لا أعرف تحديدا من هو أول من أطلق كذبة أن الرياضة، خصوصا كرة القدم، تقرب بين الشعوب، ولا أعرف لماذا نستمر فى ترديد هذه المقولة مثل الببغاوات دون تمحيص أو تحقيق؟! فى الماضى كانت الرياضة المفضلة لبعض الملوك والأمراء هى أن يتركوا المصارعين سواء كانوا عبيدا أو رعية يتصارعون حتى يقتل أحدهما الآخر. ومع بروز الرادع الأخلاقى توقفت هذه الرياضة الدموية لتحل الديكة محل الإنسان.. وعندما اكتشف العالم أن الحروب المباشرة صارت أكثر تكلفة اقتصاديا وإنسانيا اخترع الرياضة لتكون المتنفس الذى يمكن عبرها خوض المعارك لكن بصور أقل فجاجة. يفترض فى ظل مجتمعات عاقلة، ومستوى وعى متقدم أن تكون الرياضة فعلا عاملا للتقريب بين الشعوب والبشر فى كل مكان، سواء داخل البلد الواحد أو بين البلدان المختلفة، وللموضوعية فكثيرون يحاولون فعل ذلك.. لكن على أرض الواقع فإن الصورة بالغة القتامة. فالنجيل الأخضر لم يكن دوما ساحة للتنافس الشريف، واكتسى فى مرات عديدة بلون الدم الأحمر القانى. فى 14 يوليو 2009 تشاجر مشجعو السلفادور وهندوراس خلال مباراة بلديهما فى تصفيات كأس العالم وسقط جرحى وقتلى، وبعد المباراة مباشرة نشبت الحرب بين البلدين. وبسبب التدافع بين جماهير لقى المئات مصرعهم، ففى مباراة ليفربول وتوتنهام فورست قتل 96 شخصا فى استاد هيلزبروه، وقتل 40 شخصا فى اشتباكات بين مشجعى سيفاسبو وقيصرى فى استاد أتاتورك التركى، وفى عام 1964 أدت أحداث الشغب التى أعقبت مباراة بيرو والأرجنتين فى ليما إلى مقتل 300 شخص وإصابة الآلاف نتيجة الاحتجاج على قرار قيل إنه ظالم لحكم المباراة، كما قتل 41 شخصا فى استاد هسيل البلجيكى بسبب أعمال عنف قام بها مشجعو ليفربول بعد مباراة فريقهم مع اليوفنتوس الإيطالى، وقتل 22 شخصا فى تدافع بأحد ملاعب ساحل العاج فى أثناء مباراته مع ملاوى عام 2005. وعربيا، سقط خلال الموسم الكروى الماضى فى الجزائر 4 قتلى و1078 جريحا، وقبل ذلك بعامين قتل شخص خلال مباراة الزوراء والقوة الجوية العراقية. وفى معظم المباريات بين «الأشقاء العرب» تحدث كوارث وراجعوا غالبية مباريات ليبيا مع مصر وأحيانا الجزائر. هل معنى ذلك أن نلقى كرة القدم ونتفرغ لمشاهدة المفتش كرومبو أو برامج الطبخ؟! بالطبع لا.. لكنها مجرد محاولة للفت نظر الزملاء الإعلاميين بأن غالبيتهم، خصوصا فى الحقل الرياضى، يرتكبون جرائم لا يعلمون مدى خطورتها حينما ينساقون لإرضاء أحط أنواع الغرائز لدى قلة جاهلة من الجماهير.. ولا يدركون أنهم تورطوا فى كل أركان الجريمة، ولم يبق فقط إلا الضغط على الزناد. ما يحدث الآن فى غالبية الإعلام المصرى أو الجزائرى هو جريمة كاملة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. إذا استمر الأمر كذلك فاحذروا كارثة كبرى فى 14 نوفمبر المقبل. [email protected]