وثائق: جون كينيدي أصر على زيارات لفريق أمريكي إلى المفاعل النووى الإسرائيلي للتأكد من سلميته.. وتل أبيب قاومت بشدة - قائد سلاح الجو لإسرائيلي الأسبق أعرب عن مخاوف من إرسال واشنطن قوات محمولة جوا إلى ديمونا كشفت وثائق سرية نشرتها صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية مقتطفات منها، اليوم الجمعة، عن مواجهة سياسية حدثت بين الولاياتالمتحدة والحكومة الاسرائيلية عام 1963، حول برنامج تل أبيب النووي. واشارت الوثائق إلى "معركة إرادة شديدة" وقعت بين الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي ورئيسي وزراء اسرائيلي الأسبقين، ديفيد بن جوريون وليفي إشكول، بشأن برنامج إسرائيل النووي. وقالت "هآرتس" إن "التوترات كانت غير مرئية لعامة البلدين، ولم يكن سوى عدد قليل من كبار المسؤولين فيهما، مدركين لخطورة الوضع". ونقلت الصحيفة عن يوفال نئمان، المستشار الإسرائيلي رفيع المستوى السابق لشؤون العلوم، تصريح له -قبل 25 عاما- قال فيه إن اشكول اعتبر أن "كينيدي قدم إنذارا حقيقيا لإسرائيل". وأضاف نئمان إن "القائد الأسبق لسلاح الجو الاسرائيلي دان تواكوفسكي أبدى مخاوف جدية من أن كينيدي قد يرسل قوات أمريكية محمولة جوا إلى ديمونا، حيث المفاعل النووي الاسرائيلي". ولفتت الصحيفة إلى أن "ما كان على المحك هو مستقبل برنامج إسرائيل النووي"، قائلة إن "كينيدي ، الذي كان لديه التزاما استثنائيا قويا بمنع انتشار الأسلحة النووية، كان مصممًا على بذل قصارى جهده لمنع إسرائيل من إنتاج أسلحة نووية، أما بن جوريون ولاحقا إشكول فكانا مصممان بنفس القدر على إكمال مشروع ديمونا، وبالنسبة لهما، كانت القدرة النووية بمثابة بوليصة تأمين لا غنى عنها ضد التهديدات الوجودية لإسرائيل". ونشر الارشيف الوطني الإسرائيلي قبل أيام وثائق يعود عمرها إلى 50 عاما تكشف تفاصيل المواجهة الاسرائيلية-الأمريكية. وتشمل الوثائق المجموعة الكاملة للرسائل المتبادلة بين كينيدي وبن جوريون وإشكول والعديد من الوثائق الأمريكية ذات الصلة، والتي تم رفع السرية عن بعضها وأصبحت متوفرة فقط في الأشهر الأخيرة. وتتضمن الوثائق تقريرًا كاملاً للمفتشين الأمريكيين الذين زاروا ديمونا في عام 1964، ومذكرات ناقش فيها كبار مسؤولي البيت الأبيض كيفية التعامل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي؛ والتقييمات المخابراتية التي حللت ما إذا كان المفاعل النووي الإسرائيلي، كما أصر الإسرائيليون، يهدف حقًا للاستخدام السلمي. ولفتت "هآرتس" إلى أنه "في خريف عام 1960، بعد وقت قصير من انتخاب كينيدي، أصبحت إدارة (الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور المنتهية ولايتها، على علم بمفاعل ديمونا الذي بدأته إسرائيل وفرنسا في السر خلال عام 1958". وقالت الصحيفة "أصدرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(سى .آي.