قال تعالى: (يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَلَاةُ فَانتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَهِ وَاذْكُرُوا اللَهَ كَثِيرا لَعَلَكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة 9 ،10. هكذا يجمع الله للمؤمنين بين الدين والدنيا، بين عبادة ربهم والسعى على رزقهم، ولا يتركهم للدين يأخذهم من الدنيا، ولا الدنيا تأخذهم من الدين، بل يكلفهم الأمريين معا، ويجعلهما سبيل فلاحهم وسعادتهم. والجمعة فريضة أسبوعية يجتمع لها المؤمنون بشعور واحد فى زمن واحد. يخلعون أنفسهم ساعة من دنياهم، يفرغون فيها لربهم، فيناجونه ويستحضرون عظمته، ويطلبون منه العفو والرضا، ويسمعون المواعظ المرققة للقلوب، المهذبة للنفوس. وقد تضافرت الكثير من أحاديث الرسول ﷺ بعد نزول القرآن فيها بالسعى إليها، والتخلى لأجلها عن شئون الدنيا، مثل قوله ﷺ فيمن تركها بدون عذر شرعى «من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله على قلبه». والمسجد هو ذلكم المكان الذى أعد للصلاة واجتماع المسلمين والاتحاد، وجمع الكلمة، وقد كان إنشاؤه أول ما اتجهت إليه عناية الرسول ﷺ بعد وصوله للمدينة، أنشأ المسجد الجامع ليضم شتات المسلمين، ولتقام فيه الصلوات فى صورة جماعية، وقد اعتاد المسلمون بعده على سنة بناء المساجد والعناية بها. ولقد نوه الله بشأنها وأضافها إلى نفسه، وجعلها بيتا خاصا به، لايذكر فيه أحد سواه ورفع قدرها بما أعدت له من عبادته وتقديسه (فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَهِ وَإِقَامِ الصَلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَكَاةِ يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور 3638. ومن هنا أوجب الإسلام أن يسود فى المساجد مظهر الخشوع والسكينة، والبعد عن ما يكدر صفو الروحية التى يسعون إليها بالصلاة الجامعة. وحرصا على هذا الأدب لا ينبغى أن يتخد منها مسرح للتسول، وبيع المجلات والكتب، وتخترق الصفوف وتوزع على المصليين أوراق التسول والإعلانات التجاريه والطبية ويشغل المصلون عن حسن توجههم إلى الله. ولا ينبغى أن تنطلق الأصوات الزعجة عقب الصلاة بحذاء فقد أو مسبحة سقطت أو قراءة الفاتحة لصاحب الضريح، أو غير ما يصرف الناس عن طمأنينة الصلاة، أو آدابها. ولا ينبغى أيضا أن تتخد ميدانا للجدل الصاخب، يثيره متفيهق ثرثار فى شأن لا تعرف مشروعيته أو عدم المشروعية إلا من رجال الإختصاص فى الفقه. ومن أمثلة الجدل ما وصلت بهم المعارك المادية فى بيت الله «قيام بعض المصليين بالإنفراد بإقامة صلاة الظهر عقب سلام الإمام من صلاة الجمعة مباشرة ». وأيضا «قراءة سورة الكهف بصوت مرتفع قبل الصلاة». ولا ينبغى أن يهرع المصلون عقب الصلاة مباشرة إلى حمل أحذيتهم، متزاحمين على باب المسجد متدافعين متسابقين شأن الفارين من سجن، ثم جاءهم الفرج. وهذه بعض مظاهر يجب تطهير المساجد منها، فهى مكان الصلاة الجامعة، وقد كان من وصايا الرسول فى ذلك أن طلب من المؤمنين الإغتسال ليوم الجمعة، وعدم أكل الثوم والبصل وكل ماله رائحة كريهه. وأيضا التحذير من تخطى الرقاب فى صلاة الجمعة، وحذر الخطباء من إطالة الخطبة. وإذا كان المسجد هم مكان الإجتماع الإسلامى فى جو من السكينة والهدوء وخلوص الفكر لله.