40 مليون فرصة عمل تحتاج أن توفرها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات العشر المقبلة، ويقع عبء توفير هذه الوظائف على القطاع الخاص، الذى يعول عليه فى قيادة مسيرة النمو فى المنطقة، كما يرى البنك الدولى فى أحدث تقاريره، الذى أطلقه أمس. 60% من مسئولى القطاع العام فى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها مصر، يرون أن القطاع الخاص فى بلادهم فاسد ويسعى إلى التربح غير المشروع، ولا يفى بوعوده، وفقا لما كشفه المسح الذى قام به البنك الدولى فى أحدث تقاريره عن المنطقة، الذى جاء بعنوان «من الامتيازات إلى المنافسة: فك قيود النمو الذى يقوده القطاع الخاص فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وبحسب التقرير، تنبع هذه النظرة السلبية للقطاع الخاص من اعتقاد المسئولين بأن هذا القطاع تسيطر عليه مجموعة صغيرة من المؤسسات التى تسعى إلى التربح غير المشروع، وهذه المجموعة تمتعت بالحماية لفترة طويلة بواسطة جميع أنواع العوائق التى تحد من دخول شركات أخرى. ومن هذه العوائق رشوة الموظفين العموميين، وإخفاء الدخول والعوائد لتفادى الالتزامات الضريبية، والضغط من أجل تحقيق المصالح الخاصة، إلى جانب الحصول على بعض الامتيازات، مثل الإعفاءات الضريبية. «وانعدام الثقة متبادل»، على حد تعبير البنك، فالقطاع الخاص أيضا يشعر بأن الحكومة لا تسعى ولا تبذل أى جهد لتحسين مناخ الاستثمار لجميع الشركات، بل تعمل لصالح السياسيين ومجموعة محدودة من أتباعهم وحلفائهم. وقد أظهر المسح الذى قام به البنك أن 60% من مديرى مؤسسات الأعمال لا يثقون فى تطبيق القوانين والإجراءات الحكومية، فأصحاب المشروعات يعتقدون أن مفتاح النجاح يعتمد على اتصالاتهم وعلاقاتهم ومدى ما يحظون به من مكانة متميزة، وعليه فهم لا يولون أهمية لعامل المنافسة والإبداع والمثابرة. وهذا الأمر حد من دور وفاعلية القطاع الخاص فى التنمية فى بلدان المنطقة خلال الفترة الماضية، من وجهة نظر البنك، مشيرا إلى أن «التشكك فى قدرة القطاع الخاص فى القيام بدور محرك النمو منتشر بدرجة مرتفعة منذ فترة طويلة فى دول المنطقة، وقد جاءت الأزمة المالية لتدعم هذا الشك». وفيما يتعلق بمصر، أوضح البنك الدولى أن انتشار الفساد، والممارسات غير الشرعية، وغياب المنافسة، والشك فى نزاهة السياسات والإجراءات التنظيمية، المعوقات الرئيسية التى عرقلت القطاع الخاص أثناء تأسيسه لمشروعاته فى الفترة من 2005-2008. فقد أظهر التقرير أن 62.3% من المديرين المستطلع آراؤهم فى مصر يرون أن الفساد المعوق الأساسى لأعمالهم، وقد تصدرت مصر قائمة الدول التى تنتشر بها الممارسات غير الرسمية وتفتقر إلى المنافسة. ويشير التقرير إلى احتلال مصر المركز الأخير فى قائمة بلدان المنطقة على مؤشر سهولة القيام بالأعمال فى عام 2008، فقد أفاد المستثمرون أنهم يضطرون إلى الانتظار لمدة تتعدى الثلاثة شهور حتى يتمكنوا من الحصول على تصريح لإقامة مشروع. وقد نبه البنك الدولى إلى أنه يتعين على مصر إزالة المعوقات الرسمية وغير الرسمية التى تعرقل دخول شركات جديدة للسوق، وذلك عن طريق إزالة شروط الدخول التى تعطى المسئولين العموميين الحق فى استبعاد بعض المستثمرين، بناء على تقديراتهم، التى قد ينتج عنها محاباة للبعض دون الآخر. وكان تقرير آخر حديث للبنك الدولى قد أظهر تراجع أداء مصر فى قدرتها على محاربة الفساد فى الفترة 1996-2008، وقد اعتمد التقرير فى هذا القياس على مدى تورط البرلمانيين