذلك فإن استقرار إيران أمر يهمنا للغاية وتوتر علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب لابد أن يقلقنا. ولذلك فمن الطبيعى أن يستمر التشاور والتفاهم بيننا ولا غرابة فى أن يكون الملف الإيرانى مدرجا ضمن جدول أعمال زيارة واشنطن.
4
كان السيد أردوغان قد صرح فى مؤتمر صحفى عقب زيارته لإيران بأن تعاون البلدين قادر على أن يملأ الفراغ فى المنطقة، وحين طلبت منه إيضاحا لذلك قلت إن هذا الجهد يظل غير كاف ما لم تنضم إليه مصر، لتصبح الضلع الثالث فى مثلث القوة فى الشرق الأوسط.
وهو يعقب على كلامى قال إن التفاهم بين تركيا وإيران قطع شوطا بعيدا فى احتواء أمور كثيرة محيطة بالبلدين علما بأنهما أصبحا هما الأكثر تأثيرا فى المنطقة، وحجم التبادل التجارى بيننا 10 مليارات دولار الآن، نأمل فى أن يصل إلى 30 مليارا خلال فترة وجيزة، وما أقصده أن البلدين فى وضع يسمح لهما بالقيام بدور كبير فى الشرق الأوسط، دون أن يتدخل أى منهما فى الشئون الداخلية لأية دولة أخرى.
أما مصر أضاف فهى الدولة العربية الكبرى التى لا غنى عن دورها وثمة تفاهم طيب بيننا كان له إسهامه فى وقف العدوان على غزة، ولدينا تعاون اقتصادى جيد معها، لكننا نتطلع إلى زيارة الرئيس مبارك فى الخامس عشر من شهر ديسمبر الحالى، وأملنا كبير فى أن تحقق تلك الزيارة طفرة نوعية تنقلنا إلى عهد جديد فى مسيرة التعاون التركى العربى.
عند هذه النقطة قطع أردوغان كلامه وقال إنه بعد زيارته الأخيرة إلى ليبيا أدرك أن الخلافات العربية استفحلت لدرجة أصبحت معها بحاجة سريعة إلى الاحتواء وأن الأمل معقود على الدول العربية الكبيرة أن تلعب دورا فى هذا الصدد.
عندئذ قلت: بعد إلغاء تأشيرات الدخول مع سوريا أولا ثم الأردن وبعد ليبيا وألبانيا، ما هى خطوتكم التالية فى هذا الاتجاه؟
فى رده قال إن تركيا أمضت عقودا وهى غير قادرة على مخاطبة جيرانها، وقد اختلف الأمر تماما بما يعادل 180 درجة حيث مدت جسورها وأياديها إلى الجميع وحلت كل مشاكلها المعلقة مع الجيران ونحن نتطلع إلى يوم نتفق فيه على تأشيرة واحدة إلى كل الدول العربية، كما حدث مع أوروبا التى تسمح تأشيرة «شنجن» لزائرها بأن يتجول فى كل بلدان القارة باستثناء إنجلترا.
قلت: هل هذا التوجه من إفرازات سياسة «العثمانية الجديدة»؟
قال: هذا المصطلح مغلوط ولا أحبذ استخدامه، فضلا عن أنه تعبير خاطئ يبتسر الماضى وينتقص من قدره. كما أنه يستدعى إلى الذاكرة مرحلة اندثرت ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز لنا أن نتعلم دروسها ونستفيد منها. ونحن لا نسعى إلى إقامة مستقبل رومانسى يدغدغ مشاعر الناس لكننا نسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الاقتصادى والتجارى المشترك لأن تبادل المصالح على نحو متكافئ يفتح الباب لاستقرار التعايش والسلام بين الشعوب، وهذه السياسة هى التى مكنت تركيا من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، لأنها لم تكن تعتمد على جهة واحدة فى تعاملاتها وإنما وزعت أنشطتها على دائرة واسعة فى الدول فتنوعت أسواقها ومن ثم تنوعت مواردها الاقتصادية.
5
كنت قد بعثت مسبقا إلى مكتبه بالمحاور التي وددت أن يدور حولها الحديث وأوردت محورا يتعلق بعلاقة حكومته بالجيش الذى ظل يعد القوة الحقيقية صاحبة القرار فى تركيا منذ وصول الكماليين للسلطة وإلغاء الخلافة الإسلامية فى عشرينيات القرن الماضى، وهى العلاقة التى أصبحت محل لغط فى العام الأخير بعد اكتشاف ضلوع بعض قياداته فى منظمة أرجنكون السرية، وهى التى كانت وراء الكثير من الاغتيالات وأعمال الفوضى فى البلاد، خصوصا أن وثيقة عثر عليها مؤخرا تحدثت عن الإعداد لحملة اغتيالات ومظاهرات استهدفت إسقاط حكومة حزب العدالة.
كذلك كنت أعلم أن السيد أردوغان بصدد عقد اجتماع مع قيادات الجيش لمناقشة تطورات الموضوع بعد استدعاء بعض قادة أسلحته السابقين للشهادة أمام محكمة مدنية لأول مرة فى التاريخ التركى المعاصر، لكن كبير مستشاريه قال لى إنه يخشى أن يساء فهم الكلام فى هذا الموضوع الحساس، وقد يظن البعض أن السؤال موحى به من قبل فريق أرودغان للتأثير على مسار الأحداث وقد قدرت حساباتهم الدقيقة وسألت رئىس الوزراء عن ملف منظمة أرجنكون فرد بإجابة مقتضبة قال فيها إن الأمر كله أمام القضاء ولا يجوز له قانونا أن يعلق على قضية معروضة على القضاء قبل أن يفصل فيها.
حاولت أن ألتف حول الموضوع فسألته عن عدد مرات محاولات الاغتيال التى تعرض لها (معلوماتى أن إحداها كشفت فى الشهر الماضى) فقال إن الذى لا يعرفه من تلك المحاولات أكثر من الذى يعرفه، وإن الذى يعرفه لا يذكر عدد المرات فيه.
غيرت الموضوع فى النهاية وسألته عما إذا كان متفائلا بالانضمام إلى الاتحاد الاوروبى رغم أن القوى المعارضة لذلك تتزايد فى أوروبا، فقال إن حكومته سمعت الكثير من الملاحظات خلال السنوات السبع الماضية لكن ذلك لم يثنها عن المضى فى الإصلاحات السياسية ومن ثم فغاية ما يمكن أن يقوله إنه متفائل بحذر.
كنت قد تجاوزت التسعين دقيقة التى خصصت لى ونبهت إلى أن معاونى الباشبكان ينتظرونه فى حجرة مجاورة لإتمام مناقشة ملفات الرحلة إلى واشنطن، ولاحظت أنه بدأ ينظر إلى ساعته، فطويت أوراقى وانصرفت مؤجلا بقية أسئلتي إلى لقاء ثالث أرجو يتأخرعن عام 2012، حين يرشح أردوغان نفسه رئيسا للجمهورية التركية. وهى المعلومة التى أصبحت أكبر سر معلن فى أنقرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.