الحماية المقررة بالقانون الوضعي لم يكلف أحدٌ من المتعرضين لحرمة المقابر والأجساد المدفونة في المقابر والأضرحة لم يكلف نفسه بالرجوع إلي قوانين البلاد، ولا إلي أهل العلم بالقانون، وهم لو رجعوا أو سألوا، لعرفوا أن قانون العقوبات المصري فرض سياجًا من الحماية لحرمة الأجداث والقبور. وأن المادة 160 من قانون العقوبات، قد عاقبت بالحبس الذي يمكن أن يصل إلي ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد علي خمسمائة جنيه، أو بإحدي هاتين العقوبتين (أولاً) .. (ثانيًا) .. (ثالثًا) كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها، وأن النص قد غلّظ العقوبة إلي السجن حتي خمس سنوات إذا ارتكبت الجريمة تنفيذًا لغرض إرهابي، وأن المادة 162 من قانون العقوبات، قد جرّمت فيما جرّمته وعاقبت بالحبس حتي ثلاث سنوات وبالغرامة حتي خمسمائة جنيه أو بإحداهما، كل من هدم أو أتلف عمدًا شيئًا من المباني أو الأملاك أو المنشآت ذات القيمة التذكارية أو الفنية، وكل من قطع أو أتلف أشجارًا مغروسة في الأماكن المعدة للعبادة، فضلاً عن الحكم عليه بدفع قيمة ما هدمه أو أتلفه من الأشياء، ويضاعف الحد الأقصي للعقوبة إذا ارتكبت الجريمة لغرض إرهابي . وأن المادة 361 تعاقب بالحبس حتي ستة أشهر وبغرامة حتي ثلاثمائة جنيه أو بإحداهما، كل من خرّب أو أتلف عمدًا أموالاً ثابتة أو منقولة لا يمتلكها أو جعلها غير صالحة للاستعمال، وتغلظ عقوبة الحبس لتكون حتي سنتين والغرامة حتي خمسمائة جنيه أو بإحداهما إذا نجم عن الفعل ضرر قيمته خمسون جنيهًا أو أكثر، وتغلظ العقوبة إلي السجن حتي خمس سنين وغرامة حتي ألف جنيه إذا نشأ عن الفعل تعطيل أو توقيف أعمال مصلحة ذات نفع عام ( وذلك ينسحب علي الممتلكات ودور العبادة التابعة للأوقاف ) أو إذا ترتب علي الفعل جعل الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، ويضاعف الحد الأقصي للعقوبات إذا ارتكبت الجريمة لغرض إرهابي . فهدم الأضرحة والمراقد، وانتهاك حرمة القبور والجبانات، يشكل عدة جرائم في قانون العقوبات المصري، ومعاقب عليها بعقوبات تصل في بعض الأحوال إلي عقوبات الجنايات، فضلاً عن مخالفته لصحيح مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية . قرار مجمع البحوث الإسلامية يوم عرض هذا الموضوع بتداعياته، علي مجمع البحوث الإسلامية، وافق المجمع في قراره علي ما ورد بمذكرة لجنة التعريف بالإسلام من رد شرعي علي البنود التي تضمنتها، وموافاة الجهة الوارد منها الكتاب بهذا الرد، مع نشره بمجلة الأزهر .. أما فيما يتعلق بالبند ( أولاً ) من الرد والمتعلق بهدم مقابر الأولياء فقد نبه المجمع إلي أن هدمها لا يجوز شرعًا، مع إخطار وزارة الأوقاف بذلك لاتخاذ اللازم نحوحماية هذه المراقد وإعادة بناء ما هدم منها بالتنسيق مع الأمن لحماية هذه المقابر ومراعاة لحرمة الأموات، ودرءًا للفتنة . تكرار الخروج علي أعراف الجماعة من الغريب اللافت، أن يستيسر الخارجون علي أعراف الجماعة، وآراء جمهور الفقهاء، هذا الخروج الذي يصدمون به الناس في معتقداتهم وحرمة موتاهم، مع أن هذه الأعراف مستقرة في ضمير الجماعة الإسلامية في مصر من مئات السنين، حتي أنها لا تحرم فقط نبش القبور ولا هدم المراقد والأضرحة، وإنما تتوسع في الحماية إلي كل ما فيه مساس بهذه الحرمات حتي وإن حسنت النوايا، وقامت ضرورة تبيح نقل المقابر لا هدمها، وتستلزم ثبوت هذه الضرورة، وتضع لنقل المقابر ضوابط تتفق مع حرمة الجبانات وحرمة المساس بالأجساد الراقدة فيها.. وقد عرض علي دار الإفتاء أمر نقل بعض المقابر الواقعة داخل مدينة القاهرة إلي خارجها أو إلي أطرافها، وقيل في تبرير عرض هذا الأمر، أنه سيحقق تطهير هذه الأماكن من المجرمين القاطنين فيها ممن يروعون الآمنين وينشرون الفساد، مع قيام المصلحة في تحويل هذه المساحة الشاسعة إلي مساحات خضراء، وأن هناك من الفقهاء من أجاز نقل الميت، ومنهم من أجاز استعمال أرض المقبرة إذا اندرست، أي قدم العهد بها وزالت معالمها.. وجاء بمقدمة فتوي دار الإفتاء (1789/2009 