غدًا.. المصريون بالداخل يدلون بأصواتهم في جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    نجيب ساويرس: نصف تكلفة العقار في مصر فوائد    مشاركة قوية لغرفة السياحة بمنتدى مفاتيح الترويج للمقصد المصري مع TripAdvisor العالمية    صحة غزة: استشهاد رضيع بسبب البرد الشديد    روسيا: لن نقدم أي تنازلات تتعلق بالأراضي في محادثات إنهاء حرب أوكرانيا    توقعات بموافقة زيلينسكي ونحو 30 دولة على إنشاء هيئة لدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بأوكرانيا    بطل سيدني.. أحمد الأحمد يكشف تفاصيل لحظاته قبل فقدان الإحساس بذراعه    عاجل- ترامب يصنف الفنتانيل غير المشروع ك "سلاح دمار شامل" ويثير جدلًا قانونيًا وأمنيًا    الزمالك يؤكد ثقته الكاملة في مؤسسات الدولة    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة التشاجر مع جاره لجلسة 23 ديسمبر    فيديو.. الأرصاد توضح مناطق سقوط الأمطار اليوم وتحذر من البرودة ليلا    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتفقدان 6 مدارس بإدارة إدفو لمتابعة انتظام الدراسة    المطلوب كان تشويه صورته.. أنور عبدالمغيث: جهة إنتاجية خارج مصر رفضت مسلسلا عن محمد عبدالوهاب لعدم توافقه مع رؤيتها    عاجل- الصحة تطلق أول دليل مدرسي للوقاية من الإنفلونزا وحماية الطلاب من العدوى    «البنك المركزي» يجدد بروتوكول دعم قوائم الانتظار الصحية لمدة 3 سنوات    غزل المحلة: الأهلي لم يسدد حقوق رعاية إمام عاشور    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    الإسكان تعلن تخصيص قناة رسمية لوحدة التواصل مع المستثمرين والمطورين العقاريين    رئيس الوزراء يفتتح مصنع إنتاج الطلمبات الغاطسة بشركة قها للصناعات الكيماوية.. مدبولى: توجيهات رئاسية بتوطين الصناعة وبناء القدرات البشرية والبنية التحتية.. ووزير الإنتاج الحربي: تقلل الفاتورة الاستيرادية    نقل جثمان طالب جامعى قتله شخصان بسبب مشادة كلامية فى المنوفية إلى المشرحة    هبوط مؤشرات البورصة بمنتصف التعاملات بضغوط مبيعات عربية وأجنبية    من الفتوى إلى هندسة الوعى..الجلسة العلمية الثالثة للندوة الدولية للإفتاء تناقش "الأمن الحضاري للوعي" و"استدامة الثوابت"    تفاصيل افتتاح متحف قراء القرآن الكريم لتوثيق التلاوة المصرية    محمد فراج يبدأ تصوير مسلسله الجديد "أب ولكن" وعرضه على شاشات المتحدة    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد التعليمي هو منهج متكامل يسهم في ترسيخ ثقافة التميز    بيان جديد من الزمالك بشأن تحقيقات النيابة العامة في ملف أرض أكتوبر    الرعاية الصحية تستحدث خدمة تثبيت الفقرات بمستشفى دراو المركزى بأسوان    الأهلي يقترب من حسم صفقة سوبر.. وتكتم على الاسم    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتابعان سير العملية التعليمية بمدرسة الشهيد عمرو فريد    بالفيديو.. تفاصيل بروتوكول التعاون بين "الإفتاء" و"القومي للطفولة" لبناء الوعي المجتمعي    محمد ممدوح يعرض كليته للبيع في «حته مني»    مَن تلزمه نفقة تجهيز الميت؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الخارجية يؤكد أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار بغزة    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    من المرشح الأبرز لجائزة «ذا بيست» 2025    منها التهاب المعدة | أسباب نقص الحديد بالجسم وعلاجه؟    