مدفعية قوات الاحتلال تكثف قصفها العنيف على خانيونس واستشهاد 16 فلسطينيا منذ فجر اليوم    حقيقة خصخصة الجامعات الحكومية وإلغاء مجانية التعليم| مجلس الوزراء يكشف    "التضامن" تطلق الحصر الوطني الشامل للحضانات غدًا الأحد    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 30 يونيو    مصر ترحب باتفاق السلام بين الكونجو الديموقراطية ورواندا    رئيس الوزراء: مصر أصبحت مركزًا إقليميًا للصناعة بعد نجاحها في جذب كبرى الشركات العالمية    السبت 28 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    استقرار سعر الذهب في مصر اليوم السبت 28 يونيو 2025 وسط تراجع عالمي للمعدن الأصفر    عاجل... مجمعة التأمين تصرف 100 ألف جنيه لكل متوفى بحادث المنوفية    عاجل| الحكومة تقرر صرف 1500 جنيه لهؤلاء المواطنين بعد شهريين: شوف لتكون منهم    النائب فريدي البياضي يعلن رفضه مشروع الحكومة لقانون الإيجارات القديمة    منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تُطلق تقريرها حول المشروعات الصغيرة    وزيرة البيئة: "جرين شرم" يقود تحول شرم الشيخ لأولى الوجهات السياحية الخضراء    قصة كفاح مهندسي مصر من أجل تحقيق حلم.. 8 سنوات تلخص رحلة إنشاء مصيف مطروح.. 25 مليون جنيه تكلفة المشروع    تطورات حاسمة في جهود وقف إطلاق النار في غزة... ترامب يدخل على الخط والمفاوضات تقترب من الحسم    الخارجية القطرية تؤكد وجود "فرصة" للتوصل إلى هدنة في غزة    نقيب المحامين ينعي ضحايا حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    الجيش الروسي يحرر بلدة تشيرفونا زيركا في دونيتسك    الأسوأ منذ سنوات| فيضانات مدمرة تجتاح الصين ونزوح أكثر من 80 ألف شخص    تفاصيل جلسات محمد يوسف مع الجهاز الإداري للأهلي    جدول مباريات قناة MBC مصر 2 في كأس العالم للأندية 2025    وزير الرياضة ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعًا موسعًا لمناقشة مستجدات العمل في مشروع إنشاء ستاد النادي المصري    الأهلي يضع 3 بدائل تحسبًا لرحيل وسام أبو علي    نادر السيد: مشاركة الأهلي في مونديال الأندية مشرّفة.. والزمالك أولوية نجلي    "بصورة مع الأهلي".. زيزو يوجه رسالة لعبد الشافي بعد اعتزاله الكرة بقميص الزمالك    بعد حادث المنوفية.. نزيف الدماء على الطريق الإقليمي مأساة لا تتوقف    خطوات تجديد رخصة القيادة في مصر 2025 ورسوم التجديد    الأرصاد تحذر: حرارة محسوسة 39 درجة بالقاهرة الكبرى.. وارتفاع الرطوبة يزيد الإحساس بالطقس    غدا طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الأولى    ضحى همام.. رحلت قبل أن تفرح بنجاحها في الإعدادية    إسفكسيا الغرق وراء وفاة شاب بمياه الرياح الناصري    بسبب مبلغ مالي.. شاب يمزق جسد عامل بسكين في سوهاج    وزير الثقافة يشهد احتفالية البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بذكرى 30 يونيو    في هذا الموعد.. شيرين عبدالوهاب تحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان موازين ب المغرب    12 أكتوبر.. روبي تحيي حفلا في فرنسا    تحت رعاية وزير الثقافة.. انطلاق التحضيرات لمهرجان أكاديمية الفنون للعرائس وتعيين إدارة تنفيذية جديدة    صيف 2025.. نجوم الغناء يعودون بألبومات قوية ومفاجآت فنية    محافظ الشرقية يشهد إنطلاق فعاليات حملة التبرع بالدم أمام الديوان العام ويدعو المواطنين