في 11/10/2009) أن الله تعالي قد كرم الإنسان: » وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً » (الإسراء 70)، وأن من تكريمه سبحانه وتعالي لهم، أن هداهم إلي دفن موتاهم، وقص القرآن الحكيم ذلك في قصة ابني آدم، فجاء به : »فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ» (المائدة 31)، وجاء بسورة المرسلات : » أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا . أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا » (المرسلات 25، 26).. أي أن الله تبارك وتعالي قد أنعم علينا بتسخير الأرض لمصالحنا، فجعلها » كفاتا » لنا .. أي ضامة لأجسادنا فوق ظهرها حال حياتنا، وفي جوفها حال موتنا .. والدفن في الشريعة معدود من فروض الكفايات، وهذا الفرض هوكل فهم ديني يراد حصوله ولا يُقصد به عين من يتولاه، بحيث إنه إذا قام به من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه جميعًا أثموا جميعًا . وجاء في »المجموع» للإمام النووي أن غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض كفاية بلا خلاف .. والمسلم إذا دفن في موضع من المواضع الجائز الدفن فيها، كان هذا الموضع حبسًا عليه ما دامت بقايا جسده قائمة لم تتحلل ولم تتحول عظامه إلي الصورة الترابية .. إلاَّ لضرورة، ولا ينحل هذا الحبس إلاَّ بتحلل الجسد والعظام تمامًا بحيث يصير ترابًا .. ويستخلص من ذلك أنه إذا كانت بقايا جسد الميت لم تتحلل ولم تتحول عظامه إلي الصورة الترابية، فإن الأصل هوحرمة نقله لما في ذلك من انتهاك لحرمته، وقد ورد في ذلك من الحديث، ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : » كسر عظم الميت ككسره حيًا » . وجاء في » شرح مشكاة المصابيح » للعلامة الطِّيبي أن ذلك فيه دلالة علي أن إكرام الميت مندوب إليه في جميع ما يجب كإكرامه حيًا، وأن إهانته منهيٌّ عنها كما في الحياة .. وقال العلامة ابن الحاج المالكي في كتابه » المدخل » معلقًا علي الحديث الشريف، بأن ذلك واجب في العظم وفي غيره قل أو كثر، وقال أيضًا : » إن العلماء قد اتفقوا علي أن الموضع الذي دفن فيه المسلم وقف عليه ما دام شيء منه موجودًا حتي يفني، فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه، فإن بقي شيء ما من عظامه فالحرمة قائمة كجميعه، ولا يجوز أن يحفر عليه ولا أن يدفن معه غيره ولا يكشف عنه اتفاقًا إلاَّ أن يكون موضع قبره قد غصب » !؟ ومؤدي ذلك أن جواز نقل المقبرة، لا هدمها لمجرد الهدم، مشروط بأن يكون المقبور قد اندرس جسده وانسحقت عظامه واستحالت ترابًا . وأن المقابر العامة من ثم لا يجوز نقلها حتي مع قيام المصلحة، إلاَّ إذا أوقف الدفن فيها تمامًا لفترة كافية حتي تبلي الأجساد وتصير رميمًا وترابًا، وإلاَّ كان التعرض لها نبشًا للقبور ومساسًا بحرمة الموتي والجبانات. فإذا جاز النقل، واستوفي شرطه الشرعي، فإنه يتوجب رعاية شروط أخري إذا كانت المقابر ملكيات خاصة أو لأوقاف، علي تفصيل في ذلك يخرج عن مقاصد هذه الكلمات . المهم أن دار الإفتاء، حرصت في فتواها المطولة علي أن تعرض كافة الأدلة الشرعية، وأكدت فيما أكدته فيها أن حرمة نبش قبر الميت وهتك حرمته، تشتد وتتضاعف إذا كان النبش جماعيًا، وانتهت دار الإفتاء، بناء علي الأدلة الشرعية التفصيلية، إلي حرمة نقل المقابر الواقعة داخل مدينة القاهرة إلي أطرافها أو إلي خارجها إذا حصل قبل المدة التي يعرف بواسطة أهل الخبرة أنه معها تستحيل أجساد موتي هذه المقابر إلي الصورة الترابية، فضلاً عن اشتراط رضا مالك أو ملاك المقبرة ببيعها أو استبدالها، وإلاَّ كان ذلك حرامًا، وأنه لا يجوز للدولة إجبارهم علي البيع أو التنازل بغير رضاهم، ويستثني من هذه الإجازة إذا تحققت شروطها مقابر العلماء والأولياء الصالحين، فهذه لا يجوز مطلقًا نبشها بغرض نقلها ! أين هذا مما فعله من حملوا الفئوس والمعاول، واستباحوا بغير حق هدم الأضرحة والقبور بما فيها مراقد بعض آل البيت والأولياء، وخالفوا قوانين البلاد، وآذوا مشاعر الناس، فضلاً عن مخالفة ما فعلوه لشريعة السماء؟!