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بمدرسة كفر عامر ورضوان الابتدائية بكفر شكر    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    ضبط جزار ذبح ماشية نافقة خارج المجزر بمدينة الشهداء بالمنوفية    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    برلماني بالشيوخ: المشاركة في الانتخابات ركيزة لدعم الدولة ومؤسساتها    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    قافلة المساعدات ال95 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب مدينة "كراتشي" الباكستانية    البدري: الشحات وأفشة مرشحان للانضمام لأهلي طرابلس    الذهب يرتفع وسط توقعات بخفض جديد للفائدة في يناير    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    مباراة دراماتيكية.. مانشستر يونايتد يتعادل مع بورنموث في الدوري الإنجليزي    تعيين وتجديد تعيين 14 رئيسا لمجالس الأقسام العلمية بكلية طب قصر العينى    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    حورية فرغلي: بقضي وقتي مع الحيوانات ومبقتش بثق في حد    جلال برجس: الرواية أقوى من الخطاب المباشر وتصل حيث تعجز السياسة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 16 ديسمبر    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان حادث تساقط حاويات من قطار بضائع بطوخ    لجنة فنية للتأكد من السلامة الإنشائية للعقارات بموقع حادث سقوط حاويات فارغة من على قطار بطوخ    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شبح مدار».. أن تكون طيفًا دافئًا فى مدارات باردة
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 11 - 2019

ينشر بالتعاون مع نشرة مهرجان القاهرة السينمائي
حينما تكون وحيدًا تنهشك الذكرى، فلم تعد تعرف هل أنت هناك مع من ذهب أم أنك هنا مع من بقي، قد تصبح كائنًا شبحيًا على حافة الأشياء، لا يخص السماء ولا الأرض، زائر ومقيم، يهرب من الوقت لفمه حتى يبتلعه، وخديجة صارت هذا الكائن الشبحيّ الذي يحيا بين شهقة نهار وزفرة ليل متصلين، بطلة الفيلم البلجيكي «شبح مدار» للمخرج «باس ديفوس».
يبدأ الفيلم بداية موحية بطبيعته التأملية متمهلةً السرد، فلمدة دقائق يثبت الكادر على حجرة منزل بجوار نافذة مسدلة الستارة، لا شيء يتغير، سوى وقت يمر، نسمع أصوات الشارع الطبيعية خافتة، ولا تتغير سوى إضاءة الغرفة المنعكسة من النافذة، من نهار يتلاشى إلى غسق إلى ليل يشتد ظلامه تدريجيًّا، لتبدو غرفة شبحية الظلال، يتخلل ذلك صوت هامس لبطلة الفيلم، يهيؤنا لسرد داخلي يعمل في الأعماق.
خديجة امرأة في منتصف العمر من أصل عربيّ، عاملة تنظيف تعيش في بروكسل الباردة، ترتدي حجابًا، هذا ما يمكن أن نعرفه في لقطة ظهورها الأولى وما تلاها، ظهور صاخب الضحك مع زملاء عملها متحدثين جميعًا بالفرنسية، تكون آخر من يسكت بينهم، بمجرد ظهورها تتبعها الكاميرا، فترينا إياها أو ترينا ما ترى، كسرد ذاتي الزاوية، نتتبعها في حديثها وفي تنظيفها لمبنى عملها الواسع، وسط صمت متصل، تبدو ضائعة وسط الأماكن المتسعة عادة، تصور الكاميرا زوايا خاليةً حولها، في تتابع متكرر من الفوتومونتاج لهذا الخواء، بحركة سلسة هادئة، نتتبعها في مشاهد طويلة لا يحدث فيها شيء، ليبدو الزمن حيًّا، في بنية سردية تحتية، لا تحكي حكاية بل ما وراءها.
