لعب فتحى رضوان دورا بارزا فى النضال الوطنى والديمقراطى فى مصر فى القرن العشرين، وعندما قامت ثورة 1919 كان صبيا صغيرا، لكنه كتب عن الثورة فى الجزء الثانى من سيرته الذاتية الذى يحمل عنوان «الخليج العاشق»، كتب عن الثورة من خلال حديثه عن أخواته الثلاث وعلاقته بهن فى مرحلة الطفولة، وما كتبه فتحى رضوان يمثل شهادة حية عن دور الطالبات الصغيرات فى الثورة، يقول عن شقيقته الوسطى. «أما أختى الوسطى فقد كانت رائدة السياسة فى عائلتنا؛ فقد كانت تلميذة فى المدرسة السنية، وكانت هذه المدرسة فى فترة اندلاع ثورة 1919، هى كبرى مدارس البنات الحكومية، وقد كانت أختى أولى بنات فصلها، فلما قامت الثورة، كبر عليها أن يكون دور زعيمة المدارس، دور المتفرج بحجة أنها مدرسة بنات، فوقفت بين زميلاتها، وخطبت فيهن خطبة، تدعو إلى الجهاد، وكانت تحفظ من شعر حافظ إبراهيم الوطنى، ومن الأناشيد، ما ضمنته خطبتها، فإذا بها تبرز بين زميلاتها خطيبة لا يشق لها غبار، ونجحت دعوتها؛ واقتحمت الفتيات وراء زعيمتهن باب المدرسة وأزحن من طريقهن الناظرة الإنجليزية الحازمة «مس كارتر» وانطلقن إلى الطريق العام يهتفن بالعربية والإنجليزية معا، لمصر وللاستقلال التام، وبسقوط الاحتلال والإنجليز. كيف فعلت هذه الزعيمة التى لم تر مظاهرة، ولم تر خطيبا ولا خطيبة؟ وكيف أطاعتها جموع تلميذات المدرسة؟ وكيف لم تخش هذه الجموع الناظرة التى كان كلامها قانونا، وصوتها مرهوبا وشخصها مخوفا؟ إن ذلك كله وحى الفطرة الإنسانية. وحى الفطرة الإنسانية السليمة بلا شك. وطردت أختى الزعيمة من المدرسة، فبقيت أياما فى المنزل، ننظر إليها وتنظر إليها زميلاتها، وجيراننا، باعتبارها شخصية سياسية، تستحق الإعجاب، وتشبه فى محيط الأسرة الزعماء الذين نفوا إلى مالطة فى محيط الأمة. ولكن الإنجليز، قوم مرنوا على ملاينة الشعوب حين تثور، لا ليعطوا الشعوب ما تطلب، بل ليستديروا حول الحركة الوطنية الثائرة الهائجة بحثا عن نقطة ضعف فيها، فينفذوا إلى صميمها ويضربوا الثوار بعضهم ببعض، وفى أكثر الحركات التى تقوم فى البلاد التى طال عهدها بالاحتلال يجرف التيار الوطنى العنيف المتدفق فى وجهه بعض الذين لا يؤمنون بالحركات الوطنية، ويحسبونها جنونا مدمرا، واندفاعا وخيم العواقب، وهؤلاء يستجيبون لمغريات المحتلين، ولا يلبثون حتى ينقلبوا على الحركة، فتقع فى صفوفها الفرقة. وجريا على هذا الأسلوب عفت السلطة عن الطلاب والطالبات الثائرين والثائرات وأعادوهم إلى المدارس مقابل وعد شفوى من ولى الأمر ومن التلميذ بألا يشارك فى الاضطرابات مرة أخرى، وقد عادت أختى كغيرها، ولكن المظاهرات اجتاحت مصر مرة أخرى ولم تستطع أختى الزعيمة أن ترى أمواج البحر تدعوها، إلى إلقاء نفسها فى عبابه، ثم تمنع نفسها من تلبية الدعوة، فما لبثت أن رأت نفسها على رأس تلميذات المدرسة، وإذا بالشعر يتدفق على لسانها، وإذا هى خطيبة تثير الحماسة، ثم تندفع إلى باب المدرسة العتيق الثقيل، فيفتح، وتجرى ناظرة المدرسة وراءها وتمسك بثوبها من أعلاه عند ظهرها، وتقول لها بالإنجليزية: «تذكرى وعدك» فترد عليها أختى وهى فى أعلى درجات الحماسة: «وطنى قبل وعدى»، وتتلقف البنات هذه الكلمة وكأنها قول مأثور فيصحن: «وطنى قبل وعدى»، وربما أفاءت عليهن اللحظة وحيها فقال: «لا وعد لمن لا عهد له.. لا عهد مع أعداء الوطن». وعادت أختى مرة أخرى إلى البيت وقد زاد قدرها كزعيمة.