جاءت مصر فى مقدمة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التى تبنت سياسات للإصلاح الاقتصادى، إلا أن هذه السياسات لم تنجح فى خلق طفرة فى الاستثمارات داخل المنطقة مقارنة بالتجربة الأسيوية، نظرا لانطوائها على إجراءات تمييزية لشركات بعينها على حساب الأخرى، كانت هذه واحدة من النتائج الرئيسية التى توصل إليها البنك الدولى فى تقرير حديث له جاء بعنوان «مستقبل السياسات الاقتصادية فى الدول النامية». وحذر البنك فى تقريره من أن هذه الإجراءات التمييزية التى تقوم بها العديد من المؤسسات «التى تحتاج للإصلاح»، بحسب وصف التقرير، تقلل من قدرة المنطقة على الاستفادة من إمكاناتها الكبيرة، تبعا للتقرير الذى توقع أن تقود الدول النامية النمو العالمى خلال الفترة المقبلة، مقدرا أن يتجاوز إجمالى حجمها الاقتصادى نظيراتها من البلدان المتقدمة بحلول عام 2015. واعتبر التقرير أن «أسواق الشرق الأوسط تفتقد للمنافسة الحقيقية»، وعرض رسما بيانيا عن معدلات استجابة الاستثمار للإصلاحات الاقتصادية المطبقة، مقدرا معدلات الاستجابة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ب2% مقارنة بنحو 10% فى دول شرق آسيا و7% فى دول جنوب آسيا و5% فى دول أمريكا اللاتينية. كما تقتصر مساهمة الاستثمار فى الناتج المحلى الإجمالى فى المنطقة عند متوسط 15%، وهى النسبة التى وصلت فى مصر فى عام 2008 2009 إلى 7.18%، بينما تبلغ هذه النسبة 30% فى شرق آسيا، كما أن متوسط الانتاجية فى المنطقة يبلغ أقل من نصف معدلات الإنتاجية فى تركيا. وفسر التقرير ضعف الاستجابة «باقتصار فوائد الإصلاح الاقتصادى على فئة مميزة من القطاع الخاص أو بعض الأفراد من أصحاب الاتصالات النافذة فى المجتمع»، وأشار فى هذا السياق إلى استطلاع رأى أظهر أن 60% من مديرى الاستثمار يعتقدون أن القواعد المنظمة للسوق، على الورق، لا تطبق فى أسواق الشرق الأوسط، كما عرض التقرير مسحاً لنحو 10 آلاف شركة فى المنطقة أظهر ارتفاع متوسط أعمار الشركات الصناعية وأعمار مديريها مقارنة بمنطقتى شرق أوروبا وشرق آسيا، وهو ما يعكس هيمنة الشركات ذات العلاقات القوية والتى تستخدم امتيازات تتمتع بها لتقليل التنافسية. «الكثيرون ممن يمكن ان يكونوا رجال أعمال فى المنطقة مازالوا يعتقدون أن مفتاح النجاح يتمثل فى حجم اتصالاتهم أو تمتعهم بأوضاع متميزة، بدلا من إلى أى مدى هم مبدعون ويتمتعون بالاستمرارية والتنافسية»، تبعا لتقرير البنك الدولى. إلا أن البنك أشار إلى تجربة هيئة الاستثمار المصرية فى تيسير وميكنة تسجيل الشركات مما قلل من فرص التمييز فى المعاملة وهى الإصلاحات التى يجب تعميمها فى مؤسسات أخرى، بحسب توصيات التقرير. واعتبر البنك أن الأزمة المالية لم تتسبب فى نكسات فى مسيرة الإصلاح فى المنطقة، إلا أنه أشار إلى أن الاصلاحات فى مجال دعم الغذاء والطاقة قد تكون بطيئة، إضافة إلى أنه من المرجح أن تكون سياسات التكيف المالى التى لها آثار مؤلمة مجنبة خلال السنوات المقبلة. وما يزيد من أهمية تحرير طاقات القطاع الخاص من قيود الإجراءات التمييزية لشركات بعينها، هو الحاجة الماسة للشركات الخاصة فى السنوات المقبلة فى ظل ما أشار إليه التقرير من حاجة المنطقة لخلق 40 مليون وظيفة جديدة خلال العقد المقبل. وهو التحدى الذى لن تتمكن حكومات المنطقة من مواجهته بسياساتها المالية التوسعية، مشيرا فى هذا السياق إلى أن مثل هذه السياسات «ستكون لها آثار سلبية على التوازن المالى فى بعض الدول مثل مصر والأردن ولبنان واليمن»، وأن مخاطر الوضع المالى تخلق عقبة امام النمو على المدى الطويل. وتعتبر مصر أكثر دول المنطقة حاجة لإطلاق طاقات القطاع الخاص بعد الأزمة المالية، حيث توقع تقرير البنك الدولى أن يسقط نحو 2.6 مليون من مواطنى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت خط الفقر بحلول عام 2011، «نصفهم تقريبا من مصر»، معتبرا أن الأزمة المالية قلصت من احتمالات حدوث تحسن فى أوضاع البطالة فى المنطقة. ويمثل تفاقم مشكلة الفقر فى المنطقة عنصرا مقلقا، بحسب التقرير، فبالرغم من أن نسبة من يقعون فى براثن الفقر المدقع، منخفضة نسبيا تصل إلى 5% فإن شريحة كبيرة من مجتمعات المنطقة لا ترتفع دخولها بنسبة كبيرة عن حد الفقر المدقع مما يعرضها للسقوط فيه. وعلى مستوى القوى العاملة أشار التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لم تستفد بعد بطاقتها النسائية، فمن المفارقة أنه بينما يكون النساء فى المنطقة أكثر اهتماما بالحضور فى الجامعات وتكون نسبة حضورهن فى سوق العمل تصل إلى واحدة من كل أربعة عمال فى أسواق المنطقة، تبعا للتقرير.