للمشاركة    "الصحة" تعلن توقيع 10 بروتوكولات ومذكرات تفاهم بمؤتمر صحة إفريقيا    للتخلص من السعال وبرد الصيف.. طبيبة تنصح بتناول هذا المشروب    اليوم، امتحان مادة "اللغة الإنجليزية" لطلاب القسم العلمي للثانوية الأزهرية    6 علاجات منزلية للتخلص من أعراض القولون العصبي    طريقة عمل الباستا فلورا، لتحلية مسائية بأقل التكاليف    حظك اليوم السبت 28 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 28-6-2025 في محافظة قنا    مع شروق الشمس.. أفضل الأدعية لبداية يوم جديد    إذا أردت أن تتصدق علي صحة جسدك.. فعليك بإقامة تلك الصلاة    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : شهداء لقمة العيش!    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    عضو مجلس الزمالك يتحدث عن عروض بنتايج.. وصفقات ممدوح عباس    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    «الجبهة الوطنية»: صرف 100 ألف جنيه لأسر المتوفيين و50 ألف للمصابين بحادث المنوفية    برئاسة خالد فهمي.. «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    هدير.. طالبة التمريض التي ودّعت حلمها على الطريق الإقليمي    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للموسيقى وجه آخر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 11 - 2009

تخيل يومك بلا موسيقى تضبط انفعالك وترقق مشاعرك وتختبئ بين نغماتها حتى من أقرب الناس إليك أحيانا، تخيل أن تواجه فوضى الشارع وضغط العمل وتمرد الأبناء وإحباطات السياسة وأنت مشدود كوتر مُشَرعَ كنصل مندفع كطلقة، تخيل ألا تُمتِع أذنك بفضيلة الإصغاء لما لا يحتاج منك ردا إلا الاستحسان، تخيل أن يبدأ يومك وينتهى وأنت فى كامل وعيك وتمام يقظتك فلا تَشرُد ولا تغفو.
أكثرنا لا يتخيل يومه بغير موسيقى، وهذا من فضل الله علينا.
لكن الموسيقى هى أكثر من مجرد غذاء للروح فدورها السياسى يتوسع مع تزايد الاعتماد على دبلوماسية القوة اللينة فى تنفيذ أهداف السياسات الخارجية للدول، وكان هذا هو المعنى الذى قفز إلى ذهنها وهى تتابع السجال المصرى حول الوجه الآخر للموسيقى فى غضون الشهور الستة الماضية.
فى شهر أبريل 2009 ثارت ضجة كبرى حول زيارة الموسيقار الإسرائيلى دانييل بارينبويم مصر بدعوة من وزير الثقافة لقيادة أوركسترا القاهرة السيمفونى فى دار الأوبرا. اعترض كثير من المثقفين على زيارة بارينبويم رغم إشادتهم بمواقف الرجل الداعمة لحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم، وهى المواقف التى جعلته يوصف بمعاداة السامية ويواجه الدعوة لسحب الجنسية الإسرائيلية منه.
وبنى المثقفون المصريون معارضتهم على أساس أن الزيارة تمثل تطبيعا من باب خلفى، وتأتى بعد شهرين اثنين من انتهاء العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة، وتفتح الباب لدعوة إسرائيليين متعصبين على غير شاكلة بارينبويم، وتبسط قضية الصراع العربى الإسرائيلى بأن تجعل الموسيقى هى الحل، وتخدم حملة الوزير فاروق حسنى للفوز برئاسة منظمة اليونسكو.
كانت أسانيد المعترضين قوية، ومع ذلك جاء الموسيقار الإسرائيلى إلى أرض الكنانة وقاد الأوركسترا، وانتصر منطق «الموضوعية» فى التمييز بين إسرائيلى مساند لحقوقنا وإسرائيليين صهاينة، واختزل النجم العالمى عمر الشريف الأمر برمته عندما وصف الجدل الثائر حول زيارة بارينبويم بأنه «جدل أحمق» وأن «بارينبويم صديق للعرب».
