رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    تجديد اتفاق التعاون الفني والمالي بين مصر وفرنسا بقيمة 4 مليارات يورو    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الإسكندرية اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    التمويل غير المصرفي في مصر يسجل 773 مليار جنيه خلال 7 أشهر    نقابة الصحفيين المصريين: الاعتداء على أسطول الصمود عمل إرهابي.. وفرض مبادرات إذعان دولية على المنطقة استمرار لنهج الانحياز للعدوان الصهيوني    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    بلجيكا تطلب تعهدًا من قادة أوروبا بتقاسم المخاطر    تعرف على تداعيات الإغلاق الحكومي الأمريكي على الأسواق.. فيديو    مصادر طبية في غزة: 20 قتيلا في قصف إسرائيلي على عدة مناطق في القطاع منذ فجر اليوم    الأهلي يكثف من تحضيراته استعدادًا لمواجهة كهرباء الإسماعيلية    الأزمات تتوالى.. لاعبي الزمالك تهدد بالتصعيد وعدم خوض المران    ياسين منصور نائبًا.. محمود الخطيب يعلن قائمته النهائية    موعد مباراة الزمالك والشارقة الإماراتي في كأس العالم لكرة اليد للأندية 2025    «ابقوا اطمنوا عليه لأنه في حالة صعبة».. شوبير يكشف تفاصيل حالة عمرو زكي    انقلاب سيارة نقل وإصابة السائق ورفيقه بمنطقة الواحات    عرض سيدتين فى واقعة فيديو التهديد بأعمال دجل بالشرقية على النيابة العامة    اختراق صفحة مجمع اللغة العربية على «فيسبوك» ونشر محتوى خادش للحياء يثير استياء المتابعين    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    لو بتدوري على راجل صادق.. «5 أبراج مايعرفوش الكذب»    مجلس إدارة الرعاية الصحية يوافق على إنشاء وحدتين لزراعة النخاع بمجمع الأقصر الدولي ومجمع السويس الطبي    مديرية تعليم الجيزة تكشف موعد فتح فصل حالات الإصابة بفيروس HFMD    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 112 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    رابط التقييمات الأسبوعية لوزارة التربية والتعليم 2025-2026 وخطة الاختبارات الشهرية    مجلس الشيوخ يوافق على استقالة 14 عضوا لعزمهم الترشح فى انتخابات النواب    رئيس مجلس الشيوخ: الرئيس السيسى يقوم بجهود عظيمة فى بناء الإنسان المصرى    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    محافظ أسيوط: مراكز ومحطات البحوث شريك استراتيجي في تطوير الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    ضربات أمنية متواصلة لضبط جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    قبل فتح باب الترشح السبت.. الشروط والمستندات المطلوبة لعضوية مجلس النواب    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    جامعة سوهاج توقع مذكرة تفاهم مع "Woosong" الكورية للتعاون الأكاديمي والبحثي    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    من الهند إلى المدينة.. رحلة شيخ القراء في المسجد النبوي الشيخ بشير أحمد صديق    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    سويلم يشهد فعاليات ختام سلسلة محاضرات "الترابط بين المياه والغذاء WEFE Nexus"    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    مد فترة استقبال الأعمال المشاركة في مسابقة «النصوص الدرامية القصيرة جدًا» حتى 7 أكتوبر    سبب تعرض كبار السن للنسيان والاكتئاب.. طبيبة توضح    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    جنة أم نار.. هالاند يتحدث بصراحة عن خوفه من الموت    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    الدكتور محمود سعيد: معهد ناصر قلعة الطب في مصر وحصن أمان للمصريين    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان في حواره مع فهمي هويدي : لو انتهكت إسرائيل أجواء تركيا ستتلقى ردا مزلزلا
نشر في الشعب يوم 08 - 12 - 2009

عشية سفره إلى واشنطن قال رجب طيب أردوغان إن الوضع في غزة ضمن جدول أعمال زيارته، مشيرا إلى أن الوضع في القطاع لا ينبغي السكوت عليه. كما أعرب عن أمله في أن تكون الزيارة التي سيقوم بها الرئيس حسني مبارك إلى أنقرة يوم 15 ديسمبر الحالي بمثابة نقطة تحول في علاقات تركيا ومصر. وتمنى في حديث مطول تطرق فيه إلى أمور عدة أن ينتهي الانقسام العربي حتى تتمكن الأمة العربية من الاحتشاد لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها.
