انتهاء أول اجتماعات القائمة الوطنية استعدادا لانتخابات مجلس النواب المقبلة    ألمانيا تعدل توقعاتها للنمو الاقتصادي في 2025 بزيادة طفيفة    مصر تستضيف اجتماعات لوفدين إسرائيلي وفلسطينى    الأهلي يكتفي بثانئية في شباك كهرباء الإسماعيلية في الشوط الأول    وكيل صحة القليوبية يتابع إجراءات الكشف الطبي على مرشحي "النواب"    تامر حسني نجم حفل افتتاح نقابة المهن التمثيلية للمسرح    أبطال فيلم «فيها إيه يعنى؟!» ل«الشروق»: العمل يحمل رسالة إنسانية تناسب الجميع.. ولمسة وفاء للراحل سليمان عيد    اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء: «أرض الفيروز 2030» مركز لوجيستى وتجارى عالمى    نزال: خطة ترامب تؤجل الاعتراف بدولة فلسطين رغم دعم دول كبرى لها    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد القومسيون الطبي العام استعدادا لانتخابات مجلس الشعب    المدير الرياضى للأهلى ل «الأخبار»: احتراف الشحات مرفوض وعبدالقادر يرحب بالتجديد    الشوط الأول| بايرن ميونخ يضرب فرانكفورت في الدوري الألماني    بطلة مصر للسباحة بالزعانف: أحلم بحصد أكبر عدد من الميداليات ببطولة العالم    هامن من التعليم بشأن أجهزة التابلت لطلاب أولى ثانوي    شبورة وسقوط أمطار.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الأحد    مات والدها فحاولت الانتحار حزنا عليه بالشرقية    افتتاح فرع جديد للخط الساخن لمكافحة الإدمان لأول مرة بالسويس لعلاج المرضى مجانا    لهذا المشروع.. الإسكندرية تفوز بجائزة سيول للمدن الذكية    مركز الزرقا يروي المسطحات الخضراء ويُنعش وجه المدينة الحضاري    "المواجهة والتجوال" يحتفي بانتصارات أكتوبر من سيناء    وزيرة التضامن تتلقى تقريرًا عن جهود الاستجابة لارتفاع منسوب نهر النيل بقرى محافظة المنوفية    «النهر الجديد».. شريان أمل تشقه مصر في زمن المشهد المائي المربك    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    نائب وزير الصحة يوجه بمعاقبة المتغيبين عن العمل بمركز طب الأسرة بالسنانية في دمياط    أسعار البنزين والسولار السبت 4 أكتوبر 2025    بنك مصر يحذر عملاءه من عمليات الاحتيال الإلكترونى.. ورسائل توعية لحماية سرية البيانات المصرفية    حكومة جنوب إفريقيا: نرحب بالتقدم المحرز نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أقوى عرض لشحن شدات ببجي موبايل 2025.. 22،800 UC مجانًا    أمام السيدة انتصار السيسي.. وزير التعليم يعلن قفزة تاريخية للتعليم الفني    طوفان بشري.. مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة ضد الإبادة الجماعية في غزة والاحتلال الإسرائيلي    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين طلائع الجيش والجونة    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    وزير الخارجية يؤكد أهمية تكاتف جهود أبناء الوطن في الداخل والخارج لدعم المصالح المصرية والدفاع عنها    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    متحدث فتح: خطة ترامب توقف الإبادة والتدمير وتفتح أفقًا لإعادة إعمار غزة    رئيس الوزراء: صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر صناعة عريقة    أضرار الزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة.. سموم خفية    أبرز إنجازات خالد العنانى المرشح لمنصب مدير اليونسكو    غدا احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى نصر أكتوبر المجيد    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    المتحف المصري بالتحرير يبرز دور الكهنة في العصر الفرعوني    السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو    " سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات    وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    الرعاية الصحية ببورسعيد بعد إجراء جراحة دقيقة: التكنولوجيا الصحية لم تعد حكرا على أحد    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    ننشر أسماء المرشحين للفردى والقائمة للتحالف الوطني ببنى سويف للانتخابات البرلمانية 2025 (خاص)    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثابت والمتغيّر فى الدين والسياسة
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 11 - 2009

التاريخ مؤقت والجغرافيا دائمة. يتغير التاريخ وتبقى الجغرافية...
هكذا حدث فى هونج كونج فى عام 1997، عندما طوى العلم الانجليزى وحمله آخر حاكم بريطانى إلى لندن. وهكذا حدث فى ماكاو بعد حوالى 500 عام من خضوعها للاحتلال البرتغالى، عندما طوى الرئيس البرتغالى نفسه عَلََم بلاده وحمله بنفسه إلى لشبونة.
انتهى التاريخ البريطانى فى هونج كونج. ولكن هونج كونج الجغرافيا مستمرة، جزءا من الصين. وانتهى التاريخ البرتغالى فى ماكاو، ولكن ماكاو الجغرافيا مستمرة أيضا جزءا من الصين.
