كتاب لمؤلّف مجهول عن الطبخ المصرى فى القرن الرابع عشر، جرّبت مُحقّقته العراقية وصفات عديدة منه، كمُخلّل الشمّر والسوبيا والفوليّة باللحم. «كنز الفوائد فى تنويع الموائد» نُسخة ل«شيف شربينى» من عصر المماليك، يحفل بوصفات تخليل اللفت والزيتون والليمون، والباميا، والملوخية، والسمبوسك، والكشك، والعجّة، و«حُمّص كسّا» الذى عرفناه لاحقًا ب«الحُمّص بالطحينة». وغير ذلك من أصناف أخرى تتماثل تمامًا مع وصفات المطبخ المصرى الحديث. انقطعت لتأليف وترجمة وتحقيق عيون كتب الطبخ العربى الباحثة نوال نصر الله. ومازالت تُواصل، وهى المُقيمة فى الولاياتالمتحدة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضى، جهودها واكتشافاتها، ومنها ترجمة كتاب «كنز الفوائد فى تنويع الموائد» إلى الإنجليزية، ويصدر نوفمبر القادم عن «بريل»، بتقديم وتحقيق مُحكم فى نحو 20 ألف كلمة. وهذا ما يُميّز هذا الإصدار عن الطبعات الإنجليزية السابقة. ظّلت مخطوطة هذا الكتاب - يقع فى 22 بابًا - مجهولة، إلى أن صدرت فى طبعة عربيّة عام 1993 فى بيروت بدعم من وزارة الأبحاث العلمية والتكنولوجية فى ألمانيا الاتحادية، وتحقيق كل من منويللا مرين وديفيد وينز من جمعية المستشرقين الألمانية - سلسلة النشرات الإسلامية. ويُعتبر «كنز الفوائد» بحسب مُقدّمة د. نصر الله فى الطبعة الإنجليزية، كتاب الطهو الوحيد المُتبقّى من فترة كانت القاهرة حاضرة مُزدهرة، وملاذًا ثقافيًا لمختلف الأعراق والجنسيّات. نتعرّف من خلاله على مستوى عيش المصريين فى القرون الوسطى، و820 وصفة من وصفات الطعام لدى «المماليك» من الحلو والحامض والمقلى والمَشوى وأصناف عمل الحلوى والسمك بكل أنواعه وأصناف «المخلّلات، والمشروبات والمُهضّمات»، إضافة إلى «أعمال الطيب والصابون والبخورات وأدوية العرق»، وتخزين الفاكهة إلى غير أوانها. ومن الأصناف اللافتة، «تقلية اليقطين»، ومرقة العصافير، التى يشترط المؤلف أن تُطبخ فى قدحٍ زجاجيّ كانوا يصنعونه فى المغرب والأندلس، حتى تُرى من خلاله العصافير وهى تَغلى وتتحرّك. مُؤلف الكتاب المجهول هو مصرى من العصور الوسطى، هذا ما تُرجّحه الباحثة، بالاستدلال إلى شواهد لُغوية، وأسماء وشُهرة خضروات ولحوم وأطعمة مصرية تُدلّل على الأصل المصرى لمؤلف الكتاب، وليس الطبيب من العصر العباسى حنين ابن إسحق بحسب ما ورد فى إحدى مخطوطات الكتاب الخمسة - صدرت فى كل من كمبردج ودبلن والقاهرة وكلكتا وألمانيا - تقول د. نوال: «غير صحيح، فقد مات حنين ابن اسحق فى عام 873، وهذا وقت مبكّر جدا لعصر كتاب «كنز الفوائد». وتضيف: « على الرغم من أن كاتب «كنز» مجهول، هناك دلائل داخلية تشير إلى مصرية الكتاب. مثلاً الأوزان المستعملة مثل القدح المصرى والرطل الجروى، واستعمال مواد مصرية مثل عسل النحل المصرى والعسل المُرسل الذى يوجد فى مصر فقط والخبز المنفوش والرز الواحى والزبيب الصعيدى واستعمال المفراك وأنواع السمك المستعملة مثل البيسار والبورى وسمك البطارخ واللبيس وفراخ الحمام والملوخية والباميا