جميلة هي قصص الحب ومثيرة، ولكن الأروع أن يمتزج ذاك الحب بالأدب في آن واحد، لينسجان لنا قصصا من نوع آخر.. حكايات استطاع أصحابها أن يخلدوا ذكراها، حتى رحلوا وبقيت هي، يتداولها جيل بعد جيل. ويحل 14 فبراير من كل عام الذكرى العالمية للاحتفال ب"عيد الحب" أو "الفلانتين"، والذي ينتهزه العُشاق كفرصة للتعبير عن حبهم لبعضهم بتبادل الهدايا وكلمات الحب فيما بينهم، في الأسطر التالية تستعرض "الشروق" أبرز حكايات العشق بين الأدباء: أمل دنقل وعبلة الرويني هي القصة التي بدأت بحوار صحفي ليس أكثر، فقد كانت عبلة الرويني تمتهن الصحافة ومن ثم سمعت عن الشاعر أمل دنقل، فعزمت على إجراء حوار معه، ومن هنا كانت البداية.. بداية غير مبشرة بالمرة، ولكنها تُوّجَت بالحب والزواج في نهاية المطاف. كان أول لقاء يجمعهما حينما ذهبت عبلة لتجري حوارًا صحفيًا معه، ومن حينها صارا صديقين، وكان دنقل معروفًا بشراسته ولسانه السليط، كما أخبرها إحدى أصدقائها؛ حتى أنه في اللقاء الرابع بها أخبرها قائلًا: "يجب أن تعلمي أنك لن تكوني أكثر من صديقة"، لتستشيط غضبًا وترد عليه: "لست صديقتك ولن أسمح لأحد بتحديد مشاعري تجاه الآخرين"، وبالرغم من ذلك، تنشأ علاقة حب بينهما وتستطيع "الفتاة المشاكسة"، كما كان يدعوها دائمًا، أن تستحوذ على قلب شاعر الرفض، لتتوَّج قصة الحب بالزواج، وهى القصة التي ترويها «الرويني»، في كتاب «الجنوبي»، الصادر عن دار الشروق. طه حسين وسوزان بريسو هي القصة الأكثر ظلمًا، لم يذكرها التاريخ بالرغم مما بها من تمايز وتفرد عن باقي القصص الأخرى؛ فقد سميت ب"قصة حب الزواج المستحيل"؛ حيث كانت تعج بالاختلافات التي من الصعب أن تجتمع معا؛ فقد كانت "سوزان" من أسرة غنية أرستقراطية، بينما كان بطلنا ينتمي إلى أسرة فقيرة، هي تتميز بجمالها الخاطف وهو ذي بشرة سمراء، إلا أنهما ضربا بهذه الاختلافات عرض الحائط، ودام زواجهما لأكثر من 56 عاما وأنجبا "أمينة وأنيس". بقيت سوزان على حبه وظل عشق طه حسين راسخًا بقلبها حتى بعد وفاته؛ فقد ألفت كتابا له أسمته "معك"، وقالت له في الفصل الأخير: "لنهاية كُنا معًا دائماً وحدنا، قريبين لدرجة فوق الوصف كانت يدي في يده متشابكتان كما كانتا في بداية رحلتنا وفي هذا التشابك الأخير، تحدثتُ معه وقبلت جبينه الوسيم، جبين لم ينل منه الزمن والألم شيء من التجاعيد جبين لم ينل منه هموم الدنيا من العبس، جبين لا زال يشع ضوءً ينير عالمي". جبران خليل جبران ومي زيادة على الرغم من وقوع الكثيرين في غرام مي زيادة، حتى أنها اشتهرت ب"معشوقة الأدباء"، إلا أنها لم تكترث لأمر أي منهم وذاب قلبها حبا للشاعر اللبناني جبران، فقد جمعت بينهما قصة حب فريدة من نوعها، راسلها الكثير من الكتّاب والأدباء ولكنها لم تعيرهم اهتمامًا، واحتفظت بتلك الرسائل سرا دون أن تفصح عنها، لتدخر كل مشاعرها لمعشوقها الأوحد جبران. «جبران، ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا وكيف أفرط فيه؟ الحمد لله أنني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به؛ لأنك لو كنت الآن حاضرًا بالجسد لهربت خجلًا من هذا الكلام، ولاختفيت زمنًا طويلًا فما أدعك تراني إلَّا بعد أن تنسى»، بهذه الأحرف المعبقة بالعشق والوجد خاطبت مي زيادة جبران. يقال إن مي لم تلتقِ بجبران ولا مرة واحدة، وبالرغم من ذلك ظل العشق قائمًا بينهما في صورة الرسائل المتبادلة يبث فيها كل منهما الحب والشوق للآخر، واستمرت هذه العلاقة 20 عامًا؛ فقد التقا من خلال التوافق الروحي والفكري الذي جمعهما؛ حيث كانت محبة للأدب والشعر حتى أنها أقامت صالونا أدبيا في منزلها، يجتمع فيه مختلف الأدباء كل ثلاثاء. كانت بداية القصة حينما أرسلت مي إلى جبران تعبر عن إعجابها بمقالاته وكتاباته، وتناقشه في آرائه في الزواج والحب وأطواره، المدهش في الأمر أنه بالرغم من قصة الحب التي نشأت بينهما، إلا أن جبران كان كثير الخوف والتردد من الزواج؛ حتى أن مي حينما تجاوزت الثلاثين من عمرها تشجعت وأرسلت إليه رسالة حب تحمل بين طياتها رغبتها في الزواج منه، غير أنها لم تجدي نفعًا. قد يبدو للناظر أنها قصة عشق لا مثيل لها، ولكن المتأمل جيدًا يجد أنها سببت قدرًا لا بأس به من الآلام النفسية والإرهاق العصبي لمي زيادة؛ فقد عانت كثيرًا في تلك العلاقة التي لا مصير لها حتى وفاتها ومن قبلها وفاة جبران. كافكا وميلينيا بدأت ملامح الحب بينهما، حينما بدأت ميلينيا التي كانت تعمل صحفية ومترجمة أيضًا في ترجمة أعمال كافكا من اللغة الألمانية إلى التشيكية، وبالرغم من الحوائل التي كانت تمنع قصة حب مثل هذه أن يقدر لها البقاء؛ فقد كانت ميلينيا متزوجة، إلا أنهما ظلا يتبادلان الرسائل، حتى غدت وكأنها داء يؤرقه لا يستطيع أن يغمض له جفن إلا بعدما يراسل ميلينيا ويشاطرها مشاعره وأحداث يومه، وبقيا هكذا حتى انتهت القصة بوفاة كافكا بعدما أصيب بالسل، ولكن القصة لم تنتهِ بعد؛ فقد ترك لنا كتاب "رسائل كافكا إلى ميلينيا" الذي يجسد قصة حب فريدة وغير مألوفة في أحداثها؛ فقد كانت تلك الرسائل تمثل الحب المتخيل عن بعد بينهما، دون أن يشاء القدر أن يجمع بينهما. غسان كنفاني وغادة السمان «أنت من جلدي، وأحسك مثلما أحس فلسطين، ضياعها كارثة بلا أي بديل، وحبي شيء في صلب لحمي ودمي، وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال»، بهذه الأحرف جمع الشاعر غسان مطر بين أحب الأمرين إلى قلبه، ألا وهما الشعر والعشق، فقد كانت هذه إحدى رسائله إلى غادة، التي موج فيها بين رائحة تمتزج فيها حب فلسطين وعشق غادة. بدأت قصة حب هذا الشاب الفلسطيني في الستينيات، حينما التقى بالأديبة السورية غادة السمان في جامعة دمشق، ثم جمعت الأقدار بينهما مرة أخرى عن طريق المصادفة في إحدى الحفلات المسائية، وقتها قال لها غسان: «مالك تبدين كطفلة ريفية تدخل المدينة أول مرة؟»، منذ ذاك الحين وتوطدت العلاقة بينهما وبدأت تنشأ ملامح الحب، التي آلت فيما بعد إلى العشق والوله الذي لم يسبق لهما مثيل؛ فقد شرعا في تبادل رسائل الحب والشوق، التي استمرت طيلة حياتهما، إلى أن فرّق بينهما الموت، بعدما تُوفي غسان على يد الموساد الصهيوني، غير أن غادة ظلت باقية على العهد، وشرعت تجمع رسائلهما، حتى أصدرتهم في كتاب، نشرته يوم ذكرى وفاته وأسمته "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان"، ليبقى شاهدا على قصتهما أبد الدهر.