إيه) تقديرًا مخابراتيا خاصًا حدد أنه يعتبر إنتاج البلوتونيوم للأسلحة غرضًا رئيسيًا واحدًا على الأقل من هذه الجهود"، وتابع التقدير أنه "إذا كان العالم العربي يعتقد أن إسرائيل تمتلك قدرة أسلحة نووية، فسيؤدي ذلك إلى ذعر، وسيتم توجيه اللوم نحو الولاياتالمتحدة وفرنسا لدعمهما المفترض للمشروع". واستنادا الى الوثائق، فإنه في إيجاز بالبيت الأبيض في 19 يناير 1961 ، عشية تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، تساءل كينيدي عن الدول التي كانت تسعى للحصول على القنبلة، فأخبره كريستيان هيرتر، وزير الخارجية الأسبق: إسرائيل والهند، مضيفًا أن مفاعل ديمونا الذي تم اكتشافه حديثًا سيكون قادرًا على إنتاج 90 كيلوجرام من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة بحلول عام 1963، وهو ما يكفي لصنع 10 إلى 15 سلاحًا نوويًا. وحث هيرتر كينيدي على الضغط بشدة من أجل إجراء عمليات تفتيش لديمونة قبل أن تدخل إسرائيل هذه الأسلحة إلى الشرق الأوسط. وقالت صحيفة"هآرتس" إن" كيندي في غضون أيام من توليه منصبه، بدأ يحث بن جوريون على قبول زيارة أمريكية إلى ديمونا، مصراً أن الزيارة كانت شرطا للعلاقات الدبلوماسية الجيدة". وأضافت الصحيفة أنه "بحلول أبريل 1961 أخبر السفير الإسرائيلي في واشنطن أفراهام هارمان الإدارة الأمريكية أن إسرائيل وافقت على قيام مسؤولين أمريكيين بجولة في ديمونا" وفي 20 مايو من نفس العام، قام اثنان من علماء لجنة الطاقة الذرية الأمريكية بزيارة الموقع، وأوضح فريق الإدارة أن "الأساس المنطقي التكنولوجي للمشروع هو اكتساب الخبرة في بناء وتشغيل المفاعلات النووية التي يمكن استخدامها في المستقبل لتوليد الطاقة بشكل سلمي". وقد وضعت هذه الزيارة الأسس لعقد اجتماع بين بن جوريون وكينيدي في نيويورك ، في 31 مايو 1961، وخلال الاجتماع قال بن جوريون لكينيدي: "في الوقت الحاضر، فإن الأغراض الوحيدة هي السلام..لكننا سنرى ما سيحدث في الشرق الأوسط. الأمر لا يعتمد علينا". ولفتت الصحيفة الى أن "الاجتماع ساعد في تنقية الأجواء لبعض الوقت ، لكنه لم يزل الشكوك الأمريكية العالقة بشأن نوايا إسرائيل النووية، و ابتداء من يونيو 1962 ، بدأ الأمريكيون بمحاولة ترتيب زيارة ثانية إلى ديمونا ، لكنهم فشلوا في إحراز تقدم. ولم تتم هذه الزيارة الا في 26 سبتمبر 1962 ، بعد طلبات متكررة على مدار عدة أشهر". واشارت الى ان الزيارة استمرت 40 دقيقة وجاء في نص تقرير الوفد الأمريكي "المفتشون لم يكونوا متأكدين مما إذا كانوا ضيوفًا على علماء، على الرغم من أنه لم يكن لديهم وقت لرؤية المنشآة بأكملها ، وعلى الرغم من وجود بعض المباني التي لم يدخلوها، إلا أنهم تمكنوا في النهاية من تأكيد الطبيعة البحثية للمنشآة". وقالت الصحيفة إنه "مهما كانت الشكوك حول القيمة المخابراتية النهائية المستقاة من الزيارة الثانية، فقد نقلت وزارة الخارجية الأمريكية استنتاجاتها إلى بلدان أخرى، فبعد أسابيع قليلة من الزيارة الثانية، بدأت وزارة الخارجية الأمريكية بإبلاغ حكومات مختارة بهدوء بأن ديمونا كان مشروعًا نوويًا سلميًا". وذكرت الصحيفة أنه " في أوائل عام 1963، عادت المخاوف بشأن ديمونا إلى الظهور، فبحلول أواخر يناير، تلقى