(1)
كان ذلك هو لقائي الثاني مع الرجل، إذ التقيته في المرة الأولى عام 1994 حين انتخب رئيسا لبلدية إسطنبول ممثلا عن حزب الرفاه. وجرى الحوار آنذاك حول مشكلات المدينة ومحنتها، بعد أن شاع الفساد في إدارتها وتدهورت مرافقها. لم يكن يتحدث كعمدة منتخب فحسب، وإنما كعاشق للمدينة وحافظ لشوارعها التي اضطرته ظروفه العائلية في سنه المبكرة لأن يتجول فيها بائعا للبطيخ والسميط والمياه الغازية كي يوفر مصروفات تعليمه التي عجز أبوه عن تحملها، إذ كان الأب الذي ينحدر من أصول جورجية يعمل جنديا بسيطا في خفر السواحل، وهي المهنة الوحيدة التي أجادها منذ نزحت أسرته من شواطئ البحر الأسود كي تستقر في إسطنبول بعدما قتل الجد عام 1916 أثناء صد الحملة الروسية والأرمينية التي استهدفت أراضي الدولة العثمانية في سنوات أفولها.
ولا أعرف إن كان لقب الأسرة له علاقة بهذه الخلفية أم لا، ولكن صاحبنا "الطيب" ظل يعرف طوال الوقت باسم "أردوغان" الذي يعني في اللغة التركية "الفتى الشجاع" ("أر" تعني القوي أو الشجاع، و"دوغان" تعني الطفل).
استطاع الطيب أن يكمل تعليمه حتى التحق بإحدى مدارس الأئمة والخطباء، شأنه في ذلك شأن غيره من أبناء الأسر المتدينة. لكنه تخصص في الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتخرج من المعهد العالي الذي صار الآن جامعة مرمرة، ثم ألقى بنفسه في خضم العمل السياسي، تاركا ملاعب كرة القدم التي لمع نجمه فيها، وتحول إلى عنصر ناشط في حزب الرفاه الإسلامي الذي أسسه أستاذه نجم الدين أربكان، الأمر الذي أوصله إلى منصب عمدة إسطنبول، وقاده بعد ذلك إلى السجن عام 1998 حيث أمضى فيه ستة أشهر بعد اتهامه بالإساءة إلى العلمانية.
15 عاما مضت بين اللقاءين الأول والثاني، تحول فيها من عضو ناشط في حزب الرفاه وعمدة إسطنبول إلى زعيم لحزب آخر باسم "العدالة والتنمية" وعمدة لتركيا كلها، وأول "باشبكان" (رئيس الوزراء) للجمهورية التركية الثانية ("باش" تعني الرأس و"بكان" تعني الوزير).
ذكرته بلقائنا الأول فابتسم ابتسامة خفيفة تليق بمقام باشبكان بلغ من العمر 55 عاما، ورد بالعربية قائلا "أهلا وسهلا" وكأنه بذلك دعاني إلى الدخول في الموضوع.
(2)
كنت أعلم أن مستشاريه وأجهزة وزارة الخارجية منهمكون منذ أيام في التحضير لزيارته إلى واشنطن، فسألته عن الهدف منها، وعما إذا كانت زيارته قبل أسابيع معدودة إلى إيران وباكستان لها علاقة بهذه الرحلة؟ فقال إن تركيا الحالية ليست مشغولة بشؤونها الداخلية وعلاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة فحسب، ولكنها أيضا مشغولة بمحيطها وثيق الصلة بانتمائها وعمقها الإستراتيجي.
وهذا الانشغال جعلها حاضرة في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، فهى حاضرة في ملفات الشرق الأوسط، وهي موجودة في أفغانستان وترأس القوات الدولية هناك، ثم إنها معنية بموضوع إيران وتداعيات برنامجها النووي الذي يثار حوله لغط شديد في الساحة الدولية. ولكي تنجح علاقاتها مع أرمينيا أصبحت تركيا وثيقة الصلة بحل المشكلة القائمة بين أرمينيا وأذربيجان بخصوص النزاع حول إقليم "ناغورني قره باغ" الذي اجتاحته القوات الأرمينية قبل سنوات قليلة. كما أن الوضع في قبرص يدخل في صميم اهتمامنا ليس فقط بسبب قبرص التركية، ولكن أيضا لأنه مطروح في سياق علاقتنا باليونان. وإضافة إلى كل ذلك، موضوع علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي له مكانة في جدول الأعمال.
