فى أوائل القرن الواحد والعشرين قامت الهند بتأسيس جامعة تمتلك كل مقومات جامعات النخبة، رغبة من الحكومة الهندية فى اللحاق بأحدث ما توصل إليه البحث العلمى الجامعى، وبالمثل أنشأ الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عاهل السعودية، جامعة حديثة لتكون منارة تساعد على تغيير المجتمع السعودى المحافظ، تسمح بالاختلاط بين الجنسين دون القيود الصارمة المتبعة فى باقى الجامعات السعودية. لم تطأ قدم فريفيرت الذى يبلغ من العمر 22 عاما من مدينة مينيابولس فى ولاية مينيسوتا الأمريكية، خارج الولاياتالمتحدة حتى اليوم الذى سافر فيه إلى المملكة العربية السعودية، حيث أصبح واحدا من أول 400 طالب للدراسات العليا لبداية فصول جديدة فى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا المتألقة والتى تقع على ساحل البحر الأحمر. ويمثل وجود فريفيرت فى هذه المملكة المحافظة جرأة ومغامرة عالية الثمن من قبل العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبد العزيز، الذى خصص 10 مليارات دولار لإنشاء الجامعة. والهدف المعلن من إنشاء هذه الجامعة أن تضم البلاد والتى تعد من أفقر الدول فى مجال التعليم، جامعة ومركز بحثى على مستوى عالمى بتوظيف كل الطاقات العقلية والمعدات التكنولوجية الفائقة التى يمكن أن تشتريها أموال النفط. ولكن الهدف الذى لم يناقش بالشكل الكافى، مع أنه ليس أقل أهمية، هو هل تستطيع الجامعة أن تساعد المجتمع المقيد بتقاليده فى أن يصبح أكثر انفتاحا على الأفكار الجديدة؟ هل تساعد المملكة فى سحق التطرف المحلى الذى أنتج الإرهاب؟ قال عودة البادى أستاذ العلوم السياسية فى مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية فى الرياض: «إننا لن نرى تغييرا دون القيام بمزيد من مثل هذه الأفعال». وأضاف: «أعتقد أنهم يحاولون خلق نظام مواز، حيث إنه مع مرور الوقت يكتسب من ثقافات الآخرين أو يحدث توازن مع الثقافة الموجودة بالفعل». وبدأ أول 400 طالب و74 من أعضاء هيئة التدريس الدراسة فى سبتمبر الماضى، وسارعت أطقم عمال البناء لتجهيز الحرم الجامعى الذى تكلف مليارات الدولارات لاستقبال العام الدراسى الجديد. وفى الوقت المناسب، ستصبح الجامعة بلدة صغيرة يقطن بها 20 ألف شخص محصنين أمنيا فى رفاهية معزولة على ضفاف البحر الأحمر. وسيضم الحرم الجامعى نادىا لليخوت، وملعب جولف ودار سينما ( مع العلم أن دور السينما والمسارح غير مسموح بها فى المملكة) بالإضافة إلى ساحة لمطاعم الوجبات السريعة والمتاجر. ولن تكون هناك أى قيود فيما يخص اختلاط الجنسين، حيث يدرس الفتيات والشباب ويعملون ويتواصلون اجتماعيا مع بعضهم البعض. وفى الحرم الجامعى لن تضطر السيدات إلى ارتداء العباءات السوداء الفضفاضة، التى تعد زيا إلزاميا فى كل أنحاء المملكة. لذا تعمل الجامعة على قدم وساق لتستكمل تأسيسها باعتبارها مصدرا للفخر وربما مصدرا للدخل أيضا، قبل أن تحاول القوى المحافظة خارج جدرانها أن تكبح جماحها. ولم يمض وقت طويل على حفل الافتتاح الضخم الذى حضره آلاف من الضيوف وعشرات من رؤساء الدول حتى وجه عضو بهيئة كبار العلماء السعودية (هيئة إسلامية تضم لجنة محدودة من فقهاء المملكة تعين من قبل الملك)، انتقاده للجامعة. ومعظم الضجيج ركز على إدانته لفكرة الاختلاط الذى وصفه بأنه «فساد كبير». وطالب أيضا الشيخ سعد الشثرى بإنشاء لجنة دينية للتأكد من أن المناهج الدراسية بالجامعة تتفق مع الدين الإسلامى. وبنفوذه الكبير طرد الملك عبدالله على الفور الشيخ الشثرى من هيئة كبار العلماء السعودية. ولكن قال بعض أعضاء هيئة التدريس والطلاب فى الجامعة إنهم يسألون على الرغم من قراره لصالح الجامعة الذى جاء بناء على مصالح سياسية: إلى متى سيضطر الملك إلى الرضوخ للنفوذ الدينى القوى بالأمة. ولكن ما الذى سيحدث بعد رحيل الملك عبدالله؟ فهو قد تجاوز 85 عاما ولا يبدو أن ولى العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز سيكون خليفته، الذى قضى أشهر خارج البلاد لتلقى العلاج من مرض السرطان. لكن يبدو أن الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودى، الذى تقوم فلسفته السياسية على مجتمع دينى محافظ بالأمة هو الخليفة. وتساءل بادى «لدينا زعيم يرغب فى اتخاذ خطوات أكبر فى هذا الشأن، لكن هل هى سياسة البلد أم هى مجرد سياسة الملك؟ وتابع «هذه القضية لم تحل». وما يدعو إلى القلق، أنه وحتى بعد طرد الشيخ الشثرى، وهو ما يثبت التزام الملك عبدالله تجاه هذه الجامعة، فإن منتقديه لن يلتزموا الصمت. وقال الداعية السعودى سليمان الدويش: «إن الأصوات التى تدعو إلى الانفتاح أصوات غريبة لا تمثل الرأى العام»، مؤكدا على أن اختلاط الرجال والنساء فى الجامعة يعد «تشويها» لحلم الملك. إن فكرة محاولة تشجيع التغيير من خلال بناء جيوب للحريات مثل الجامعة لا تعتبر فكرة جديدة. فحتى فى الحكم الملكى المطلق، فإن الحساسيات العامة (الثقافية) والتحالفات السياسية لا يمكن تجاهلها. لذا فإن القيادة تحاول الترويج للتغيير من الخارج إلى الداخل. واعتمدت العائلة الملكية على هذا النهج (التغيير من الخارج إلى الداخل) لمدة سنوات. حيث تملك صحيفتين عربيتين فى لندن، وقناة تليفزيونية فضائية (العربية) فى دبى. وعلى بعد مسافة قليلة من الجامعة، تبنى أطقم العمال مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، والتى مثل الجامعة ستسمح للسكان بأن تعيش حياة غربية أكثر، وسط حماية أمنية. وهناك شركة أرامكو السعودية للنفط، والتى تعمل وكأنها تقريبا فى دولة أخرى، وكان لها الفضل فى تحرير وتحديث شرق المملكة العربية السعودية. ولكن يقول العديد من الناس هنا: إن هذه هى بالتحديد المشكلة، فقد استطاعت أرامكو أن تغير مجتمعها ولكن كان لها تأثير ضعيف خارج حدود هذا المجتمع. وقال صالح عبدين نائب عميد كلية دار الحكمة للبنات فى جدة: إنه «لا يمكنك جلب التغيير من الخارج، بل يجب أن تبنيه من الداخل». وتابع: «كل برامجنا ومناهجنا تراعى الاحتياجات المحلية، فهى ليست مؤسسة أجنبية تماما لا تدرك الواقع المعاش». وقال الطالب فريفيرت حيث كان فى مكتبة الجامعة ملتفا حول الكمبيوتر المحمول الخاص به، إنه هنا منذ شهرين وثلاثة أيام بالضبط، وزار جدة عدة مرات. ولكنه قال عندما أتيحت له الفرصة لأخذ إجازة سافر إلى دبى. وقد استغرب والداه قليلا بشأن قراره بالدراسة فى المملكة العربية السعودية على حد قوله. لكن المساعدات المالية ومغامرة السفر قد أغرته. حيث تتكفل المملكة بمصاريف آخر سنتين من التعليم الجامعى، وكما تفعل مع كل طلابها، تعفيهم من الرسوم الدراسية، وتوفر المسكن والمأكل كما تخصص لهم رواتب. وقال فريفيرت إنه يدرس علم البصريات، وبعد استكمال حصوله على درجة الماجستير، سيعود للولايات المتحدة للحصول على درجة الدكتوراه. وكتب مؤخرا على مدونته: «إن أمى ستنام بعمق (بشكل أفضل) على الأقل عند عودته». نيويورك تايمز