سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 4 مايو 2024    وزير المالية: الاقتصاد المصري بدأ فى استعادة ثقة مؤسسات التصنيف الدولية    أسعار الأسمنت اليوم السبت 4-5-2024 في محافظة قنا    اتحاد العمال: مستهدفات الدولة المصرية للمرحلة المقبلة التركيز على الصناعة    مصر تكثف أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات الإنسانية على شمال قطاع غزة    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    إصابة أربعة أشخاص في انفجارات بمنطقة خاركيف الأوكرانية    فوز وحيد في آخر 6 مباريات.. الأهلي يصطدم بطموح الجونة    برشلونة يحصن نجمه من غدر باريس سان جيرمان    سرعتها تجاوزت ال37 كيلو .. رياح شديدة محملة برمال خفيفة تضرب جنوب سيناء    تحقيقات النيابة العامة في واقعة قتل طفل شبرا الخيمة: تفاصيل جديدة وأدوار المتهمين    إيقاف القطارات بين محطتي الحمام والعُميد لتنفيذ القطار الكهربائي السريع    فيلم السرب يواصل السيطرة على صدارة شباك التذاكر ويقترب من 7 ملايين جنيه في 3 أيام    تعرف على موعد عرض فيلم "بنقدر ظروفك" بعد طرح البوستر الرسمي    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    لأول مرة منذ شهور.. 43 جنيها انخفاضا في سعر طبق البيض اليوم    بايدن يتلقى رسالة من 86 نائبا أمريكيا بشأن غزة.. ماذا جاء فيها؟    ماذا قالت آمال ماهر عن حفلها في جدة عقب انتهائه؟    حسين هريدي: أمريكا لا تؤيد فكرة وقف إطلاق نار دائم في غزة    استعدادا لشم النسيم .. حملة موسعة على محلات الأسماك واللحوم بالقليوبية    بداية من اليوم.. ممنوع دخول المقيمين إلى مكة المكرمة إلا في هذه الحالة    تصل ل600 جنيه.. سعر اللوحات المعدنية في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    دبلوماسي روسي ينتقد الاتهامات الأمريكية بتورط موسكو في الهجمات الإلكترونية على أوروبا    بلينكن يقول إن هجوما إسرائيليا على رفح سيتسبب بأضرار "تتجاوز ما هو مقبول    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حفل ختام الانشطة بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام الألماظية والبازماورد
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 11 - 2019

أحب الطعام جدا، وأسراره وحكاياته. أعشق تناول التاريخ من زاوية الحياة اليومية، وهو ما تفعله في كثير من الأحيان مجلة "الراوي" التي تعنى بالتراث المصري من خلال موضوعات تنشر بالإنجليزية والعربية، تقريبا مرتين في السنة، وحتى إن لم تحقق أرباحا تجارية، فهي تحاول تغطية تكاليفها وتنجح في جذب الممولين منذ بدايتها في نوفمبر 2010.
للاحتفال بعامها العاشر، أطلقت المجلة عددا جديدا الأسبوع الماضي عن تاريخ الطبخ المصري، وأقامت أمسية لطيفة برعاية بعض شركات القطاع الخاص لتدشين العدد الذي أشرفت على تنفيذه بهذا الشكل المتميز رئيسة تحرير المجلة ياسمين الضرغامي، ومحررة العدد الدكتورة منة الله الدري. وهما صديقتان دؤوبتان تأتيان دوما بالجديد من الأفكار، الأولى حصلت على الماجيستير من جامعة ستوكهولم في السياسات التعليمية وتعمل حاليا بمؤسسة القلعة، والثانية عالمة مصريات متخصصة في مجال الغذاء والنباتات، نظمت العام الماضي مؤتمرا عالميا عن الطعام في مصر والسودان. وقد تفاجأ الحضور بتقديمهما بعض الأطعمة المستوحاه من وصفات قديمة خلال حفل الاستقبال، فصار بإمكاننا التعرف على مذاق أطباق مختلفة من أيام الفراعنة أو من القرن الرابع عشر أو الثامن عشر، مع تعريف بسيط لتاريخ كل أكلة ومكوناتها: قلوب الخرشوف مع الفول الحراتي، وسد الحنك، وكلاهما من بداية القرن العشرين، الألماظية أو مهلبية الليمون، وفقا لوصفة أحمد بن إبراهيم طباخ الخديوي اسماعيل في القرن التاسع عشر، كعكة حب العزيز بالبلح من أيام الفراعنة، جبن الحلوم المتبل من القرن الرابع عشر، البازماورد من القرن العاشر وهي شطائر لحم روستو بصلصة ماء الورد كانت تقدم للعامة، على أبواب القصور، أثناء الاحتفالات في العصر الفاطمي، إلى ما غير ذلك.
