ضرب الدكتور وحيد عبدالبر، 34 عامًا، من أطباء مستشفى "مشتول السوق" المركزي، بمحافظة الشرقية، مثلًا رائعًا في إنكار الذات والوقوف على خط المواجهة ضمن الأطقم الطبية وأفراد الجيش الأبيض لعلاج المصابين بفيروس كورونا المُستجد، والسيطرة على أزمة تفشي وانتشار الوباء؛ وذلك بعدما قطع إجازته التي حصل عليها قبل عام ونصف لأجل رسالة الدكتوراة الخاصة به وعاد إلى المستشفى. "زوجتي وأولادي لما عرفوا إني قطعت إجازتي علشان أنزل مستشفى العزل قالوا لي أنت بطل، لكن بصراحة همَّ اللي أبطال علشان مستحملين بعدي عنهم وسط القلق اللي بنعيشه"، بهذه الكلمات بدأ عبدالبر حديثه ل"الشروق"، مؤكدًا أن بُعده عن أسرته تخطى حاجز ال90 يومًا منذ بدء الأزمة. وأضاف: "دايمًا على تواصل مع أسرتي عن طريق تطبيق الإيمو، وبقول لهم نتباعد وإحنا قريبين أحسن ما كل واحد يتعزل في مستشفى لوحده"، مشيرًا إلى أن أسرته بسيطة قوامها زوجة وطفلين "مازن" 5 سنوات، و"مالك" 4 سنوات، وأنه حينما يهاتف أطفاله الصغار يعبرون عن شوقهم إليه بطريقة عفوية: "تملي يقولوا لي يا رب الكورونا تموت". عمل الطبيب في الأساس كان ضمن أفراد الطاقم الطبي بمستشفى الصدر بالعباسية، بمحافظة القاهرة، حيث طلب إجازة لمدة عامين لاستكمال رسالة الدكتوراة الخاصة به، وتم الموافقة على الإجازة، لكن مع انتشار الفيروس لم يتحمل الطبيب أن يرى أهل بلدته بمركز مشتول السوق بالشرقية وهم يتألمون في مواجهة الفيروس: "قطعت إجازتي وطلبت أرجع مشتول السوق علشان أخدم أهل بلدي، ومن وقتها من 3 شهور وأنا هنا ومش همشي غير لما أكمل رسالتي على أكمل وجه". وروى "عبدالبر" أحداث ووقائع لم يكن يتخيل أن يراها في ظل الأزمة داخل مبنى العزل: "زوج رفض يستلم زوجته بعد ما تعافت من الفيروس، وقال خليها لما تقضي فترة النقاهة ولما نطمن إنها بقت كويسة وبعدين ناخدها علشان ما تعدينيش أنا والعيال". مستشفى "مشتول السوق" المركزي، والذي جرى تخصيصه لأن يكون مبنى لفرز وعزل الحالات المصابة والمشتبه في إصابتها يضم اثنين من أخصائي الصدر، أحدهما الدكتور وحيد عبدالبر، وهو ما يجعل الضغط مضاعفًا على الطبيب: "إحنا 2 أطباء صدر، ووكيل المستشفى والمدير بيساعدونا في فرز الحالات.. بنفلتر حالات الأمراض التنفسية بتخش العيادة التنفسية، والحالات اللي محتاجة فحص كامل بنفحصها وبنوجهه للمكان المناسب، وعلى مدار اليوم لو أي حد طلبنا بننزل". وأردف: "فيه خط سير للاشتباه وخط سير للطوارئ، ولو في حالة طارئة ومفيش أسرّة بيتم التعامل معها على أنها حرجة جدًا، وبيتم التنسيق لها عن طريق الطوارئ مع المديرية ونقلها بإسعاف مجهز لأقرب مستشفى". موقف آخر لا يزال بتذكره الطبيب بألم لا يغيب عن مخيلته: "من أصعب المواقف طبيب زميلنا جاله الفيروس ورفض يقول لنا علشان نساعده ومات في العيادة بتاعته". وعن الحالات التي كسبت تعاطفه، يقول: "حالة لسيدة عندها 82 سنة، قضت 12 يوما وكانت حالتها صعبة جدًا، لكن بفضل ربنا تعافت وفرحت جدًا إن ربنا كتب لها الشفاء على إيدي"، مشيرًا إلى أن حالات العزل المنزلي يتم متابعتها وإرسال العلاج إليها حتى باب المنزل: "بنبعت لهم العلاج لحد البيت وبتابع معاهم بالتليفون يوم بيوم، ومعانا فريق من الشباب المتطوعين لخدمة المصابين بالعزل المنزلي، وبصراحة كلهم رجالة وما بيتأخروش عن حاجة". وعن مواقف المتطوعين، يقول: "أحد المتطوعين كان في حالة عندها نقص أكسجين مفاجئ، بصراحة الشاب ما كانش يعرفه، وأول ما كلمته راح لها ونقلها للمستشفى مع إنه ما يعرفهاش وما خافش من العدوى.. ربنا يكتر من أمثالهم ولو أي حد من أهالينا احتاج حاجة الشباب متواصل معانا ومعاهم دايمًا بالموبايل". وفي ختام حديثه، وجه الطبيب رسالة إلى جموع المواطنين: "رجاء لكل أهالينا اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية، ولازم الناس تلتزم بالتباعد الاجتماعي وأول ما تلاحظ ظهور أي أعراض، حتى وإن كانت بسيطة، يتم التعامل معاها على الفور من خلال استشارة طبيب أو الكشف والعزل المنزلي، إحنا في مرحلة حرب مع الفيروس وأتمنى من الله يكون اللي جاي أقل صعوبة"