تركب خديجة المترو لتبدو وحدها في نهاية الليل، نتفقد الأماكن الخالية حولها، تكثر المقاعد الخالية التي تلتقطها الكاميرا، في عالم شتوي بارد، تغفو في عربة المترو في رحلتها الأخيرة لتصبح في طرف المدينة الآخر، بلا نقود ولا وسيلة عودة، ليأخذها هذا الخطأ لرحلة في عالم ليليّ، ربما سعت له في الحقيقة، فهي لا تبدو كمن يريد النجاة، لا نلمح قلقًا أو تلهفًا للعودة، بل تترك نفسها هائمة فيه كشبح، منساقةً لما تقابله، تسير في الشوارع، بألوان أضوائها المشبعة النابعة من الأشياء المحيطة، تقابل شخصيات ليلية تندمج في حوارات معها ويندمجون بعد صمت، في جمل بوحٍ قصيرة، حيث الليل محفّز للبوح وهي أيضا ودودةٌ تبعث على الارتياح، تطل الموسيقى متسربةً خافتةً قليلةَ الظهور بينما تعمّ الأصوات الحية الخافتة لكائنات الليل البارد، تبدو متلكئة يبتلعها كل ما تراه، تشارك الآخرين، نظراتها تبدو متلصّصة على اللا شيء، حالات ومواقف متعددة تمر بها، تجسد على بساطتها مذاق الرحلة والمغامرة، بروح واقعية سحرية، تبدو طيفًا هائمًا دافئًا، ليقابل ذلك إضاءة حساسة تدمج بين إضاءة الليل الزرقاء بشحوبها البارد وبين أضواء حمراء دافئة، كحالة مدارية تنتقل بين طرفين تجمعها بالعالم حولها.
تفصح الصورة والحالة عن نفسها بحوار قليل وحالة ملمحة، فما نعرفه عن خديجة معلومات شحيحة عابرة، فسيناريو الفيلم غني الطبقات، نفهم وحدتها وأن زوجها مات من عشر سنوات ولديها ابن وابنة، لا تظهر منهما إلا الابنة في لقطات بعيدة، نرى ببغاء في قفص كبير متسع، ليروي أحدهم أنهم كانوا أربعة فمات ثلاثة وبقي وحيدًا، لتطل حالة الفقد تعكس وتكمل ما لم يصرح به السيناريو، تهتم بالوحيدين، من مرت بهم في الطريق، كرجل مشرّد مريض وكلبه، تتساءل عن مصيرهما، بلا ظهور مباشر لتأثير الحجاب أو أصلها العربي، لكن اختلافها البادي يبعث شعورًا بالترقب والتشكك، ليمر الوقت دون تطرق لذلك، لا حالة دفاعية مباشرة، لكننا نرى خديجة متعففة ذات كبرياء، لم تجد نقودًا في ماكينة الصرف لكن أجابت العامل بأن كل شيء على ما يرام، نرى تواصلًا جيدًا مع الآخرين ومنهم، بلا تطرق لاختلاف، وحين تُصادف جارًا يبدو مرتابًا بها لمرورها عند منزل قديم، يحادثها متفاديًا النظر إليها، في تربص واستعلاء ضمني، سرعان ما يذوب مطمئنًا لها، فيعرض عليها العمل في منزلهم، لتعتذر بأنها لا تنظف الأماكن الخاصة.
تمضي رحلتها التي تدور في ليلة واحدة دون أحداث كبيرة، لكنها كشفت عن عالمها الداخلي من خارجها، وعن ثقافات متفاعلة، لتنتهي بعودة خديجة وحيدة لمنزلها، ليبدو خلع حجابها كالتعرية الدرامية، فنلمس أعماقها الحزينة التي تفرّ منها في الخارج، لترتديه خارجة من جديد، كمن تسكب نفسها في الزمن لتتلاشى، في حالة من التعاقب المداري بسرد عذب وشاعري عميق، تأخذنا في ثنائيات حواف متضادة تتراوح بين طرفين، يتشابكان بلا فرار؛ حضور وشبحية، الذات والآخر، الحاضر والذكرى، طرفا مدينة، الدفء والبرد، الأزرق والأحمر، والليل والنهار، حيث تعود بنا النهاية لنقطة البداية معكوسة، بلقطة المنزل الخاوي، لكن بتدرج ضوئي من الليل إلى النهار، كتعاقب مستمر بلا فِكاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.