والقضاة وموظفى الحكومة ومسئولى الضرائب والجمارك فى الفساد. القطاع الخاص فى المنطقة مازال غير قادر على قيادة النمو تواجه جميع بلدان المنطقة تحديا ملحا حاليا يتمثل فى خلق عدد هائل من فرص العمل، تبعا للبنك الدولى، والذى يرى أن هذا التحدى لا يمكن تحقيقه إلا من خلال القطاع الخاص. فالقوى العاملة الشابة الأوفر حظا من التعليم تتطلع حاليا إلى الفرص التى تتيح لها استخدام ما تتمتع به من مهارات وقدرات على الإبداع والابتكار، وبما أن حكومات بلدان المنطقة لن يكون بمقدورها خلق هذه الوظائف فى مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة، أو على الأقل لا يمكن خلقها بأعداد كافية أو على نحو قابل للاستمرار، فإن «رخاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى المستقبل مرهون، إلى حد كبير، بقدرة الحكومات على تمكين القطاع الخاص من الاستجابة للتحديات الخاصة بخلق فرص العمل»، بحسب التعبير الوارد فى التقرير. وتشير التجارب الدولية إلى أن دول العالم التى حققت نموا قويا لفترات زمنية طويلة، لعب فيها القطاع الخاص دورا مركزيا، فالاعتماد على المشروعات المملوكة للدولة فى خلق الوظائف لم يكن أبدا بديلا مستداما للاستثمار الذى تقوم به منشآت القطاع الخاص، تبعا للبنك الدولى، مبررا ذلك بعدم استعداد أى حكومة لتعريض المؤسسات المملوكة لها للمنافسة الحقيقية، فضلا عن كون تلك الحكومات مقيدة بحدود ميزانياتها. ويقوم القطاع الخاص فى الوقت الحالى، «بخلق معظم الثروة فى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، باستثناء قطاعى الهيدروكربونات والتعدين، كما يقول التقرير، مشيرا إلى أن زيادة الانفتاح والتحرر الاقتصادى، على مدى العقود الثلاثة الماضية أدت إلى تحوّل اقتصادات هذه المنطقة من أنظمة اقتصادية يقودها القطاع العام إلى اقتصادات تقوم فيها الشركات والمؤسسات الخاصة بإنتاج أكثر من 80% من القيمة المضافة فى القطاعات الاقتصادية غير الهيدروكربونية. وبحسب التقرير، هناك دول، مثل مصر وتونس وسوريا والجزائر واليمن وليبيا تبنت سياسات تزيد من انفتاح تجاراتها والاستثمارات الخاصة بها على العالم الخارجى، وقد بدأت عملية الإصلاح بها منذ السبعينيات، والتى بدأت فى اكتساب الزخم خلال الثمانينيات، لتتسارع فى التسعينيات، وقد أدت هذه الإصلاحات إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص فى إجمالى الناتج المحلى بها، لتتراوح ما بين 70 و90%. وبالرغم من تزايد دوره، إلا أن القطاع الخاص فى المنطقة «ما زال غير قادر على القيام بدور محرك النمو القوى، كما أن الاستثمارات الخاصة غير كافية لخلق فرص العمل اللازمة، ومازالت معدلات البطالة مرتفعة جدا فى هذه البلدان»، من وجهة نظر البنك الدولى. ودلل على ذلك بعدة مؤشرات، مثل ضآلة مساهمة استثمارات القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى، والتى تبلغ 15% فقط فى دول المنطقة، مقارنة بنحو 30% فى منطقة شرق آسيا. ويشير التقرير إلى ارتفاع معدلات الاستثمارات الخاصة فى مصر بنحو 2% مؤخرا، معتبرا هذا الزيادة تعكس استجابة القطاع الخاص للإصلاحات التى تبنتها الدولة. من ناحية أخرى فإن عدم كفاية تنوع الصادرات تعتبر مؤشرا آخر على عدم قيام القطاع الخاص بالدور المنوط به فى المنطقة، تبعا للتقرير، فالبلدان ذات الأداء الأفضل فى المنطقة تقوم بتصدير نحو 1500 سلعة، يعانى معظمها من تدنى مستواها التكنولوجى، مقابل ما يقرب من 4000 سلعة للتصدير فى بلدان مثل