لم ير جهاز سلامة الغذاء النور على الرغم من الإعلان عنه منذ أكثر من عام ونصف العام حين قررت وزارة التجارة والصناعة إنشاء وحدة لسلامة الغذاء تمهيدا لإنشاء الجهاز وإجازته، بهدف التصدى لكل ما يفسد ويلوث الطعام فى مصر وبهدف تننظيم سوق الغذاء الذى شهد حالة من الفوضى والغش وصلت لأن يصبح 80% من الأغذية المتداولة فى الأسواق لا تخضع للرقابة. ولدرجة أن تكلفة الغذاء الفاسد فى مصر وفقا لبعض التقديرات جعلت الدولة تنفق نحو 19%من موازنتها على علاج أمراض ذات علاقة بالطعام، وأصبح مصير الجهاز غامضا بعد أن كشفت جهات حكومية وفى مقدمتها وزارة الصحة عن موقفها المتحفظ على وجوده بالشكل الذى يجعل له دورا مؤثرا خصوصا بعدما رأت بعض هذه الجهات أن الجهاز سوف يلغى اختصاصاتها ويهدد مصالحها. الدكتور حسين منصور رئيس وحدة سلامة الغذاء الذى ترك عمله الدبلوماسى كوزير مفوض وكرئيس للمكتب الزراعى فى السفارة المصرية بواشنطن وعاد عام 2008 ليحمل بمسئولية أمان وسلامة غذاء 82 مليون مصرى جعلته يعمل لأكثر من 17 ساعة يوميا متسلحا بقدرة عالية من التفاؤل والإصرار على إكمال رسالته، حاورته «الشروق» فى محاولة للاطمئنان على وضع الغذاء فى مصر. * هناك الكثير من علامات الاستفهام المثارة حول تأخر دخول مشروع قانون جهاز سلامة الغذاء إلى مجلس الشعب حتى الآن لإقراره وبدء عمله، فهل توجد معوقات أمام هذه الخطوة؟ لقد أعلن مجلس الوزراء فى اجتماعه فى شهر يونيو الماضى أن الدورة البرلمانية الحالية سوف تشهد الانتهاء من عدة قوانين من بينها قانون سلامة الغذاء، وفى رأيى لا توجد معوقات واضحة وأرجو أن يلحق مشروع القانون الدورة الحالية بعد انتهاء مجلس الوزراء من إقراره واذا حدث فسنكون جاهزين للتنفيذ. * إلى أن يتم إقرار مشروع قانون الجهاز ما الذى تقوم به وحدة سلامة الغذاء حاليا؟ انتهينا من إنجاز نحو 80% من قانون الغذاء الموحد بعد أن حصرنا جميع التشريعات الخاصة بالغذاء التى تصل لأكثر من 2500 تشريع موزعة بين وزارات الصحة والزراعة والإسكان والتجارة والبيئة، بعضها مراسيم ملكية. ونقوم بعرض القانون على منظمات الأعمال والجامعات والمراكز البحثية وجميع الجهات التى يمكن أن تدلى بآرائها، فى الوقت نفسه انتهينا أيضا من الكثير من الأدلة الإرشادية التى تساعد فى مجال التفتيش والرقابة على الأغذية والمعامل وتحديد المنافذ الموجودة على مستوى الجمهورية لتكون جاهزة عند التطبيق كذلك تم إعداد دراستين عن وضع المعامل فى مصر ونحن بصدد التعاقد مع معامل معتمدة لمنع أى تضارب فى نتائج التحاليل الخاصة بالأغذية. * ما مشكلة الغذاء فى مصر؟ المشكلة بوضوح تتلخص فى عدم رضاء المستهلك المصرى عن مستوى سلامة غذائه والحل هو إنشاء جهاز وحيد يكون منوطا بسلامة الغذاء فى مصر بما يحقق الفائدة من الغذاء ولا يسبب أمراضا لمتداوليه ونحن لا نخترع العجلة. ولكن هذه الأجهزة موجودة فى كثير من الدول العربية والغربية كالأردن والسعودية وبشكل مثالى فى الإمارات وكذلك فى دول الاتحاد الأوربى، وأمريكا ونيوزيلندا وأستراليا والهدف أن توجد جهة يكون لها حق محاسبة المخطئ فنحن لم نسمع حتى الآن عن جهة واحدة أعلنت عن مسئوليتها عن تقصير حدث فيما يخص الغذاء، والإحصائيات تشير إلى 500 ألف قضية ترفع سنويا خاصة بمخالفات الغذاء لا توجد بيانات عن كم قضية تم الحكم فيه وتم تنفيذه. * فى رأيك متى يكون الغذاء آمنا فى مصر؟ لن يكون الغذاء آمنا على الإطلاق بنسبة 100% إنما نطمح أن يكون تداول الغذاء وتناوله وفقا للمعايير الدولية ولا تقيم مصر كأسوأ الدول فى هذا المجال وآمل بالوصول إلى عام 2018 أن تكون مصر أفضل دولة فى مستوى سلامة الغذاء وفقا لاستراتيجية تستغرق 10سنوات والجهاز يضع استراتيجيات متدرجة ما بين سنة وخمس إلى عشر سنوات. * هل سيقتصر دور الجهاز على سلامة وتداول الأغذية المحلية أم سيمتد إلى الأغذية المستوردة وهى التى تثير الكثير من القلق؟ دور الجهاز هو مراقبة جميع خطوات تداول الغذاء بدءا من الفلاح والزراعة حتى يصل المنتج إلى المستهلك بما فيها الرقابة على المنتجات الغذائية التى تدخل عبر الحدود، فالجهاز دوره تتبعى لبرامج تحليل المخاطر بما يعنى أن له دورا فى التفتيش على كل مرحلة للمنتج ويبدى توجيهاته وملاحظاته بشأنها للمنشآت العادية والعالية المخاطر والأخيرة المقصود بها منشآت تنتج منتجات تكون أكثر عرضة للتلوث مثل الأسماك واللحوم. * قلت إن المصريين يفتقدون «فقه الصابون» ويحتاجون لتغيير سلوكياتهم الغذائية كيف يتم ذلك وما دوركم؟ الجهاز لديه إدارة مركزية للتوجيه والإرشاد ولقد أجرينا دراسة حول مفهوم الناس البسطاء عن سلامة الغذاء وكانت نتائجها صادمة فقد أجرى الاستطلاع على 9 محافظات وكان السؤال: «لو تم رفع سعر السلعة الغذائية بنحو 5% فى مقابل نظافتها هل تقبلون بذلك» أجاب 87% من العينة بنعم. وهذه النتيجة تؤكد أنه لا يجب أن يتحدث أحد باسم الآخرين ولكن يجب سؤالهم عما يريدون والمشكلة الحقيقية أننا لا نرى الميكروب لكن ذلك لا يعنى أنه غير موجود فالبكتريا موجودة على السطح واليدين وتنتقل بالتلامس لذلك لابد من الغسيل المستمر بالمطهرات والصابون خصوصا قبل تناول الغذاء. * أثبتت الاحصائيات أن 80% من الأغذية المتداولة فى الأسواق تتسم بالعشوائية ويتم إنتاجها فى منشآت غير رسمية لا تخضع للرقابة كيف سيتم التعامل مع هذه المشكلة؟ أولا يجب التفرقة بين الباعة الجائلين والعشوائية فالمنتجات العشوائية تواجه مشكلة عدم الحصول على تراخيص للعمل بسبب العديد من التعقيدات، وفى رأيى «الناس عايزة تمشى صح» لكن لا يوجد من يساعدها والجهاز دوره معالجة السلبيات فى سوق الغذاء فعلى سبيل المثال أشارت دراسات إلى وجود مادة الميلامين فى اللبن وهى مادة سامة لكن لايوجد معمل فى مصر يحلل هذه المادة. ووزارة الصحة لا تطلب إجراء هذا التحليل حتى مادة الدايكسوين لا يتوافر لها سوى معمل وحيد تابع لوزارة الزراعة ووضع المعامل حاليا غير مرضى ويحتاج إلى اعتماد من جهات دولية فعل سبيل المثال وزارة الصحة لديها 18 معملا ورغم ذلك معمل وحيد هو المعتمد ونفس الأمر بالنسبة لوزارة الزراعة التى يتبعها 14 من بينهم خمسة فقط معتمدين لنكتشف أن 99 معملا فى مصر بينهم 14 فقط معتمدين. * من أكثر القضايا التى أثيرت مؤخرا وأثارت مخاوف المواطنين مشكلة رى الخضراوات والفاكهة بمياه الصرف الصحى، فما أثر ذلك على صحة المواطن وكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة؟ للأسف لا توجد عقوبة منصوص عليها خاصة بارتكاب هذه الجريمة التى تسىء لصحة المصريين بشكل متعمد نتيجة انتشار الميكروبات والفيروسات بها والرى بهذه الطريقة مسألة شائعة فى بعض الدول، لكن مع فارق مهم وهو معالجتها بالدرجة الثالثة قبل استخدامها بما يعنى الخلاص من المواد الصلبة ثم القضاء على البكتريا ثم معالجتها كيماويا ويجب أن يكون التجريم هنا لملوثى المياه خاصة المصانع وليس لمستخدميها ودور الجهاز ينحصر فى مراقبة جودة الخضراوات المبيعة فى الأسواق بتحليلها ومعرفة مدى سلامتها وفى حالة اكتشاف فسادها يتم إعدامها. * منذ سنوات والسفارات الأجنبية تحذر رعاياها من خطورة تلوث الغذاء فى مصر بدءا من طبق السلطة إلى اللحوم ورغم التحذيرات المستمرة وما يمكن أن ينعكس بالسلب على السياحة فإن هذا الانطباع لا يزال موجودا، فبم تفسره؟ تفسيرى أن الوضع لم يطرأ عليه جديد ولا توجد أسباب لتغيير هذا الانطباع فمن غير المنطقى أن يقضى السائح زيارته فى مصر بالمستشفى أو فى الحمام، ونحن كمصريين نشعر بأثر وتلوث وفساد الأغذية وهى مسألة لها تكلفة عالية ليس فقط على السياحة ولكن على الصحة الجسدية والنفسية والعقلية (الاكتئاب والغباء) فنتائج المسح الطبى الذى قامت به وزارة الصحة على عينة عشوائية تصل أعدادها إلى أكثر من 10 آلاف مواطن كشفت عن أن 29% من المصريين يعانون من التقزم، 7% من النحافة، 1% يعانون من الإسهال وهذه الظواهر بعضها يرجع إلى تلوث الغذاء والبعض الآخر يرجع إلى عدم توازن الغذاء وسوء التغذية. * وماذا عن التكلفة المادية لتلوث الغذاء وفساده؟ هناك تداعيات اقتصادية أهمها تكلفة العلاج وتكلفة التعطل عن العمل بسبب المرض إلى جانب الخسارة المادية الناتجة عن الخلاص من الغذاء الفاسد بالإضافة إلى تكلفة رفع القضايا الخاصة بالتضرر من ذلك وأنا أرى أن الانفاق على النظافة يقل كثيرا عن تكلفة تداعيات تلوث الأغذية فنفقات علاج الفشل الكلوى لأحد أفراد الأسرة تزيد على الانفاق على نظافة العائلة بكاملها بما فيها الأولاد والأحفاد. * ما النصيحة التى تقدمها للمستهلك المصرى؟ يجب أن يكون المستهلك أكثر تشككا وحرصا وأن يحارب الملوثات التى لا يراها من بكتريا وفيروسات بأكبر قدر من النظافة الشخصية ونظافة الأدوات التى يستخدمها. * هل أصابتك خبرتك فى هذا المجال ب«الوسوسة»؟ بالعكس أنا شخص عادى لكنى حريص على النظافة فى نفس الوقت أطالب المواطن بأن يكون أكثر وسوسة خصوصا بالنسبة للأطفال وكبار السن والحوامل وأصحاب الحالات الخاصة ولا يتم التعامل مع كل ما نأكله ونلمسه بأنه نظيف وباعتباره قضية مسلما بها فعلى سبيل المثال الغليان يقتل البكتريا فى اللحوم ولكنه لا يقتل سمومها. * بعد تجربة عام ونصف العام هل لا تزال تحتفظ بتفاؤلك بحل مشكلة الغذاء فى مصر؟ بطبيعتى أنا شخص متفائل وكل شهر لدى جديد أقوم به حتى من يتصورون أنهم يعوقوننا ويضعون العقبات فى طريقنا نأخذ آراءهم على محمل الجد ونتعامل معهم بشكل علمى حتى لا نخطئ خطأهم وعلى أى حال هناك رسالة على أن أكملها وإذا فشلت فلن أندم لكنى سأترك مكانى على الفور.