وجد الفنانون المصريون أنفسهم طرفا مباشرا فى المواجهة المشتعلة بين مصر والجزائر عقب مبارة كرة القدم، التى أقيمت بين البلدين فى السودان، لا سيما وأن بعضهم تعرض بالفعل للاعتداء من جانب مشجى بلد المليون «بلطجى».. ولم تكن مفاجأة أن يكون موقفهم على قدر الإهانة، التى تعرضوا لها حيث أعلنت النقابات الفنية مقاطعتها التامة لجميع الفعاليات الفنية بالجزائر، إضافة إلى منع عرض أى عمل فنى جزائرى بالقاهرة، فيما أعلن أكثر من فنان تنازله عن الجوائز، التى حصل عليها فى مهرجان وهران للفيلم العربى. كما كشف منير الوسيمى، نقيب الموسيقيين، عن نيته مقاضاة السفير الجزائرىبالقاهرة ورئيس اتحاد كرة القدم بالجزائر وأى جزائرى يثبت تورطه فى الاعتداءات، التى تعرض لها المطربون المصريون فى الخرطوم. تباينت آراء الفنانين حول قرار المقاطعة الفنية الكاملة للجزائر، والذى تبنته جميع النقابات المهنية، حيث رأى البعض القرار أبلغ رد على الاعتداءات، التى تعرض لها المشجعون المصريون فى الخرطوم وبينهم مجموعة من الفنانين. فيما دعا آخرون إلى التروى قبل اتخاذ مثل تلك القرارات، وبعضهم انتقد موقف الذين أعلنوا تنازلهم عن جوائزهم الجزائرية باعتباره موقفا يزيد الوضع الحالى اشتعالا، وهو الرأى الذى تبناه المخرج يسرى نصرالله الذى قال: الذين تنازلوا عن تكريمهم ليسوا على حق، فما يفعلونه الآن مثل الذى يصب البنزين على النار، ويجب أن ينتبهوا لدورهم ورسالتهم ويستخدموا نجوميتهم للمساهمة فى حل الأزمة لتعود المياه إلى مجاريها والأمور إلى مسارها الطبيعى. وأعرب نصرالله، فى الوقت نفسه، عن رفضه للقرارات التى أتخذتها النقابات الفنية، مضيفا: لا ينبغى أن نرد على مثل هذه التجاوزات بهذا الشكل، وليس من الطبيعى أن نلغى ما تقوم به الثقافة والفن لدعم الترابط العربى ،لأن هذا هو الوقت، الذى يجب أن يبرز فيه دورهما، فالفن والثقافة هما الشيئان الوحيدان فقط، اللذان بإمكانهما أن يجمعا العرب معا. الرأى نفسه تبناه المخرج مجدى أحمد على الذى أكد رفضه التام لموقف النقابات الفنية فى مصر من المهرجانات الجزائرية، وقال: لا أعرف ما علاقة الخلافات فى الرياضة بالفن بالثقافة، بالروابط الأخوية بين مصر والجزائر كدولتين عربيتين شقيقتين؟. وأضاف: أنا أعتبر ما يحدث الآن بمثابة استسلام للغة غوغائية، مؤكدا فى الوقت نفسه أن الجانب الجزائرى زاد من حدة الأزمة خلال الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أنه يرفض أن تستسلم القاهرة للمنطق الذى تبنته جهات جزائرية وترد بنفس الأسلوب الذى نرفضه جميعا فى مصر. واختتم حديثه قائلا: لا أرى مبررا أن يقاطع الفن المصرى المهرجانات فى البلاد الأخرى، وإذا حدث هذا مع دولة عربية يربطنا بها علاقات تاريخية فماذا نفعل مع إسرائيل مثلا؟، فرأيى أن المقاطعة خطوة فيها مبالغة كبيرة جدا، ثم إننى متزوج من جزائرية.. فهل أطلقها احتجاجا على ما يحدث؟ واعترضت الناقدة خيرية البشلاوى أيضا على قرار النقابات الفنية، موضحة أنها لا توافق على المقاطعة شكلا ومضمونا. وأكدت أنها لا تريد الذهاب مع طوفان الكل فيه خسران، مشيرة إلى أن الفن يجب أن يكون ملطفا للأجواء، وإذا لم يحقق هذا الهدف فلا يكون ما نقدمه فنا. وأشارت إلى أدب وتعاطف اعضاء الوفد الجزائرى مع المصريين أثناء تكريمهم فى مهرجان القاهرة، وهو ما يؤكد أن ما فعله بعض الجزائريين فى الخرطوم لا يمثل الشعب الجزائرى، وبالتالى لا يجب أن نعمم الأمور، وأضافت: نحن لا نحسبها بشكل صحيح، فيجب أن نفكر فى المصلحة العامة، وهى ألا يحدث قطيعة بين البلدين بسبب مباراة كرة قدم. كما رفض المخرج خالد يوسف فكرة المقاطعة من الأساس لأن لها إبعادا متشابكة، مشيرا إلى أنه من الصعب اتخاذ مثل هذا الموقف التصعيدى خاصة أن للمقاطعة أبعادا اقتصادية، داعيا فى الوقت نفسه إلى «ضبط النفس». الموقف نفسه تبناه الفنان الشاب أحمد الفيشاوى، وقال: «ده كلام ساذج لأن ده طول عمره بيحصل ولا أفهم سببا لهذا التصعيد هذه المرة»، مضيفا: «مش مباراة كرة تجعلنا نقاطع بلدا شقيقا، وإحنا عملنا فيهم نفس الموضوع.. ليه بقى بنقول مقاطعة؟!». أما الفنان هانى سلامة فرفض التعليق على الأمر، مفضلا الاحتفاظ برأيه الشخصى لنفسه. ورغم أن الفنان خالد أبوالنجا يقف ضد المقاطعة فإنه لم يخف حزنه الشديد جراء ما حدث من أعمال وحشية من جانب المشجعين الجزائريين، وقال: «يجب حدوث تكاتف بين المثقفين والفنانين وأن يلعبوا دورا فى تلك الأزمة، وأظن أن هناك طرفا ثالثا مستفيدا من ذلك». الموقف نفسه تبنته الفنان الشابة يسرا اللوزى، التى أكدت أن مصر بلد كبير ولا يجب الانسياق وراء قرارات المقاطعة، وطالبت المثقفين والفنانين أن يكون لهم دور فى التقريب بين شعبى البلدين. أما الفنانة فيفى عبده، فأوضحت: «مصر جبل وأى حاجة تانية ريح»، مضيفة: «أتذكر الآن مقولة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات يا جبل ما يهزك ريح.. وحناخد حقنا ومش حنفرط فيه وللمنتخب كل سنة وإنتو طيبين وحقكم حيرجع». بدورها، أعربت الفنانة اللبنانية سيرين عبدالنور عن حزنها الشديد نتيجة حدوث هذه الأزمة بين دولتين عربيتين، وقالت: «إحنا محتاجين للوحدة وليس للفرقة وحزينة جدا لما حدث للمصريين». الفنان جمال سليمان الذى رفض التعليق على قرارات النقابات الفنية فى مصر بمقاطعة الجزائر، معتبرا أن تلك النقطة تخص الفنانين المصريين، وليس من حقه التطرق إليها، متهما فى الوقت نفسه وسائل الإعلام فى البلدين إلى إشعال نار الفتنة. غير أن الفنان السورى عاد وأعرب عن استيائه من الأحداث المؤسفة، التى شهدها الخرطوم عقب المباراة التى جمعت مصر والجزائر، داعيا جامعة الدول العربية إلى التدخل الفورى لنزع فتيل الأزمة بين البلدين، كما طالب بالتحقيق فى القضية ومعاقبة الجانب المخطئ أى كان. يذكر أن النقابات الفنية فى مصر كانت قد أعلنت مقاطعتها للمهرجانات والتظاهرات السينمائية فى الجزائر، مبررة قرارها ب«الاعتداءات»، التى وقعت على مشجعين وفنانين وإعلاميين مصريين فى الخرطوم. فيما أعلنت الشركة العربية للإنتاج الفنى والتوزيع السينمائى مقاطعتها لأى مهرجان أو تظاهرة فنية فى الجزائر. وفى محطة نجوم «fm» الإذاعية لم يختلف الحال، إذ قطعت هى الأخرى علاقاتها مع الجزائر، وامتنعت عن إذاعة أى أغنية لأى مطرب أو مطربة جزائرية مهما كان حجمه أو تاريخه.