أوضح مسئول أمريكى لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى أنه فى حال تحقق السلام، فإن مزيدا من الاستثمارات ستدفع بالنمو قدما فى إسرائيل على المدى الطويل ليصبح معدل نموه 7% سنويا بدلا من المعدل الحالى 5%. وأجاب رئيس الوزراء بأن نسبة النمو لو كانت 5%، لما كانت هناك حاجة للسلام. كان نتنياهو، على حد قول المسئول الذى أعاد الحكاية، يمزح.. لكنه مزاح يكشف عن مسألة خطيرة. فلا أفق للتسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكثير من الإسرائيليين مرتاحون تماما لذلك. وخلال زيارة كنت قد قمت بها مؤخرا لإسرائيل، كان عدد المتفائلين بعملية السلام الذين التقيت بهم محدودا للغاية. ويقول السيد نتنياهو إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية. لكن الشروط التى يحددها والكثير من أوضاع أمن الدولة المفترضة تحت السيطرة الإسرائيلية لن يقبل بها أى زعيم فلسطينى. ولا تبدى حكومة نتنياهو الائتلافية ما يفيد عزمها على تقديم أى تنازلات كتجميد المستوطنات تمكن من التوصل إلى اتفاق سلام. كما يبدو فإن الفلسطينيين لايزالون غير جاهزين للسلام؛ ذلك أن المحاولات الحالية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم فتح وحماس لم تسفر عن شىء. ومن غير الواضح ما إذا كان محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية سينفذ تهديده بالاستقالة أم لا. وفى داخل إسرائيل، هناك ضغط ضعيف للغاية من أجل التوصل إلى التسوية السلمية. فالإسرائيليون يواصلون حياتهم، دون تهديد الانتحاريين حتى الآن. وبالفعل، ليست هناك هجمات صاروخية من المناطق التى تسيطر عليها حماس أو حزب الله. والعازل الذى يشق طريقا ملتويا فى الضفة الغربية يشعر الإسرائيليين بالمزيد من الأمن ويجعلهم أقل اهتماما بما يجرى على الجانب الآخر. وبالنسبة لقطاع غزة، فإن معظم الإسرائيليين لا يريدون التفكير فيه أو الحديث عنه. وكان الصحفيون الأجانب هم الأشخاص الوحيدين، ممن التقيت بهم، الذين يعبرون عن قلقهم، إلى جانب عدد محدود من الليبراليين الإسرائيليين وتونى بلير الذى لا يتوقف، بوصفه مبعوثا للسلام، عن إبلاغ الإسرائيليين بأنه لا بد للناس فى غزة من «تحقيق تقدم». وعندما تضغط على الليبراليين الإسرائيليين فإنهم يعترفون بعدم ارتياحهم من عدم سماح حكومتهم بخروج الصادرات من غزة أو توفير الإمدادات (على أساس أن حماس ستستفيد من أى تجارة). وفى غزة، هناك 40% من البالغين عاطلون ومعظم الباقين يعملون فى وظائف حكومية. والحال أفضل فى الضفة الغربية، حيث لا تزيد نسبة البطالة على 20% ومعدل النمو السنوى 7% يعود فى جانب منه إلى إقناع تونى بلير وآخرين إسرائيل برفع بعض القيود على التنقل. ويأمل الإسرائيليون فى أن ينقلب سكان غزة على حماس حين يشهدون آفاق الازدهار فى الضفة الغربية. والحقيقة أن شعبية حماس خفتت بقدر ما منذ الحرب بين إسرائيل وحماس، كما يفيد من أمضوا بعض الوقت فى غزة. هل يمكن للضغوط الدولية أن تؤدى إلى إحياء عملية السلام؟ فى وقت سابق من هذا الخريف، حث باراك أوباما نتنياهو على القبول بتجميد توسيع المستوطنات فى الضفة الغربية، لكنه فشل فى مسعاه. ويقول الليبراليون فى إسرائيل إن أوباما وقع فى خطأ عندما طالب بأن يسرى التجميد على أحياء القدسالشرقية، التى لا يعتبرها معظم الإسرائيليين مستوطنات. وزادت مقاومة نتنياهو للضغط الأمريكى من شعبيته. ويرى كثير من الإسرائيليين فى أوباما شخصا معاديا وضعيفا؛ ونسبة المؤيدين له أقل من 10%. هل يمكن للاتحاد الأوروبى، أكبر شريك تجارى لإسرائيل، وأكبر مصدر لمعونات السلطة الفلسطينية، أن يمارس ضغطه على إسرائيل؟.. لقد خطط لتقديم «اتفاق محسَّن» لترتيب اجتماعات قمة منتظمة بين الاتحاد وإسرائيل، وإعطاء إسرائيل الحق فى