ماليزيا وبولندا وتركيا. كما تعتبر الشركات فى المنطقة أيضا أقل إنتاجية مقارنة بنظيرتها فى البلدان المماثلة، فعلى سبيل المثال، تشير تقديرات التقرير إلى أن إنتاجية الشركة العاملة فى مجال الصناعات التحويلية فى المنطقة تبلغ فى المتوسط نصف إنتاجية نظيرتها فى تركيا. وكانت سيتى جروب، أحد أكبر شركات الخدمات المالية، قد توقعت، منذ أسبوعين، ارتفاع البطالة فى مصر إلى 12%، مقابل 9.4% فى الربع الثالث من العام، مشيرة إلى أنه «بدون حدوث قفزة هائلة فى معدل النمو خلال الإثنى عشر شهرا القادمة، بالوصول إلى نسبة 7%، فإن البطالة ستواصل ارتفاعها بمعدلات حادة جدا»، على حد تعبيرها. وفى السياق ذاته توقعت وحدة الأبحاث التابعة لمجلة الإيكونوميست، الأسبوع الماضى، أن تؤدى معدلات البطالة المرتفعة فى مصر إلى حدوث اضطرابات اجتماعية وغضب شعبى، وأنه ستتم ترجمة ذلك إلى احتجاجات، نتيجة محدودية القنوات الديمقراطية للتعبير عن الرأى، مشيرة إلى أنه بالرغم من الزيادة المتوقعة للنمو المحلى، فإن البطالة ستبقى عند معدلاتها المرتفعة، أو تزيد. تجارب رائدة فى القطاع الخاص المصرى لا شك أن أوراسكوم، التى أسسها أنسى ساويرس، تمثل أهم وأكثر تجارب القطاع الخاص إبهارا على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما يرى البنك الدولى، مشيرا إلى هيمنتها على قطاعات متنوعة مثل الاتصالات، والتشييد والبناء، والفنادق والسياحة. فقد تمكن أفراد العائلة من التوسع بشكل كبير وسريع فى مصر، لتمتد أنشطتها بعد ذلك إلى دول منطقة البحر المتوسط، تبعا للبنك الدولى، الذى أشار إلى تداول أسهم شركات أوراسكوم فى بورصة لندن، واعتبر البنك الدولى أن «عائلة ساويرس نموذجا يجب أن يُحتذى به فى جميع الدول العربية». كما أشار التقرير أيضا إلى تجربة عزة فهمى، مصمصة المجوهرات المصرية والرائدة فى عالم تصميم الحلى فى العالم العربى، التى اعتبرها البنك الدولى خير مثال على «كيف يمكن أن تؤدى التوقعات الإيجابية تجاه التزامات الحكومة إلى نجاح وتحفيز الاستثمار»، بحسب تعبيره. فبعد مرور ثلاثين عاما على تأسيس ورشة صغيرة لتصميم المجوهرات، تدير الآن فهمى منظمة كبيرة، بها أقسام متنوعة للتسويق والتصميم والتخطيط، بالإضافة إلى إدارة لمراقبة جودة المنتج. وقد توسعت فهمى مؤخرا لتصبح إحدى أهم شركات التصميم الرائدة فى العالم العربى، ولتصبح المصممة الأولى فى مصر، ويوجد لمحلاتها فروع فى عدة دول، مثل البحرين، دبى، الأردن، لندن، وقطر. «التزام الحكومة المصرية بالإصلاح من أهم العوامل التى ساهمت فى نجاحى»، كما قالت فهمى للبنك الدولى، مشيرة إلى أنه قبل عام 2004 كان يعترضها العديد من العقبات، متعلقة بالضرائب وحقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى حواجز تجارية كانت تعوق من توسعها. إلا أنه «مع تعيين حكومة ذات توجهات إصلاحية، فقد تمت معالجة هذه العقبات»، على حد قولها، مشيرة إلى نمو مبيعاتها بنحو 30% سنويا بعد الإصلاحات التى قامت بها الحكومة، كما أنها الآن تقوم بتصدير 35% من إنتاجها. وأضافت عزة «لقد استفدنا من التدابير التى اتخذتها الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار، بما فى ذلك عدد من التشريعات والقوانين الخاصة بالضرائب، وتسجيل الأراضى، إلى جانب تبسيط عملية تسجيل الأعمال التجارية. «هذه الإصلاحات رفعت من توقعاتها الإيجابية لمستقبل الاستثمار فى مصر، وهو ما دفعها إلى زيادة مشروعاتها بكثافة»، على حد تعبير البنك الدولى.