المدير الإقليمي للبنك الدولي: استراتيجية مصر الوطنية للمدن الذكية تمثل محطة بارزة تضع المواطن في قلب التحول العمراني    رئيس وزراء قطر يعلق على اعتذار نتنياهو    فوز المرج وشبين القناطر والجزيرة وتعادل بطا بالقسم الثالث    عاجل- سكك حديد مصر تُسيّر الرحلة ال21 لعودة الأشقاء السودانيين طوعًا إلى وطنهم    وزير الزراعة يتحدّث للقناة الأولى عن العلاقة مع جهاز مستقبل مصر والقطاع الخاص    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    محافظ الجيزة يفتتح توسعات قسم الرعاية المركزة بمستشفى إمبابة العام    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    الرئيس السيسي يؤكد ضرورة بدء إعداد إستراتيجية جديدة لحقوق الإنسان    خبير أوروبي: التوتر بين روسيا والناتو "على حافة حرب مباشرة"    بعد 5 أيام من اندلاع الحريق.. العثور على جثة ضحية جديدة تحت أنقاض مصنع المحلة    وزير الثقافة يعقد لقاءات مكثفة لدعم مرشح مصر لمنصب مدير اليونسكو    الادعاء الأمريكي في ماريلاند يكشف تفاصيل مصادرة 14 قطعة أثرية مصرية مهربة    وزير الإسكان يُعلن بدء تسليم وحدات مشروع "ڤالي تاورز إيست" بالعبور الجديدة ضمن مبادرة "بيتك في مصر"    أيمن عبدالعزيز: الزمالك لعب أمام الأهلي 80 دقيقة بلا مدرب    مستشفيات محافظة المنيا تحتفل باليوم العالمي للقلب بحملات كشف وتوعية مجانية للمواطنين    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    ترامب يعلن إنجازاته فى الأمن الدولى ويطالب بجائزة نوبل للسلام    زينة أشرف عبد الباقى: أشعر بتوتر كبير فى العمل مع والدى    المتحف المصرى الكبير يستضيف النسخة الثالثة من فعالية "يوم الهوية".. صور    أردا جولر نجم ريال مدريد يتوج بجائزة أفضل صاعد فى الليجا لشهر سبتمبر    محافظة الجيزة: رفع السيارات المتهالكة وحملة نظافة مكبرة بفيصل    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    محافظ الغربية يتفقد الوحدة الصحية ومركز الغسيل الكلوى والحضانات بقرية أبشواى الملق    بث مباشر لمباراة توتنهام ضد بودو جليمت اليوم في دوري أبطال أوروبا    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وزير التربية والتعليم يصدر قرارًا وزاريًا بشأن حافز التفوق الرياضي    "زراعة الفيوم" تنظم ندوة إرشادية حول محصول الكانولا كأحد المحاصيل الزيتية الواعدة    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    «واحدة من الدول الثلاث».. وزير: كوريا الشمالية قادرة على ضرب البر الرئيسي الأمريكي    اتحاد الكرة يؤكد ثقته في الحكام المصريين    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    تشافي يرد على عرض اتحاد جدة السعودي    قناة مجانية تنقل مباراة منتخب الشباب ضد نيوزيلندا في المونديال    صلاح أساسيا في تشكيل ليفربول المتوقع أمام جالاتا سراي    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    مصرع 7 عناصر إجرامية شديدة الخطورة في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بالبحيرة    ما حكم قتل الكلاب الضالة المؤذية؟ دار الإفتاء تجيب    تعرف على العد التنازلى لشهر رمضان المبارك وأول أيامه فلكيا    مهن المستقبل.. جدارات متجددة    أرقام عماد النحاس فى دور المدير الفنى المؤقت للنادى الأهلى للمرة الثانية هذا العام    الرئيس السيسى يستقبل الأمير "رحيم" رئيس شبكة الآغا خان للتنمية ويهنئه بمنصبه ويشيد بإسهامات والده فى دعم التنمية وحفظ التراث الإسلامى.. الرئيس: حياة كريمة و100 مليون صحة تجسد رؤية مصر 2030 للاستثمار فى الإنسان    مبعوث رئيس كوريا: مصر تلعب دورا محوريا فى تعزيز سلام واستقرار المنطقة    ما حكم ما يسمى بزواج النفحة.. الإفتاء توضح    رئيس الوزراء يتفقد عددا من المنشآت التعليمية بقرية سبك الأحد    مجلس الشيوخ ينعقد الخميس 2 أكتوبر و17 أكتوبر نهاية الفصل التشريعي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأميم النشاط الطلابى.. حصار لمستقبل مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2009

التقيت منذ أيام فى حوار مع مجموعة من الشباب، بعضهم غادر الدراسة الجامعية أخيرا، وبعضهم لا يزال فى المرحلة الجامعية. تطرق الحديث إلى قضايا شتى، من بينها حال المشاركة الطلابية فى الجامعة. وقد استغربت أن هؤلاء الشباب يتحدثون عن الديمقراطية.
