إذا كنت من عشاق الرياضة ومتابعى أخبارها، فأرجو أن تساعدنى فى الإجابة عن الأسئلة التالية: كم صرفت الحكومة من ميزانية الدولة؟ وكم أخذت من جيبك كدافع للضرائب خلال السنوات العشر الماضية لتنفق على كرة القدم والسلة واليد والمصارعة وغيرها؟.. وما المقابل الذى منحه نجوم تلك الرياضات للبلد؟.. أعرف أنها أسئلة مملة، طرحها كثيرون قبلى، ومع ذلك لا مفر من ترديدها فى كل مناسبة، حتى تكفَّ الحكومة عن جعل إحدى أذنيها من طين والأخرى من عجين!.. تقول التقارير الرسمية إن حكومتنا الرشيدة أنفقت حوالى 119 مليون جنيه للإعداد لدورة بكين الأوليمبية، التى عدنا منها بميدالية برونزية يتيمة، فى الجودو! حينها اشتعل الجميع غضبًا، وعلت الأصوات تطالب بتقديم المسؤولين عن تلك الوكسة إلى التحقيق، لكن حدة الغضب بدأت فى الانكسار تدريجيا، كما هى عادتنا عقب كل مصيبة!.. والفضل فى ذلك يرجع هذه المرة إلى لجنة تقصى الحقائق التى شكلت برئاسة الدكتور مفيد شهاب، ونجحت بجدارة فى امتصاص الغضب الشعبى !.. طبعا لم يكن الأمر بحاجة إلى تشكيل لجان لو أن القائمين على أمر الرياضة يحتفظون بقدر ضئيل من احترام الناس!.. فى بلدان أخرى- لسنا أقل شأنا منها- عندما يقع سيناريو مشابه يقدم المسؤول الأول عن الرياضة استقالته، ولو تردد يوما أو بعض يوم فى اتخاذ تلك الخطوة لتسلم خطاب الإقالة بعلم الوصول! لكن الحكومة المصرية تعرف سيكولوجية رعاياها، وتوقن أن الزمن كفيل بتجفيف الدموع ومداواة الأحزان..جربتنا فى حوادث عديدة: حريق مسرح بنى سويف، غرق عبّارة السلام 98، انهيار صخور الدويقة وغيرها.. فلماذا تقيل حسن صقر، رئيس المجلس القومى للرياضة، ولماذا يقدم الرجل- وحده- استقالته؟!.. إننى لا أنادى بشطب الرياضة من حياتنا، بل أدعو إلى تنظيم الإنفاق عليها، الذى يبلغ فى معظم الأحيان حد السَّفه!.. لو كان العائد المعنوى من الرياضة مجزيًا لطالبنا- بنفوس راضية- بزيادة مخصصاتها المالية. أما والحال هكذا، فالأفضل أن ننتبه إلى مجالات أخرى أهمها البحث العلمى.. فى هذا الخصوص أثلج صدرى خبر قرأته قبل أيام فى «الشروق» عن مسابقة أقامتها جامعة أكتوبر فى العلوم والهندسة، شارك فيها عشرات الطلاب الموهوبون من شتى المحافظات.. قدم هؤلاء أبحاثا تجعلهم- بحق- نواة لفريق علمى، يستحق أن نستثمر فيه بكل ما نستطيع.. توقفت أمام عناوين الأبحاث فسرت فى عروقى طمأنينة على مستقبل هذا البلد، وتمنيت فى تلك اللحظة أن أحظى بشرف تحية (أميرة بدران) التى ابتكرت طريقة حديثة لتغطية الجلد فى حالات الحروق، و«جينا جيد» التى ابتكرت جهازًا لترجمة لغة الإشارة للصم والبكم، و«كارولين سليم» التى توصلت إلى تشخيص سريع لبكتيريا قرحة المعدة!.. تلك الأبحاث وغيرها نالت اعترافًا وتقديرًا من لجنة علمية رفيعة المستوى، لا تعرف الواسطة إليها طريقًا، أفلا يستحق أصحابها أن نوفر لهم الرعاية المعنوية والمادية أم أن ذلك مقصور فقط على «الكباتن» الذين يعودون إلينا بعد البطولات بخفى حنين؟!.. لنعترف بالفشل فى صنع أبطال أوليمبيين فى الألعاب الفردية، وبالخيبة فى تأسيس فرق قادرة على المنافسة فى الألعاب الجماعية، ولنقف وقفة جادة- حكومة ومعارضة- من أجل المطالبة بترشيد الإنفاق على الرياضة، مقابل زيادة ميزانية البحث العلمى.. صدقونى، أميرة وجينا وكارولين وزملاؤهن سيرفعون رأسنا عاليًا! [email protected]