***
هذه الوصفات وغيرها موجودة بالتفصيل في العدد الأخير من المجلة الذي يجعلنا نرى بوضوح الخيوط التي تصل بين المصريين وتاريخهم منذ بداياته، من خلال حكايات حول الشربات والجعة والسوبيا والحلويات والخبز والملوخية والحمام والنبق والرمان والعدس والخبيزة. وكالعادة يرتبط كل شيء بالسياسة، فمثلا نكتشف أن الشاي والقهوة هما من المشروبات الوافدة، بخلاف البيرة والنبيذ اللذان عرفتهما مصر منذ القدم. تفيد أحد موضوعات المجلة أن القهوة وصلت إلى مصر في القرن السادس عشر، على الأغلب مع الصوفيين اليمنيين من جامعة الأزهر، ولم تكن المشروب الساخن الوحيد الذي دخل مصر تحت حكم العثمانيين، فقد ظهر أيضا السحلب المصنوع من درنات زهرة الأوركيديا المطحونة. أما الشاي، فهو مشروب المستعمرين البريطانيين، ولم يكن صعود نجمه مصادفة، بل كان ملمحا لمشروع استعماري ذي طبيعة رأسمالية واضحة، يستخرج البريطانيون أوراق الشاي من مستعمراتهم في شبه القارة الهندية وينقونها، ثم يصدرونها لمستعمرات أخرى، كما العديد من المواد الخام. كذلك تعمد العثمانيون تجاهل التأثير المملوكي على الفنون والحرف، وبالتالي أن يكون اسم الطبق تركياً لا يعني بالضرورة أن الوصفة تركية الأصل. كما لعبت الطائفية دورا في منع بعض الأطعمة أثناء فترة حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي كان ينتمي إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي، إذ حرم على الناس تناول الملوخية، لأنها كانت الأكلة المفضلة لدى الخليفة الأموي معاوية، كما حظر صنفا آخر شهيرا كان يطهى بالقلقاس عرف بالمتوكلية، لأنه ينسب لاسم الخليفة العباسي المتوكل. وبعد وفاة الحاكم بأمر الله، عاود المصريون تناول أكلاتهم المفضلة، واتخذت المتوكلية اسما آخر، وهو ست الشنع (أفضل الأطعمة المفترى عليها).
***
لا يمكننا أيضا إغفال أهمية الخبز في التاريخ المصري، وقد كان دوما أكل "العيش" هو أقل ما يمكن لحاكم توفيره للناس، ففي العصور المختلفة كان ذلك الحد الأدنى المتوافر للمصريين. عرف بناة الأهرام الخبز المصنوع من قمح الإيمر والشعير، وكان هو السلعة الغذائية الرئيسية للعمال. وفي العصور الوسطى، عاشت الطبقة الحاكمة والصفوة حياة رغدة، إلا أن الفقراء لم يجوعوا قط لأن الخبز كان رخيصا ووفيرا، وفقا لما ذكره كتاب "كنز الفوائد في تنويع الموائد"، موضحا أن "أحد الأماكن غير المتوقعة التي كان يمكن للفقراء الحصول فيها على الطعام اللذيذ والمغذي هو البيمارستان (المستشفى) الذي كانوا يقيمون فيه مع مرضاهم".
وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر كان الخبز مرتبطا بشكل أساسي بالنظام الزراعي واحتكار الدولة لزراعة الحبوب وحصدها ونقلها وتخزين الغلال. وفي كتاب "الخبز في مصر العثمانية" يؤكد مؤلفه، الباحث جمال محمود، أن الدولة والجيش وقتها فرضا سيطرتهما الكاملة على كل ما يتعلق بالخبز، من حجم ووزن وجودة، فقد كان تموين الخبز أحد المشاغل الرئيسية للحكام. وفي أثناء الكوارث، كان سعر القمح هو أول ما يرتفع، مما يؤدي إلى أزمات الخبز والجوع والفوضى والعصيان، لذا تدخلت الدولة دوما من أجل الإبقاء على أسعار الخبز تحت السيطرة ووضع تسعيرة له، وهي ممارسة لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا. ووفقا للدراسة نفسها، شهد العصر العثماني بدايات انحسار عمليات الخبز المنزلي مع انتشار الأسواق والمخابز التجارية التي كانت تحت رقابة مشددة من مفتشي الحكومة ووصل عددها في نهاية القرن السابع عشر إلى 70 مخبزا في القاهرة، وصار للخبازين طائفتهم الخاصة وزقاقهم الخاص.
***
أحيانا نندهش لاستمرارية الأصناف وطرق الطهو، وأحيانا نتابع بشغف عناصر الاختلاف والتحولات، وهو ما يتيحه هذا العدد من مجلة "الراوي" الذي جمع العديد من المصادر والأسماء المتخصصة مثل نوال نصر الله وسامي زبيدة وسليمة إكرام وشهيرة محرز وهالة بركات وغيرهم من الباحثين الأجانب والمصريين الذين اعتمدوا على بعض المراجع الشيقة مثل "هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف"، و"كتاب أبلة نظيرة" أو نظيرة نقولا التي خصص لها موضوعا كاملا، والبرديات، وكتاب "طعام الشرق الأوسط الجديد"، والعديد من أمهات كتب الطهو التي تضيف تفاصيل ونكهات مختلفة لحياتنا وحياة من سبقونا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.