قلت له إن من بين تلك العناوين المهمة تحتاج ملفات الشرق الأوسط إلى بعض التفصيل، خصوصا ما تعلق منها بفلسطين وإسرائيل وإيران. هز رأسه موافقا وقال إن أكثر ما يقلقه في الشأن الفلسطيني حاليا هو وضع قطاع غزة الذي تحول إلى سجن كبير مفتوح، يقف الجميع متفرجين عليه وغير مكترثين به، وهو أمر لا ينبغي السكوت عليه ليس فقط من جانب دول المنطقة، بل أيضا من جانب العالم المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان.
فقد كان العدوان على غزة جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الفوسفور الأبيض ضد المدنيين العزل. وبعد العدوان الذي أدى إلى تدمير القطاع وقتل 1500 من سكانه وإصابة خمسة آلاف بجراح، عقد اجتماع شرم الشيخ الذي اتفق فيه على إعمار ما تم تدميره، وخصصت لذلك ملايين الدولارات، إلا أن القرار لم ينفذ، وبقيت خرائب غزة كما هي.
والأدهى من ذلك أن الحصار استمر بحيث قطعت عن القطاع الحاجات الأساسية للناس، وقد سمعت أنهم اضطروا لاستخدام الأنفاق لتهريب الأغنام في الاحتفال بعيد الأضحى. فهذا الوضع البائس وغير الإنساني يتطلب بذل جهد خاص لعلاجه، ولذلك كان من الطبيعي أن يدرج على قائمة جدول أعمال الزيارة.
أضاف السيد أردوغان قائلا: هناك أمران آخران يشغلاننا في هذا السياق، الأول وقف الاستيطان من جانب إسرائيل الذي يعد شرطا ضروريا للعودة إلى مفاوضات السلام، والثاني أننا نقوم بدورنا في التوسط بين إسرائيل وسوريا، وقد عقدت حتى الآن خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين. وحين قلت له إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إنه لم يعد مطمئنا إلى وساطة تركيا في هذا الصدد ويفضل وساطة فرنسا، علق قائلا: إننا توسطنا بناء على رغبة الطرفين، وإذا تلقينا هذه الرغبة مجددا فسنستجيب لها، وإذا لم نتلقها فلن نقوم بأي مبادرة من جانبنا.
(3)
الحديث جرنا إلى الوضع الراهن للعلاقات التركية الإسرائيلية، وقرار أنقرة منع إسرائيل من المشاركة في مناورات "نسر الأناضول" السنوية مع الجيش التركي، فقال إنه لم يكن معقولا أن تجتاح إسرائيل غزة وتفتك بشعبها ثم نقول لجيشها تعال تتدرب عندنا، ذلك أننا حكومة منتخبة جئنا بإرادة شعبنا ولا نستطيع أن نتحدى مشاعر الشعب التركي الذي صدمه ما جرى أثناء العدوان على غزة. ولقد كان لاحترام هذه المشاعر دوره الحاسم في خلفية قرارنا، وفي الوقت ذاته أردنا به أن نبلغ الإسرائيليين بأنهم لا يستطيعون تحت أي ظرف أن يستخدموا علاقتنا بهم ورقة في عدوانهم على أي طرف ثالث، فنحن في هذه الحالة لن نقف محايدين أو مكتوفي الأيدي.
قلت إن لدي معلومات تشير إلى أن إسرائيل اخترقت الأجواء التركية كي تقوم بعملية تجسس ضد إيران، وأن هذه الخطوة استفزت القيادة التركية، وكان لهذا الغضب دوره في قرار إلغاء اشتراكها في المناورات. وقد علق على هذه الملاحظة قائلا: إن المعلومة غير صحيحة، وبصوت حاسم أضاف: لو أن إسرائيل فعلت ذلك فإنها ستتلقى منا ردا مزلزلا.
سألته عن نتائج زيارة وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر الذي اصطحب معه 20 من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وذكرت له أن بن أليعازر حين كان قائدا لإحدى وحدات الجيش في حرب عام 1967 أمر بقتل 70 من الأسرى المصريين بعد اعتقالهم، وكانوا خليطا من الضباط والجنود.