فى الوقت الذى يبررون فيه ممارسات استبدادية. حجر الزاوية فى رأيهم أن ما فرضته اللائحة الطلابية التى صدرت عام 1979م من قيود على النشاط الطلابى، وهى القيود التى استمرت، بل تنامت فى اللائحة الطلابية التى صدرت عام 2007م فقط من أجل حصار التيار الإسلامى.
وضرب بعضهم أمثلة بما فعله التيار الإسلامى حين استأثر بالنشاط الطلابى فى الجامعة من فرض نماذج سلوكية متشددة على الطلاب، والفصل بين الجنسين، وتكثيف الجرعة الدينية الشكلية على الحياة الطلابية، فضلا عن اللجوء أحيانا إلى العنف فى مواجهة الطلاب المختلفين فكريا، أو دينيا، أو سلوكيا. معظم ما ذكره هؤلاء الشباب صحيح.
حدث الكثير منه فى جامعات الصعيد تحديدا، مثل جامعتى المنيا وأسيوط. ولكن المسألة برمتها تحتاج إلى قراءة مختلفة، التبسيط المخل لها لا يفيد على الأقل عند الحديث عن الديمقراطية.
(1)
عرفت الجامعة لائحة طلابية ليبرالية عام 1976م، رافقها برلمان ضم خيرة السياسيين، جاء نتيجة انتخابات نزيهة. من أبرز ملامح هذه اللائحة وجود لجنة سياسية ضمن اللجان الطلابية، واتحاد عام لطلاب الجمهورية.
وعندما ضاق هامش الديمقراطية فى النصف الثانى من السبعينيات، وعلت المعارضة اليسارية والإسلامية فى وجه الكثير من سياسات النظام الساداتى، خصوصا اتفاقيات كامب ديفيد، حدث نكوص ديمقراطى تمثل فى برلمان عام 1979م، الذى خرج منه المعارضون، ولائحة طلابية جديدة غابت عنها اللجنة السياسية، والاتحاد العام لطلاب الجمهورية.
وضعت اللائحة الطلابية مجمل النشاط الطلابى تحت ولاية البيروقراطية الجامعية، بدءا من الترشح لعضوية الاتحادات الطلابية وانتهاء بالممارسة الفعلية. طبقا للائحة يجب أن يكون المرشح لعضوية الاتحادات الطلابية «متصفا بالخلق القويم والسمعة الحسنة»، وأن يكون «من ذوى النشاط الملحوظ فى مجال عمل اللجنة التى يرشح نفسه فيها».
نتبين من قراءة الشرطين أن العبارات الواردة غير محددة، وهو ما أعطى مبررا للإدارة الجامعية وأجهزة الأمن فى شطب أعداد من الطلاب ذوى الاتجاهات المعارضة من الترشح فى الانتخابات، فضلا عن تغليظ العقوبات ضد الطلاب طبقا لنصوص مطاطة يمكن توظيفها حسب الأحوال، مثل معاقبة الطلاب على «كل فعل يتنافى مع الشرف أو الكرامة أو مخل بحسن السير والسلوك داخل الجامعة وخارجها»، وكذلك «الاشتراك فى مظاهرات مخالفة للنظام العام والآداب».
وجاءت اللائحة الطلابية عام 2007م، والتى توصف بلائحة وزير التعليم العالى هانى هلال، أمتدادا للائحة عام 1979م، بل أكثر من هذا، كبلت الأنشطة الطلابية بقيود جديدة. فقد أبقت على ما تحتويه اللائحة الطلابية لعام 1979م من إلغاء للاتحاد العام لطلاب مصر، وكذلك لجنة النشاط السياسى، فضلا عن استمرار تغلغل البيروقراطية الجامعية المدنية والأمنية فى مجريات النشاط الطلابى من خلال التأكيد على ضرورة الحصول على موافقات مسبقة من الإدارة الجامعية قبل عقد أى نشاط طلابى من ندوات أو محاضرات أو مؤتمرات أو غيرها.