والقلقاس وغير ذلك، إضافة إلى تكرار استعمال اللهجة المصرية مثل كتابة الخس «خص»، يفقس «يفقش»، و«تطول روحك» وغيرها من الألفاظ». وهى لغة مماثلة لما جمعه يوسف المغربى فى القرن السابع عشر فى كتاب «دفع الإصر عن كلام أهل مصر» عن اللغة المصرية الحديثة (العاميّة). فى 117 من الرسوم التوضيحية الملونة، و22 من الوصفات المُحدّثة لبعض أشهر الأطعمة والطبخات فى الكتاب؛ نمضى فى هذا «الكنز» إلى التعرّف على أشهى وصفات مطبخ ذلك الزمان، ونوادره وحكايات الطعام، وأسواقه ومطاعمه فى القاهرة، ومهرجاناته العامة فى مواسم مثل رمضان والأعياد، وتعليم أصول الطبخ وثقافة الطهى للفتيات، أو «الطبّاخات الجوارى». فبحسب المقريزى، أبرز مؤرّخى مصر فى القرن الرابع عشر الميلادى، فإن جوارى قصور الخلفاء الفاطميين، كن يُقدّمن 80 وصفة أو طبخة من «التقليّة». ما يُميّز هذا الكتاب، عن سائر كُتب الطبخ، هو ذكره «وصايا يلزم الطبّاخ معرفتها» منها اللباقة، وقص الأظافر، وما هى أنواع القدور الصالحة لكل طبخ والحطب المستخدم فى طبخه «كحطب الزيتون الجاف والسنديان»، ثم هناك تصنيفه لأنواع الملح والتوابل، وطرق إعداد وطبخ مختلف قطع اللحم، يقول: «افردْ لكل قدر مَغرفة، وللبصل سكيناً لا تقطع بها شيئاً غيره». ومن أدوات الطبخ فى الكتاب «المفراك» وهى عصا للتقليب، مازالت تُستخدم حتى الآن فى مناطق من جنوب مصر والسودان. أهمية الكتاب أيضًا - والكلام على لسان د. نوال - تكمن فى كونه الوحيد الذى حفظ لنا وصفة «الباميا» الوحيدة من عصر القرون الوسطى. الكتاب هو بمثابة الجسر الحضارى الذى يربط بين العصور القديمة والعصر الحالى. من خلاله نرى فنون الطبخ عبر العصور، وفى بعض الأحيان نرى كيف أن بعض الطبخات حافظت على طابعها التقليدى على الرغم من مرور كل هذه القرون كطبخات الملوخية وطبخات الأسماك وبعض المشروبات مثل «السوبيا». آلة مطبخية بسيطة مثل المفراك تستعمل حاليًا فى الصعيد والسودان لعمل الويكة مثلا، من كان يتصوّر أنها كانت تُستعمل من قبل المصريين القُدامى واستعملت فى إحدى الوصفات الكنزية؟! د. نوال نصرالله، أستاذ الأدب الإنجليزى السابق فى جامعتى الموصل وبغداد، لها كتاب من تأليفها هو «لذائذ جنّات عدن»، عن تاريخ المطبخ العراقى، حصل على جائزة «جوردمان» لعام 2013، وهى من أهم جوائز كُتب الطبخ العالمية، وقدّمته نيويورك تايمز ب«أوديسة الأكل عبر 8 آلاف عام»، ومن ترجماتها كتاب ابن سيار الوراق «كتاب الطبيخ» الذى كتب فى بغداد فى القرن العاشر. تَعمل د. نصرالله حاليًا على استكمال ترجمة ما بقى من الكتب القروسطية المتخصصة بالطعام مثل كتاب «الصيدلة فى ألوان الأطعمة» و«فضالة الإخوان فى طيّبات الطعام والألوان»، وجميعها كُتبت فى المغرب العربى فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر. صفحة كتاب «كنز الفوائد» بالإنجليزية https://egyptianmedievalcookbook.wordpress.com/ صفحة الكتاب بالعربية للقراءة https://archive.org/stream/do-kanz-alfawaid/kanz-alfawaid#page/n0/mode/2up