رد الباشبكان قائلا: إن الرجل زارنا باعتباره وزيرا، وما فعله أثناء حرب 1967 أمر يخص الحكومة المصرية، وقد تمت الزيارة في إطار الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، وبعض هذه الاتفاقيات لم تنفذها إسرائيل. سألته عما إذا كانت هذه الاتفاقات قد تمت في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، فقال إن حكومته عقدت اتفاقية واحدة مع إسرائيل خلال السنوات السبع الأخيرة، وهي خاصة بشراء طائرات بغير طيار، وهذه لم تف بها حكومة تل أبيب وقد اضطررنا إلى استئجار تلك الطائرات لحاجتنا إليها، وأمام إسرائيل مهلة بقي منها 40 يوما (ابتداء من الخميس 3/12)، إذا لم تنفذ الاتفاقية خلالها فإنها ستفسخ، أما الاتفاقات الأخرى فكلها عقدت قبل عام 2002.
كنت قد علمت أن مستشار الأمن القومي الإيراني ورئيس وفدها لمباحثات البرنامج النووي سعيد جليلي قد وصل إلى أنقرة حاملا رسالة إليه، ولأن وزير الخارجية الدكتور أحمد داود أوغلو كان في طهران قبل أيام معدودة فقد استنتجت أن الأمر له علاقة برحلته إلى واشنطن، وحين سألته في هذه النقطة قال إن العلاقات الوثيقة بين تركيا وإيران ليست جديدة، وقد وثقتها اتفاقية "شيرين" التي عقدت بين البلدين عام 1939، إذ بيننا تاريخ مشترك في الثقافة والفنون إضافة إلى علاقاتنا الإيمانية (لاحظ أنه لم يذكر الإسلامية ربما تحسبا للمحاذير القانونية التي يستخدمها غلاة العلمانيين ضده).
وأضاف أنه فضلا عن ذلك فالشأن الإيراني أصبح من صميم عناصر الأمن القومي التركي، وإضافة إلى مشروعها النووي الذي نؤيده في استخداماته السلمية، فهي موجودة في العراق وأفغانستان ومطلة على باكستان ودول آسيا الوسطى (التي تصنف سياسيا ضمن العالم التركي)، في الوقت ذاته إيران هي المصدر الثاني الذي نعتمد عليه في الغاز بعد روسيا، لذلك فإن استقرارها يهمنا للغاية، وتوتر علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب لا بد أن يقلقنا. ولذلك فمن الطبيعي أن يستمر التشاور والتفاهم بيننا، ولا غرابة في أن يكون الملف الإيراني مدرجا ضمن جدول أعمال زيارة واشنطن.
(4)
كان السيد أردوغان قد صرح في مؤتمر صحفي عقب زيارته لإيران بأن تعاون البلدين قادر على أن يملأ الفراغ في المنطقة، وحين طلبت منه إيضاحا لذلك قلت إن هذا الجهد يظل غير كاف ما لم تنضم إليه مصر، لتصبح الضلع الثالث في مثلث القوة في الشرق الأوسط.
وهو يعقب على كلامي قال إن التفاهم بين تركيا وإيران قطع شوطا بعيدا في احتواء أمور كثيرة محيطة بالبلدين، علما بأنهما أصبحا هما الأكثر تأثيرا في المنطقة، وحجم التبادل التجاري بيننا 10 مليارات دولار الآن، نأمل أن يصل إلى 30 مليارا خلال فترة وجيزة. وما أقصده أن البلدين في وضع يسمح لهما بالقيام بدور كبير في الشرق الأوسط، دون أن يتدخل أي منهما في شؤون الآخر الداخلية.
أما مصر -أضاف- فهي الدولة العربية الكبرى التي لا غنى عن دورها، وثمة تفاهم طيب بيننا كان له إسهامه في وقف العدوان على غزة، ولدينا تعاون اقتصادي جيد معها، لكننا نتطلع إلى زيارة الرئيس مبارك يوم 15 ديسمبر الحالي، وأملنا كبير في أن تحقق تلك الزيارة طفرة نوعية تنقلنا إلى عهد جديد في مسيرة التعاون التركي العربي.
عند هذه النقطة قطع أردوغان كلامه وقال إنه بعد زيارته الأخيرة إلى ليبيا أدرك أن الخلافات العربية استفحلت لدرجة أصبحت معها بحاجة سريعة إلى الاحتواء، وأن الأمل معقود على الدول العربية الكبيرة كي تلعب دورا في هذا الصدد.