المشاركة فى مجموعة من برامج الاتحاد الأوروبى. لكن الاتحاد قال فى وقت سابق من هذا العام إنه سيعلق الاتفاق حتى تبذل إسرائيل المزيد من أجل التخفيف من محنة غزة. وهذه المشروطية، التى تزعج زعماء إسرائيل، ستكون أكثر فاعلية لو زاد عرضه. فلماذا لا يقول الاتحاد للإسرائيليين إن عليهم أن يتوصلوا إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين إذا أرادوا الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، وإعطاء إسرائيل شأن النرويج وأيسلندا الحق الكامل فى الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبى الموحدة؟ لكن حتى الآن، تقلل انقسامات الأوروبيين بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل من مصداقيتهم كشريك لها. وعلى سبيل المثال، عندما ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى وقت سابق من هذا الشهر، تقرير جولدستون الذى اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب فى غزة، انقسم الاتحاد الأوروبى بين ثلاثة مواقف: جمهورية التشيك وألمانيا وإيطاليا وهولندا صوتت مع الولاياتالمتحدة على رفض القرار، بينما امتنعت مجموعة كبيرة بقيادة بريطانيا وفرنسا عن التصويت، فى حين أيدته أيرلندا والبرتغال وقبرص. وينظر كثير من الساسة ورجال الأعمال فى إسرائيل إلى أوروبا نظرة متشائمة. وأثناء مؤتمر حضرته فى القدس، شكا أحد الوزراء من الحمائم المعروفين فى الحكومة الإسرائيلية من تأثير الأقليات المسلمة على سياسات بلدان الاتحاد الأوروبى. وقلت له إن ألمانيا وهولندا، وهما دولتان تضمان أقليتين مسلمتين كبيرتين ومؤثرتين، من أفضل أصدقاء إسرائيل. ورد بأن جمهورية التشيك وبولندا، اللتين تضمان أقلية مسلمة صغيرة للغاية، لم تنتقد إسرائيل. وزعم أن هناك ارتباطا مباشرا بين استعداد أعضاء البرلمان البريطانى لانتقاد إسرائيل، وحجم الأقلية المسلمة فى دوائرهم الانتخابية. وشكا بعض الإسرائيليين فى المؤتمر من أنهم، على الرغم من نشأتهم المرتبطة بالحضارة الأوروبية، يعيشون الآن بين آخر المدافعين عنها، بسبب ارتفاع معدل مواليد المهاجرين المسلمين وتأثير العقيدة الإسلامية على تلك الحضارة وتشويه قيمها (سبق أن سمعت كلاما كهذا فى صربيا وروسيا). ما يعزز نظرة الإسرائيليين التشاؤمية للعالم هو الخوف من البرنامج النووى الإيرانى. ويطالب كثيرون منهم الغرب بأن يفهم أن المسألة الفلسطينية ليست المشكلة الحقيقية فى الشرق الأوسط، وإنما تحالف المتطرفين الذى يضم إيران وسوريا وحزب الله وحماس الذى يهدد إسرائيل والأنظمة العربية المعتدلة. وينتاب الإسرائيليين القلق من إيران منذ زمن. لكن خوفهم من تركيا التى كانت حليفا وثيقا حتى وقت قريب أمر جديد. ونقد الحكومة التركية لأعمال إسرائيل فى غزة وإلغاؤها مؤخرا التدريبات العسكرية المشتركة أثار حنق الإسرائيليين وخشيتهم من تبنى تركيا لتحالف بقيادة إيران. وهم قلقون من القوة المتزايدة للإسلاميين فى تركيا، وتقليص دور الجيش العلمانى فى الحياة العامة التركية، والصداقة المزدهرة بين رئيس الوزراء أردوغان والرئيس الإيرانى أحمدى نجاد. وجاءت تعليقات أردوغان الأخيرة فى الجارديان حول صحة عملية الانتخابات الرئاسية مخيبة للآمال. لكنى أعتقد أن كثيرين من الإسرائيليين يبالغون فى التوجه التركى نحو الشرق. فأردوغان يحاول تحقيق التوازن فى سياسة تركيا الخارجية ما بين الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة وروسيا وإيران والعالم العربى، وقد يكون هذا هو الخيار الأفضل لخدمة المصالح التركية. لكن كثيرين من الإسرائيليين تنتابهم أسوأ الظنون فى تركيا، كما هو حالهم مع كثير من البلدان. وكثيرون من الإسرائيليين الذين قابلتهم يشعرون بحالة العزلة المتزايدة وسط عالم معاد. Guardian Syndication