منذ دخول الإسلام مصر من 14 قرنا تقريبا احترم الآثار والمدافن الفرعونية والقبطية ولم يتعرض لها بسوء، وخلال تلك القرون مارس المصريون شعائر دينهم ودفنوا موتاهم وموتى من مات بمصر من الصحابة وأهل البيت وأقاموا أضرحتهم الخاصة وأضرحة آل البيت والأولياء الصالحين، واعتدنا زيارة أضرحة الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وغيرها، كما اعتاد من يحج على زيارة قبر النبى فى المدين والمدفون بجانبه صاحبيه أبى بكر وعمر، واعتاد المصريون أيضا إقامة موالد الأولياء الصالحين والاحتفال حول أضرحتهم ومدافنهم، مثل مولد السيد أحمد البدوى بطنطا ومولد السيد إبراهيم الدسوقى، والمرسى أبو العباس وعبدالرحيم القنائى وغيرهم. ويحرص كثير من أبناء هذا الوطن على زيارة مقابر موتاهم فى المناسبات والأعياد لقضاء بعض الوقت معهم ثم مواصلة الاحتفال بعدها، وأضفى المصريون على مراقد المسلمين والمسيحيين احتراما ومنها ما يعد اليوم مزارا يتبرك به المسيحيون ويزوره المسلمون لا أحد يشغل باله بمن رقد وكيف رقد، ويؤثمون نبش القبور والعبث بتلك المراقد والأضرحة، ولم يخل ذلك يوما بمعتقدهم ولا بأدائهم الفروض، ومارس الجميع طقوسه فى أمان تميزت به المحروسة. وذكر الكاتب رجائى عطية فى كتابه «تجديد الفكر والخطاب الدينى»، الصادر عن «دار الشروق»، أنه من المؤسف أن البعض استغل الفوضى التى عمت البلاد بعد ثورة 25 يناير، والخروج عن النظام العام، فرأينا من لا يفقهون فى الدين يفتون فيه، مدعين لأنفسهم مرجعية إسلامية اصطنعوها لا تتفق والإسلام، ويستبيحون هدم المدافن والأضرحة غير مبالين بحرمة الموتى ولا بإيذاء مشاعر المصريين وتخويفهم، خارجين بذلك على الأعراف المستقرة فى ضمير الجماعة الإسلامية بمصر. ووصلت أصداء تلك الممارسات إلى الأزهر الشريف ورفض مجمع البحوث الإسلامية فى بيان له ذلك وأعرب عن استيائه من تلك التصرفات واعتبرها محرمة شرعا ومجرمة عرفا وقانونا وناشد المسلمين بالتصدى لأولئك المعتدين. وتقدم المجلس الأعلى لرعاية آل البيت بشكوى لعرضها على الأزهر الشريف عن هدم مراقد الأولياء وبعضها لآل البيت ومطالبا بإعادة بناء المراقد التى هدمت، وعرض الأمر على لجنة التعريف بالإسلام فى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التى أنكرت تلك التصرفات وإن خشيت من إعادة بناء المراقد مجددا لأنها قد تحدث فتنا كبيرة، لكن بادر فضيلة شيخ الأزهر وقال إنه لا يصح القعود عن واجب إعادة بناء تلك المراقد لخوف أو خشية. وأبدى الدكتور أحمد عمر هاشم رفضه لتلك الممارسات وقال إن هدم الأضرحة ومراقد الأولياء غير جائز شرعا، واستدل بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وضريحه الذى بنى فى عهد الخلفاء الراشدين، وأقر الصحابة جميعا هذا البناء، مشيرا إلى كتاب عن شرعية المراقد والأضرحة للشيخ محمد زكى إبراهيم رائد العشيرة المحمدية بعنوان «مراقد آل البيت»، بين فيه بالأدلة الشرعية مشروعية هذه المراقد والأضرحة، ومن ثم ليس للسلفيين ولا لغيرهم الاعتداء على تلك المراقد خروجا على رأى جمهور فقهاء المسلمين، وأضاف فضيلة الإمام شيخ الأزهر أن الإمام أحمد بن حنبل المعتبر عند أهل السنة والسلفيين له مرقد بالعراق تعلوه قبة ولم يتعرض له أحد بسوء. وإلى جانب تجريم تلك الممارسات شرعا، يفرض قانون العقوبات المصرى سياجا من الحماية لحرمة القبور وتعاقب المادة 160 بالحبس إلى 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن خمسمائة، كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات ودنسها، وغلظ النص العقوبة إلى السجن حتى 5 سنوات إذا ارتكبت الجريمة لتنفيذ غرض إرهابى، وجرمت المادة 162 وعاقبت بالحبس حتى 3 سنوات وغرامة 500 جنيه أو إحداهما كل من هدم أو أتلف عمدا مبانى أو منشآت ذات قيمة تذكارية أو فنية. ورد الأزهر بأنه لا يجوز شرعا هدم الأضرحة وأخطر وزارة الأوقاف بذلك لاتخاذ اللازم نحو حمايتها وإعادة ما هدم منها بالتنسيق مع الأمن لحماية تلك المقابر وحماية حرمة الأموات.