عندئذ قلت: بعد إلغاء تأشيرات الدخول مع سوريا أولا ثم الأردن وبعد ليبيا وألبانيا، ما هي خطوتكم التالية في هذا الاتجاه؟
في رده قال إن تركيا أمضت عقودا وهي غير قادرة على مخاطبة جيرانها، وقد اختلف الأمر تماما بما يعادل 180 درجة، حيث مدت جسورها وأياديها إلى الجميع وحلت كل مشاكلها المعلقة مع الجيران، ونحن نتطلع إلى يوم نتفق فيه على تأشيرة واحدة إلى كل الدول العربية، كما حدث مع أوروبا التي تسمح تأشيرة "شنغن" لزائرها بأن يتجول في كل بلدان القارة باستثناء إنجلترا.
قلت: هل هذا التوجه من إفرازات سياسة "العثمانية الجديدة
قال: هذا المصطلح مغلوط ولا أحبذ استخدامه، فضلا عن أنه تعبير خاطئ يبتسر الماضي وينتقص من قدره، كما أنه يستدعي إلى الذاكرة مرحلة اندثرت ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز لنا أن نتعلم دروسها ونستفيد منها. ونحن لا نسعى إلى إقامة مستقبل رومنسي يدغدغ مشاعر الناس، لكننا نسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك، لأن تبادل المصالح على نحو متكافئ يفتح الباب لاستقرار التعايش والسلام بين الشعوب، وهذه السياسة هي التي مكنت تركيا من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية لأنها لم تكن تعتمد على جهة واحدة في تعاملاتها وإنما وزعت أنشطتها على دائرة واسعة في الدول فتنوعت أسواقها ومن ثم تنوعت مواردها الاقتصادية.
(5)
كنت قد بعثت مسبقا إلى مكتبه بالمحاور التي وددت أن يدور حولها الحديث، وأوردت محورا يتعلق بعلاقة حكومته بالجيش الذي ظل يعد القوة الحقيقية صاحبة القرار في تركيا منذ وصول الكماليين إلى السلطة وإلغاء الخلافة الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي، وهي العلاقة التي أصبحت محل لغط في العام الأخير بعد اكتشاف ضلوع بعض قياداته في منظمة أرغينكون السرية، وهي التي كانت وراء الكثير من الاغتيالات وأعمال الفوضى في البلاد، خصوصا أن وثيقة عثر عليها مؤخرا تحدثت عن الإعداد لحملة اغتيالات ومظاهرات استهدفت إسقاط حكومة حزب العدالة.
كذلك كنت أعلم أن السيد أردوغان بصدد عقد اجتماع مع قيادات الجيش لمناقشة تطورات الموضوع بعد استدعاء بعض قادة أسلحته السابقين للشهادة أمام محكمة مدنية لأول مرة في التاريخ التركي المعاصر، لكن كبير مستشاريه قال لي إنه يخشى أن يساء فهم الكلام في هذا الموضوع الحساس، وقد يظن البعض أن السؤال موحى به من قبل فريق أردوغان للتأثير على مسار الأحداث. وقد قدرت حساباتهم الدقيقة وسألت رئيس الوزراء عن ملف منظمة أرغينكون فرد بإجابة مقتضبة قال فيها إن الأمر كله أمام القضاء، ولا يجوز له قانونا أن يعلق على قضية معروضة على القضاء قبل أن يفصل فيها.
حاولت أن ألتف حول الموضوع فسألته عن عدد مرات محاولات الاغتيال التي تعرض لها (معلوماتي أن إحداها كشفت في الشهر الماضي)، فقال إن الذي لا يعرفه من تلك المحاولات أكثر من الذي يعرفه، وإن الذي يعرفه لا يذكر عدد المرات فيه.
غيّرت الموضوع في النهاية وسألته عما إذا كان متفائلا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم أن القوى المعارضة لذلك تتزايد في أوروبا، فقال إن حكومته سمعت الكثير من الملاحظات خلال السنوات السبع الماضية، لكن ذلك لم يثنها عن المضي في الإصلاحات السياسية، ومن ثم فغاية ما يمكن أن يقوله إنه متفائل بحذر.
كنت قد تجاوزت التسعين دقيقة التي خصصت لي ونبهت إلى أن معاوني الباشبكان ينتظرونه في حجرة مجاورة لإتمام مناقشة ملفات الرحلة إلى واشنطن، ولاحظت أنه بدأ ينظر إلى ساعته، فطويت أوراقي وانصرفت مؤجلا بقية أسئلتي إلى لقاء ثالث أرجو أن لا يتأخر عن العام 2012 حين يرشح أردوغان نفسه لرئاسة الجمهورية التركية، وهي المعلومة التي أصبحت أكبر سر معلن في أنقرة.
..............
الشروق المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.