كينيدي تقديرًا جديدًا من المخابرات الوطنية بعنوان "المشكلة العربية الإسرائيلية"، والذي سلط الضوء على إمكانات مفاعل ديمونة للأسلحة". وخلصت الوكالة الى انه "فيما يتعلق بالإمكانات النووية لإسرائيل ، فإن المنشأة ستصبح جاهزة للعمل في وقت لاحق من ذلك العام وبحلول العام التالي(1964)، "إذا تم تشغيلها بأقصى طاقتها لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة، يمكن للمفاعل إنتاج بلوتونيوم كافٍ لسلاح واحد أو إثنين في السنة". وأوضحت "هآرتس" أنه "بحلول أوائل فبراير، كان المسؤولون الأمريكيون يصفون الزيارة الثانية لديمونة بأنها "إخفاق" وحثوا على التفكير الجديد داخل لجنة الطاقة الذرية ووزارة الخارجية، وربما البيت الأبيض حول كيفية مراقبة الولاياتالمتحدة للمفاعل بشكل فعال ومنهجي. وكان أحد الاستنتاجات مفاده أن "وجود نظام تفتيش فعال يتطلب زيارات نصف سنوية". وفي 25 مارس 1963، ناقش كينيدي مع رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية آنذاك جون ماكون البرنامج النووي الاسرائيلي وبخاصة مسألة امتلاك إسرائيل قدرات نووية. وفي 2 إبريل من ذلك العام، التقى السفير الأمريكي لدى اسرائيل مع بن جوريون وقدم الطلب الأمريكي "بالقيام بزيارات نصف سنوية لديمونة ربما في مايو ونوفمبر، مع إمكانية الوصول الكامل الى كافة أجزاء المنشآة، وأجاب بن جوريون ، المتفاجئ على ما يبدو ، بالقول إن القضية يجب تأجيلها إلى ما بعد عيد الفصح ، الذي انتهى ذلك العام في 15 أبريل". وقالت الصحيفة: "حظي بن جوريون بفرصة لتغيير الموضوع، في 17 أبريل 1963، حين وقعت مصر وسوريا والعراق على إعلان "الاتحاد العربي"، الذي دعا إلى اتحاد عسكري من أجل "تحرير فلسطين". لم يكن هذا الخطاب جديداً في ذلك الوقت ، وليس من الواضح ما إذا كان بن غوريون رأى الإعلان بمثابة تهديد وجودي حقيقي لإسرائيل، ومع ذلك ، فقد منحه فرصة ذهبية ليجادل بأن إسرائيل كانت تواجه ذلك التهديد تمامًا، ومن ثم - يعني ذلك ضمنيًا - أن إسرائيل لها ما يبررها في جهودها للحصول على "بوليصة تأمين" لوجودها، أي المفاعل النووي. وأضافت "هآرتس" : "لكن كينيدي اصر على طلب الزيارة نصف السنوية لمنشآة ديمونا" وفي 5 يوليو 1963 بعد 10 أيام من تسلم ليفي اشكول رئاسة الوزراء في اسرائيل تسلم رسالة من كينيدي يجدد فيه طلبه والا فإن أزمة بين البلدين ستنشأ. وفي 19 أغسطس بعد ستة أسابيع من المشاورات التي أسفرت عن ثمانية مسودات مختلفة على الأقل، سلم إشكول الى السفير الأمريكي في اسرائيل رده الخطي على مطالب كينيدي. الرد بدأ بتكرار تأكيدات بن جوريون السابقة بأن هدف ديمونا كان سلميًا، وفيما يتعلق بطلب كينيدي، كتب إشكول أنه بالنظر إلى العلاقة الخاصة بين البلدين، فقد قرر السماح بزيارات منتظمة لممثلي الولاياتالمتحدة إلى موقع ديمونا. وتمت الزيارة الأولى بسرية تامة في اواسط يناير 1964، بعد شهرين من إغتيال كنيدي. وكانت هذه الزيارة هي واحدة من 6 زيارات قام بها مفتشون أمريكيون إلى ديمونا مرة سنويا في الفترة ما بين 1964-1969. التتبع