وشددت اللائحة من شروط الترشيح للاتحادات الطلابية، حيث نصت على أن يكون للطالب الراغب فى الترشيح نشاط «فعال ومستمر»، فى حين أن لائحة عام 1979م كانت تشترط فقط أن يكون الطالب من ذوى النشاط الملحوظ فى مجال عمل اللجنة. وفى الوقت الذى كانت فيه لائحة عام 1979م تشترط سداد الطالب رسوم الاتحاد للترشيح، وهى رسوم شديدة التواضع، فإن اللائحة الجديدة تشترط أن يسدد الطلاب، مرشحين وناخبين، الرسوم الدراسية كاملة.
(2)
لم تطرح لائحة «هانى هلال» للحوار المجتمعى، ولم يستطلع رأى منظمات المجتمع المدنى بشأنها، وكان هناك ما يشبه الحرص على عدم حدوث ذلك.
أجريت انتخابات الاتحادات الطلابية فى أكتوبر عام 2008م فى ظل اللائحة الجديدة، وشهدت عزوفا من الطلاب عن المشاركة، حتى إن غالبية الاتحادات جرى شغلها بالتزكية (لغياب وجود مرشحين منافسين)، أو بالتعيين (لعدم اكتمال النصاب القانونى لمجمل الناخبين).
نتيجة لكل ذلك، نشأ ما يعرف بالاتحادات الطلابية الموازية التى يدعمها التيار الإسلامى، فى محاولة لخلق هيكلية موازية للنشاط الطلابى، وهى ظاهرة تزداد عمقا فى المجتمع المصرى، حيث تشهد مؤسسات عديدة محاولات لإنشاء كيانات موازية تعبر عن رأيها، بعد أن جرى مصادرة الكيانات الأصلية، ولم تعد تعبر عن التنوع السياسى والثقافى الذى تحتويه.
وهكذا أصيبت الحياة الطلابية، أسوة بالحياة السياسية، بحالة من الجمود، والعزوف العام، والرغبة فى الانكفاء، خصوصا بعد أن تحولت الاتحادات الطلابية من مجالس تمثيلية معبرة عن الطلاب، إلى مجرد تجمع يضم طلابا ترى البيروقراطية الجامعية أنهم «يمارسون نشاطًا» له سمة الفاعلية والاستمرارية، وهو أمر مرده إلى التقييم الشخصى، وليس إلى قواعد عامة مجردة يمكن الاحتكام إليها.
(3)
ما حدث هو أمر خطير بكل المعايير. القضية ليست فى التيار الإسلامى، ولكن فى تجفيف منابع الفعل السياسى. هنا مكمن الخطورة على أى مجتمع يود أن يكون ديمقراطيا، لأنه لا يمكن نظريا وعمليا تصور مجتمع ديمقراطى يقوم على الاستبعاد، وإنما يقوم المجتمع الديمقراطى على الاستيعاب.
هذا هو الخطأ الذى يصر عليه النظام الحاكم. فإذا كانت القضية هى الانتصار للدولة المدنية، ومحاصرة الاتجاهات التى تخلط بين الدينى والسياسى، وهو أمر أنحاز إليه بشكل شخصى، فإن هذا لا يكون بتجفيف منابع الفعل السياسى، ولكن يتحقق من خلال تنشيط التيارات السياسية الأخرى، وتقوية مناعتها.
وإيجاد مناخ من الانفتاح يتيح التنافس بين المختلفين سياسيا وفكريا، وهو ما يجعل الجامعة ساحة فكرية لإعداد كوادر تقود العمل السياسى والثقافى فى المجتمع. فى هذه الحالة سيحصل كل تيار سياسى على حجمه الحقيقى، ويسعى إلى تطوير أدواته وقدراته.
أما ما حدث فهو حصار كامل للحياة الطلابية فى الجامعة، مما سمح بطرد كل القوى السياسية، بما فى ذلك الحزب الوطنى، على الأقل علنا، وسمح للتيار الإسلامى بأن يكون وحده صاحب الفاعلية، والحضور المباشر والموازى، وتحولت الجامعة إلى «مدرسة» كبيرة مختلطة، تعرف من أدوات القسر الكثير، ومن الحرية القليل.
هذه ليست الجامعة التى كانت فى السابق، ويجرى الاحتفال بمئويتها هذه الأيام. ويكفى أن نرصد الكوادر السياسية والفكرية الحالية التى بزغت فى ظل لوائح طلابية ليبرالية فى السابق، وضحالة مثيلاتها التى نشأت فى أجواء الحصار الثقافى والسياسى، لنصل إلى نتيجة مفادها أن حصار الجامعة، هو فى الواقع حصار لمستقبل مصر.
كاتب وناشط مدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.