ولا بد أن ينتهى التاريخ أيضا فى جبل طارق الانجليزى لتبقى جغرافية هذا الجبل جزءا من إسبانيا. ولا بد أن ينتهى التاريخ كذلك فى سبتة ومليلية المحتلتين منذ عام 1415 لتعودا إلى الجغرافيا المغربية ولتضعا بعودتهما نهاية لحروب الأندلس (الكونكستا)!!
كذلك، وكما انتهى تاريخ حملات الفرنجة وبقى المشرق العربى عربيا، لا بد أن ينتهى تاريخ الحملة الصهيونية وتعود فلسطين فلسطينية.
جاء البرتغاليون قبل 422 عاما إلى ماكاو، باسم الكاثوليكية، كما جاء اليهود إلى فلسطين باسم الصهيونية، ولكن شهرة ماكاو اليوم ليس فى كنائسها، ولكن فى كازينوهاتها وفى علب الليل المزدهرة فيها، حتى إنها تحولت إلى لاس فيجاس ثانية!
وجاء جيرانهم الإسبان إلى شمال المغرب باسم الكاثوليكية أيضا، وبهدف قطع الإمدادات الإسلامية عن غرناطة.. والآن وبعد مرور أكثر من 900 عام على عودة غرناطة إلى إسبانيا، لا تزال سبتة ومليلية تحت الحكم الإسبانى، ولا تزال إسبانيا تعتبرهما جزءا من ترابها الوطنى.
****
عندما احتلّت البرتغال فى عام 1557 مدينة ماكاو ( أو جيب ماكاو) كان التنافس على أشده بين الدولتين الكاثوليكيتين البحريتين الكبيرتين البرتغال وإسبانيا... فتدخل البابا وسيطا بينهما... فكانت معاهدة «تورداسيلس» فى عام 1494 التى رسمت خطوط السيادة لكل منهما فى المحيط الأطلسى؛ ثم فى المحيط الهادى.. ببركة البابا ورعايته!!
ثم وصلت إسبانيا إلى الفلبين (وقد سُميت بذلك نسبة إلى الملك الإسبانى فيليب) وسيطرت على هذا الأرخبيل بعد أن تغلبت على المسلمين من أهل البلاد فى عاصمتهم «أمان الله» والتى أصبحت تعرف فيما بعد باسم «مانيلا». ولايزال اسم «مورو» يُطلق على مسلمى جنوب الفلبين الذين يطالبون بالحكم الذاتى، حتى اليوم وهو الاسم الذى أطلقه الأسبان على مسلمى المغرب «الموروسكيين». وأصبح بمفهومهم كل مسلم هو «مورو».
إذا كان هدف كل من الدولتين إسبانيا والبرتغال استعماريا توسعيا، فإن هدف البابا كان تبشيريا لنشر المسيحية الكاثوليكية. وقد تم تحقيق الهدف البابوى بنجاح كبير فى أمريكا اللاتينية التى تعتبر اليوم الخزان البشرى للكاثوليكية؛ ولكن هذا الهدف فشل فى جنوب شرق آسيا، وخاصة فى الصين واليابان.
نجح الإسبان فى عزل المسلمين فى الفلبين ومن ثم فى تنصير بقية أهلها الذين لم يكونوا يؤمنون بأى دين. أما البرتغاليون فقد جعلوا من ماكاو جسرا تجاريا لهم بين الصين واليابان. فكانت الصين تنتج الحرير والذهب وهو ما كانت اليابان فى حاجة إليه... وكانت اليابان تنتج الفضة التى كانت مفتقدة فى الصين.. وتولى البرتغاليون دور الوسيط التجارى بين الصين واليابان وحققوا بذلك أرباحا كبيرة. ومن خلال عمليات التبادل التجارى استطاعوا التبشير بالمسيحية فى اليابان، حتى بلغ عدد المسيحيين اليابانيين فى ذلك الوقت 150 ألفا.
أثار هذا النجاح الذى قام به المبشرون الجزويت (المستقلين عن سلطة البابا) غيرة المبشرين الفرنسيسكان فى الفلبين التابعين لسلطة البابا المباشرة. فتوجه هؤلاء إلى اليابان فى عملية تبشيرية حماسية وعلنية وليس تحت المظلة التجارية الأمر الذى أثار قلق السلطات اليابانية فطردت فى عام 1582 المبشرين الجزويت والفرنسيسكان ومعهم كل الذين اعتنقوا المسيحية من اليابانيين... إلا أن بعضهم استطاع الهرب والتخفى.
ولكن بين عامى 1614 و1650 اعتقل معظمهم فعذبوا وأعدم منهم 2100 شخص، بينهم 71 من الجزويت غير اليابانيين. وأدى هذا الأمر إلى انغلاق اليابان دينيا إلى أن اضطرت على يد ضابط البحرية الأمريكى ماثيو بيرى فى عام 1865 إلى الانفتاح على الغرب ثقافة ودينا. فبنى الفرنسيون كنيسة كاثوليكية فوق تلّة مشرفة على مدينة ناجازاكى لا تزال قائمة حتى اليوم بعد أن نجت من القنبلة الذرية الأمريكية الثانية التى ألقيت عليها فى السادس من أغسطس عام 1945. وبعد الحرب العالمية الثانية فتحت اليابان أبوابها أمام كل المبشرين وخاصة الإنجيليين منهم الذين انهمروا عليها من الولايات المتحدة بصورة خاصة، على نفس النحو الذى تشهده اليوم الدول الإسلامية الخمس فى آسيا الوسطى.