وقبل أيام قليلة انشغلنا فى مصر مجددا بتداعيات دعوة السيد فاروق حسنى أوركسترا دريسدن الألمانية لتقديم عرضين لها فى القاهرة والإسكندرية يومى31 أكتوبر و2 نوفمبر. ارتفعت على الفور الأصوات المعارضة لإقامة عرضى أوركسترا دريسدن. أولا لأن دريسدن كما بات الكل يعرف هى المدينة التى أقدم أحد أبنائها العنصريين على قتل الأم المصرية مروة الشربينى، وثانيا لأن توقيت الزيارة يتزامن مع انعقاد جلسات محاكمة قاتل مروة.
ومع أنه لا يمكن مقارنة قوة رد الفعل المصرى على دعوة بارينبويم بضعف رد الفعل المماثل على دعوة فرقة دريسدن، إلا أن وزير الثقافة أعطى أذنه للمعترضين وأجل تقديم العرضين الموسيقيين إلى أجل غير مسمى. وقيل فى تفسير موقفه إنه انتقام من تصويت ألمانيا ضده فى معركة اليونسكو.
فى الحالة الأولى كما فى الحالة الثانية جرى تسييس الموسيقى، ولأن الموسيقى قد زج بها فى أتون السياسة كان لابد أن يخضع الموقف منها للأهواء ويفتح الباب أمام ازدواجية المعايير.
ففى حالة الموسيقار الإسرائيلى رفضنا أن نأخذ الرجل بذنب دولته وجرائمها البشعة فى حق أهلنا فى فلسطين، وفى حالة فرقة دريسدن وافقنا على أن نعتبر جريمة الجانى موجبة لعقاب مدينة بأكملها. ورغم أن إسرائيل بالنسبة لنا كعرب ليست يقينا هى ألمانيا إلا أننا أبدينا استعدادا أكبر للتسامح مع إسرائيل منا مع ألمانيا.
وفى حالة بارينبويم تمسكنا بأننا غير مستعدين نفسيا لاستقبال الرجل بعد شهرين اثنين من مذابح غزة، فلماذا امتنعنا نفسيا عن استقبال أوركسترا دريسدن فى وقت كانت تجرى فيه محاكمة عادلة لقاتل مروة رفض قضاتها كل محاولات دفاعه لتصويره فى هيئة المريض النفسى وقالوا للرجل بملء الفم: بل قتلت مروة بكامل لياقتك الذهنية؟
فى الحالة الأولى كنا نشترى رضا إسرائيل عن رئاسة مصر لليونسكو وفى الحالة الثانية كنا نتقاضى مقابل خذلان مصر فى الفوز بالمنصب الدولى، فمتى يا ترى نكف عن جعل قضية اليونسكو محركا لسياستنا فى الداخل والخارج ولا نترك لمسئول الثقافة المصرى الأول أن يتصرف منحا ومنعا انطلاقا من حسابات ضيقة؟
إن المعنى غير المباشر لاختلاف رد الفعل إزاء زيارة بارينبويم عنه إزاء عرض فرقة دريسدن، أن الدولة قادرة على لجم معارضة التطبيع وتسريب إسرائيل إلى خلايانا وعقولنا كما سبق أن سربتها إلى أسواقنا ومنتجعاتنا. لكنها غير قادرة على ترشيد المد الدينى الذى يؤاخذ مدينة أو حتى دولة بأسرها بجريمة أحد أبنائها ويبرر بالتالى مؤاخذة كل أمصارنا لمجرد أن خرج بن لادن من شبه جزيرتها العربية.
عندما كان جمهور الأوبرا يحبس أنفاسه احتراما للنغم الشجى المنبعث من فرقة الموسيقى العربية، كانت صاحبتنا تجد صعوبة شديدة فى التوحد مع العازفين كعادتها، فلقد أعاد المكان تذكيرها بأن الموسيقى صارت لها أجنداتها الخفية، ونبهها إلى أن التطريب وحده لم يعد معيار الحكم على اللحن كما لم يعد الخيال حرا فى أن يسبح فى عالم الفن المسحور إلى غير مدى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.