«مازال التحول الديمقراطى يراوغ الدول العربية، خاصة أن النظم «الجمهورية» فقدت الكثير من محتواها بتوريث السلطة الرئاسية من الأب إلى الابن، وهو ما حدث فى سوريا عام 2000، وكان من الممكن حدوثه فى العراق إذا استمر نظام صدام حسين، وهو ما يمكن أن يحدث خلال المستقبل القريب فى كل من مصر وليبيا واليمن». بهذه الفقرة بدأت مؤسسة «كارنيجى» لأبحاث السلام الدولى تقريرا حديثا بعنوان: «الولد سر أبيه: الجمهورية الوراثية فى مصر وليبيا واليمن»، والذى يرصد عملية انتقال السلطة (منصب رئاسة الدولة) فى الجمهوريات الثلاث. ومن الملاحظ، بحسب التقرير، أن هذه الدول جميعها أقامت شرعية حكمها الجمهورى على إطاحتها بعائلات ملكية حكمت تلك البلاد طويلا، الأسرة العلوية فى مصر، والأسرة السنوسية فى ليبيا، وأسرة حميد الدين فى اليمن، بقدر ما رفعت سوريا ولوقت طويل شعارات يسارية جمهورية منذ أوائل خمسينيات القرن الماضى. ويجمع بين الورثة الثلاثة المحتملين، جمال مبارك، وسيف الإسلام القذافى نجل الزعيم الليبى، وأحمد على عبدالله صالح نجل الرئيس اليمنى، أنهم درسوا أو تدربوا فى بريطانيا. وهو ما حدث أيضا مع «أول وريث جمهورى» عربى، الرئيس بشار الأسد الذى تخصص فى الطب بالعاصمة البريطانية، وفقا ل«كارنيجى». وخصص التقرير مساحة كبيرة للحديث عن «الوريث» المصرى، حيث سماه «رئيس الظل»، مستعيرا تقليدا قديما فى ديمقراطية «وستمنستر» البريطانية، حيث عادة ما يقابل الحكومة الرسمية «حكومة ظل». ويمتاز جمال فى نظر واضعى التقرير عن نظيره الليبى بأن له منصبا فى الحياة السياسية فى بلاده، كأمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم، وهو ما يفتقده سيف الإسلام، كما أنه أكثر نشاطا من نظيره اليمنى، قائد قوات الحرس الجمهورى. ويشير التقرير إلى حالتين أطيح فيهما برجال رددت الأوساط السياسية أو الإعلامية أسماءهم كمرشحين محتملين لخلافة الرئيس مبارك، هما المشير عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع الأول فى عهد مبارك، والذى حاز شعبية واسعة فى مصر، حيث طور برامج تصنيع سلاح طموحة، ورفع من نسبة مشاركتها فى الاقتصاد الوطنى، ليزاح عن منصبه فى 1989. وبالمثل وزير الخارجية الأسبق خلال عقد التسعينيات عمرو موسى، الذى أزيح عن منصبه عام 2001، إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بعدما تردد إعلاميا عن كونه مرشحا مقبولا لعدد من القوى الاجتماعية المصرية لخلافة مبارك. وفى حديثه المطول ل«الشروق» أخيرا لم ينف موسى إمكانية الترشح للسباق الرئاسى المقرر عام 2011. ويعدد التقرير النقاط التى يراها فى صالح جمال، وعلى رأسها إمكانية أن يدير الرئيس مبارك عملية انتقال السلطة أثناء حياته، خاصة أن التعديلات الدستورية التى جرت فى عامى 2005 و2007 تسهل هذا، كما لن يكون هناك صراع داخل العائلة الرئاسية، حيث لا يرغب الابن الأكبر للرئيس، علاء، فى العمل السياسى، مفضلا عليه مجال الأعمال التجارية والمالية. على مستوى آخر، يشير التقرير إلى علاقات جمال مع الأقباط، وكنيستهم الوطنية القوية ذات التأثير، حيث تكررت زياراته لها، والتى كانت أشهرها عام 2007، عندما استقبل استقبالا حافلا فى مقر الكاتدرائية، وكان على رأس مستقبلية البابا شنودة الثالث، وهو ما يراه التقرير ليس فقط تعاونا مع رجال الدين الأقباط فى الشأن الوطنى الداخلى، وإنما تهدئة لجماعات الضغط المسيحية المصرية فى الخارج. وهو ما انعكس على تصريحات عدد من قادة الكنيسة فى تأييد جمال رئيسا للبلاد. كما يذكر التقرير عددا من الحملات والمؤسسات التى أطلقها جمال قبل وعقب توليه منصبه الحزبى، مثل «العبور للمستقبل»، و«جيل المستقبل»، وهى مؤسسة مدنية شاع عنها أنها قد تكون نواة لحزب يرغب فى تأسيسه، قبل أن يعدل عن الفكرة ويدخل بقوة لقيادة الحزب الحاكم، بحسب «كارنيجى». وفى ختام الفصل الخاص برصد فرص «الوريث» المصرى فى تولى المنصب الأعلى، يستعرض التقرير ثلاثة سيناريوهات فى انتقال السلطة إلى جمال، أولها «النموذج السورى» الذى يراه التقرير مواجها بصعوبات، أبرزها صعوبة تسويقه شعبيا. والسيناريو الثانى هو أن تتولى شخصية عسكرية الحكم مؤقتا تمهيدا لانتقال السلطة إلى جمال، لكن هذا السيناريو يمكن أن يضعف فرص جمال أو حتى يلغيها بحسب التقرير، أما السيناريو الأخير فهو إجراء انتخابات خلال أشهر، غير أن هذا السيناريو يطرح أسئلة صعبة حول عدم قدرة قوى مؤثرة من الترشح أمام جمال مثل جماعة الإخوان المسلمين أو عدد من الشخصيات العامة ذات القبول والحضور والمصداقية، وفقا لتقرير «كارنيجى».