أما حركة التبشير من ماكاو باتجاه الصين فقد كانت أقل نجاحا. حتى إن المؤرخ البريطانى دافيد هاو كان يقول «إن تحول الصينى إلى المسيحية أشبه ما يكون بتبييض بشرة الحبشى». لقد انطلق مبشرون مغامرون من ماكاو إلى جنوبى الصين أمثال ميشيل رويجيارى وماثيو ريتشى. واستطاع هذا الأخير أن ينقل إلى الصين العلوم الأوروبية الحديثة فى الرياضيات والفلك والبناء والصناعة متخذا من هذه العلوم مدخلا للتبشير بالمسيحية.
****
ولكن فى نفس الوقت الذى كانت هذه العملية التبشيرية تتواصل ببطء، ولكن بعمق، قامت بريطانيا بعمل عسكرى ضد الصين، ووصلت القوات البريطانية بقيادة جورج ماك كارتنى فى عام 1793 حتى بكين نفسها، الأمر الذى حمل الصينيين على ربط التبشير بالاستعمار، وبالتالى على استيعاب العلوم الحديثة ورفض الدين الجديد. كان الضابط البريطانى جورج أنسون أول من استخدم انطلاقا من هونج كونج التى احتلتها بريطانيا فى عام 1843 دبلوماسية الزوارق المسلحة ضد الصين. وهى الدبلوماسية التى قضت بغطرستها على أحلام المبشرين الجزويت والفرنسيسكان معا. ولم يتغير هذا الوضع إلا فى مطلع القرن العشرين، حيث استأنفت البعثات التبشيرية من مختلف الكنائس جهودها وتمكنت من اختراق جدار العقيدة البوذية والكونفوشية.
ولذلك فإن السلطات الصينية لاتزال حتى اليوم تنظر بعين الريبة والقلق إلى هذا النجاح المحدود، وتتعامل معه على أنه محاولة لضرب وحدة المجتمع الصينى وتناسقه العقائدى. استخدمت المدينتان ماكاو وهونج كونج كرأس جسر لترويج المخدرات، وكذلك لترويج القمار والدعارة (التى رخصت منذ عام 1930) وسيلة للهيمنة عليها وابتزازها. وقد بقى الاتجار بالمخدرات مشروعا ومحميا حتى عام 1947. إلا أن الصين نفضت عن نفسها كل تلك الرذائل المصدّرَة إليها، وأصبحت اليوم دولة كبرى بكل معنى الكلمة.
****
أليس غريبا أنه فى الوقت الذى تتم فيه تصفية هذه الجيوب الاستعمارية فى الشرق الأقصى تصرّ إسبانيا على الاحتفاظ بمدينتى سبتة ومليلة فى شمال المغرب وكأن حرب الأندلس لم تنته؟.. فلم يعد يوجد فى العالم كله مناطق محتلة سوى فلسطين والجيبين الإسبانيين فى شمال المغرب.
إن استمرار جبل طارق تحت السيادة البريطانية يعنى استمرار سبتة ومليلية تحت السيادة الإسبانية كأمر واقع. فإسبانيا التى احتلت هذه المناطق العربية من المغرب فى عام 1415 أى حتى قبل سقوط غرناطة، ترفض الانسحاب منهما ما لم تسترجع جبل طارق من بريطانيا.
وهنا تقف لجنة تصفية الاستعمار فى الأمم المتحدة عاجزة عن التحرك.. فالمغرب الذى خاض معركة تحرير الصحراء الغربية من إسبانيا فى إطار الوطن المغربى الواحد، يواجه حركة استقلالية فى الصحراء تقوم بها حركة البوليساريو بدعم من الجزائر. وبعد انسحاب إسبانيا من الصحراء بضغط مغربى مباشر (المسيرة الخضراء عام 1974) وجد المغرب أن من الحكمة توجيه جهوده لتكريس مغربية الصحراء أولا. حتى إذا سويت أوضاع جبل طارق بين إسبانيا وبريطانيا، يمكن إعادة فتح ملف سبتة ومليلية فى ظروف دولية وإقليمية مواتية أكثر.
قد تستطيع سبتة ومليلية الانتظار، ولكن فلسطين لا تستطيع. ففى كل يوم يقضم منها الاحتلال الإسرائيلى قطعة جديدة. وكل يوم يتداعى جدار من جدران صروحها المقدسة فى القدس وبيت لحم والناصرة ونابلس.
ولقد أقام الإسرائيليون نموذجا للهيكل الذى يزمعون بناءه على أنقاض المسجد الأقصى فى باحة مجاورة للمسجد. وهى مبادرة أرادوها استفزازية.. ولكن يمكن أن تكون استذكارية للتنبّه اليومى إلى خطر تهويد القدس واحتلال ثالث الحرمين الشريفين.
لم يتعلّم الإسرائيليون من دروس التاريخ.. فهل يتعلّم العرب المسلمون والمسيحيون؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.